نسويات: اليوم العالمي للمرأة مناسبة لتحصين المكتسبات

شهدت وضعية المرأة المغربية خلال السنوات الأخيرة، تقدماً ملموساً مقارنة مع عدد من بلدان الجوار، فقد حققت العديد من المكتسبات الدستورية والتشريعية والسياسية والحقوقية

حنان حارت

المغرب ـ شهدت وضعية المرأة المغربية خلال السنوات الأخيرة، تقدماً ملموساً مقارنة مع عدد من بلدان الجوار، فقد حققت العديد من المكتسبات الدستورية والتشريعية والسياسية والحقوقية، في تجربة تبقى رائدة على صعيد المنطقة، لكن رغم هذا التطور، هناك العديد من المعوقات التي تتمثل في الذهنيات السائدة والصور النمطية وعدم ترسيخ قيم المساواة والمناصفة، وعدم التطبيق الفعلي للقوانين على أرض الواقع، فماهي هذه المكتسبات؟ وإلى أي حد أثرت موجة كوفيد ـ 19 على حقوق النساء المغربيات اللواتي يحتفلن باليوم العالمي للمرأة في ظل جائحة كورونا للسنة الثالثة على التوالي؟

عن وضعية النساء في المغرب، قالت الناشطة الحقوقية ورئيسة جمعية أيادي حرة، ليلى أميلي لوكالتنا "خلال العشر سنوات الأخيرة، سجلت وضعية النساء في المغرب تقدماً ملحوظاً، نتيجة لتضافر العديد من العوامل ومن أهمها تنامي حركات ديمقراطية وحقوقية تجسدت في نضالات الحركات النسائية وحضورها بشكل مكثف في مختلف هيئات المجتمع المدني، وكذلك ما أقره دستور 2011، الذي ينص على أن المغرب يرتكز على مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية؛ أيضاً نص في فصله السادس على أن تعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين، والمساواة بينهم، ومن مشاركتهم في الحياة السياسية. أما الفصل التاسع عشر فقد أكد على أنه يتمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية".

وأوضحت ليلى أميلي أنه بالإضافة إلى مقتضيات الدستور، فالمغرب انخرط أيضاً في عدد من الاتفاقيات الدولية ومن أبرزها اتفاقية مؤتمر بكين والقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) والتي تنص على أن التنمية التامة والكاملة لبلد ما ورفاهية العلم، وقضية السلم، تتطلب جميعاً أقصى مشاركة ممكنة من جانب المرأة على قدم المساواة مع الرجل في جميع الميادين، مشيرة إلى أن المغرب كان من أوائل الدول العربية التي تصادق على هذه الاتفاقية.

وقالت "رغم كون المغرب كان جريئاً في مصادقته على العديد من التوصيات والاتفاقيات العالمية، إلا أنه لم يتم تفعيل كل البنود على أرض الواقع"، مشيرة إلى أنه في مقابل ذلك استمر مسلسل الإصلاحات وشكل النهوض بالمرأة انشغالاً حكومياً، وتم اتخاذ مجموعة من التدابير توجت بأهم مكسب للمرأة المغربية وهو إقرار قانون لحماية النساء المغربيات من العنف الذي صادق عليه في 2018، لكن رغم أنه يعتبر مكسباً كبيراً، لكنه يحتاج بعد ثلاث سنوات من إقراره إلى  تنزيله بشكل صحيح لضمان حماية أكبر للنساء المعنفات.

وعن حضور المرأة المغربية في السياسة ومراكز القرار تقول الناشطة الحقوقية ليلى أميلي إنه جرت انتخابات على مستوى تمثيلية النساء على صعيد الجهات، فيما ارتفع عدد النساء في مجلس النواب، كما ارتفع عدد النساء في الجماعات المحلية، بالإضافة إلى مجموعة من المجالات التي اقتحمتها النساء، كما أصبحت المرأة المغربية تمتهن مهنة العدول لتوثيق عقود الزواج.

وعلى مستوى حضور النساء في مراكز القرار، بينت "تم تسجيل حضور النساء في مناصب قيادية؛ فهناك سفيرات ووزيرات مسؤولات على وزارات سيادية كوزارة المالية، التي كانت حكراً على الرجل، مستدركة بالقول: هذا لا يعني أنه وصلنا إلى المبتغى، فيما يتعلق بوصول النساء لمراكز القرار، فالحضور يظل محدوداً، ولم يفض إلى تطور وضعيتها السياسية والاقتصادية إلى تحسين تمثيلها السياسي بسبب إكراهات الحقل السياسي والاقتصادي والاجتماعي واستمرار النظر إلى المرأة على أنها كائن غير سياسي".

وعن الإشكاليات التي تحول دون تحقيق الحماية للنساء وتحسين وضعيتها، أوضحت أن الإشكال يتعلق بتنفيذ القوانين على أرض الواقع كما هو الحال بالنسبة لقانون العنف، وأيضاً بالنسبة لمدونة الأسرة التي أصبحت متأخرة عن دستور 2011 وعن الاتفاقيات الدولية.

وقالت أن الحركات النسوية في المغرب تطالب اليوم بتغيير شامل للمدونة، خاصة ما يتعلق بمجموعة من القضايا التي تشمل الأسرة والطفولة مثل تزويج الطفلات، مبرزة أن هناك استثناء في تزويج الطفلات ما بين 16 و18 سنة، وهذا الاستثناء أصبح هو القاعدة، وهو ما أدى إلى استمرار زواج القاصرات.

ونوهت إلى أن الإشكال الآخر يتعلق بحضانة الأم، إذا تزوجت للمرة الثانية، حيث يتم حرمانها من أبنائها، مشيرة إلى أن كل هذه العوامل تؤثر على وضعية النساء في المغرب وتجعلها غير متساوية الحقوق مع الرجل.

وعن الحلول التي تراها كفيلة لتحقيق العدالة الاجتماعية للنساء، تقول ليلى أميلي "هناك مطالبات بتعديل القانون الجنائي  خاصة ما يتعلق بقضايا النساء برفع العقوبات في حق المغتصبين والذين يقومون بكل ما يتعلق بالاتجار بالبشر في صفوف النساء والأطفال".

وقالت أنه في ظل احتفاء نساء العالم باليوم العالمي للمرأة، ينبغي تحصين المكتسبات التي حققتها، وهو ما يعني أن المرأة مطالبة أكثر بمزيد من العمل.

وتعتبر الناشطة الحقوقية ليلى أميلي كل أيام السنة هي عيد للمرأة؛ فالمرأة هي الأم والأخت والزوجة والصديقة، لكونها  تعطي الحياة للأبناء، وبالتالي يجب الاحتفال والإحتفاء بها بشكل يومي وعدم انتظار الثامن من مارس للحديث عن قضايا النساء.  

ولفتت إلى أن اليوم العالمي للمرأة، يأتي للسنة الثالثة على التوالي، في ظل استمرار جائحة كورونا التي قلبت حياة المرأة في العالم رأسا على عقب، موضحة أن النساء كن أكثر تضرراً  خصوصاً خلال الحجر الصحي، والذي كانت له تداعيات كبيرة على النساء المغربيات وأيضاً على نساء العالم، حيث أدى جلوس الزوج في البيت لساعات طوال، إلى تفشي ظواهر العنف والصراع بين النساء والرجال.

وختمت رئيسة جمعية أيادي حرة، ليلى أميلي حديثها بالقول "جائحة كورونا أظهرت لنا الخلل الذي تعيشه المرأة المغربية والعربية، وهو ما يحتم أن تكون هناك قوانين أكثر حماية للنساء، مع ضرورة تفعيلها بشكل صحيح على أرض الواقع، وضرورة تغيير العقليات الذكورية واحترام الكرامة الإنسانية".

ومن جهتها ترى نائبة الكاتب العام للجمعية المغربية لتمكين المرأة والطفل في وضعية تحد بصري هناء المؤلف، أنه تحت وطأة وباء عالمي تطال تبعاته جميع نواحي الحياة في المغرب وفي العالم بأسره، يتضح أن المرأة كالعادة تحملت الوزر الأكبر في ما ترتب عن هذا الوباء من تحديات تتمثل في صعوبة الوصول إلى الخدمات بما في ذلك مؤسسات العدالة والخدمات الاجتماعية، وتزايد العنف المنزلي وعنف الشريك، والعنف ضد النساء في الحيز العام وعلى الإنترنت، تبعيات الجائحة على النساء الأكثر هشاشة كالمرأة القروية والأرملة والمرأة في وضعية إعاقة.

وأضافت أنه في ظل هذه الأزمة يتوجب على الحركة النسوية والمجتمع المدني تقديم مقترحات على مستوى السياسات، يكون هدفها وضع سياسات عامة وبرامج متسقة على المدين القريب والبعيد في إطار استجابة حكومية عاجلة تتضمن التخفيف من آثار جائحة كوفيد ـ 19 على المرأة وتتيح لها التعافي منها بأقل أضرار ممكنة، ولكي تتسم هذه الاستجابة بالفعالية، يجب أن تأخذ بعين الاعتبار التحيزات والمعايير الاجتماعية المتجذرة التي تميز ضد المرأة المغربية في المجالين العام والخاص.

وقالت الفاعلة النسوية هناء المؤلف أن الحركة النسوية مطالبة بإعادة التفكير في مناهجها وفي أولوياتها، فاختياراتها تقوم في الحقيقة على تصور محدد ومميز لتوجهها ورؤيتها، والقاضي بالارتكاز على النخب، ممحورة عملها على المطالب التشريعية في مجال الأسرة بشكل رئيسي، وهو ما يستجيب لأولويتهن كنساء ليبراليات تطمحن لتحقيق حرية فردية وحياة مستقلة للنساء.

وبينت أن الحركات النسوية في المغرب تتوفق في أداء مهامها، كما أنها أكثر قرباً من حركات الاحتجاج الشعبية نظراً لتواجدها الجغرافي وانتماءاتها الطبقية، أو لاختياراتها الإيديولوجية، إنها الأكثر تأهيلاً لتجديد الفكر النسائي المغربي، بجعله توجهاً نسائياً ميدانياً، دون جعله توجهاً نسائياً يقدم المساعدة، أي أن الأمر يتعلق بشكل جديد من أشكال التعبئة من أجل تغيير وضعية النساء، بتبني استراتيجية عمل مع النساء وليس من أجل النساء.