نساء تونس تخشين من برلمان آخر لا يمثلهن

تتخوف التونسيات من مشهد برلماني قادم لا يقيم اعتباراً لهن مجدداً، وتتزايد المخاوف من برلمان ذكوري بعد نسف مبدأ التناصف.

زهور المشرقي

تونس ـ لم تكن النسبة الضعيفة التي أعلنتها هيئة الانتخابات التونسية حول ترشح النساء للانتخابات التشريعية من فراغ، فقد كان ضعف الإقبال ترجمة لخيبة أمل نسائية من عشرية كاملة لم تحقق عبرها النساء إلا قانوناً خاصاً بمناهضة العنف.

أوضحت النساء التونسيات أنه حين يتم البحث عن المكتسبات لن يجدوا منها غير الوعود التي تطلقها مختلف المكونات والأحزاب السياسية في كل حملة انتخابية، وعود لم يتحقق منها شيء على أرض الواقع.

 تلك الخيبة النسائية لم تقتصر فقط على النسويات والنخبة بل تعدت إلى قناعة لدى الكادحات اللواتي لمسنا بالدليل عبر سنوات متتالية أن وضعهن ظل يراوح مكانه، وعبرن عن رفضهن لاستغلالهن كقوة انتخابية وأصوات للوصول إلى السلطة.

وكالتنا التقت بنساء تونسيات عبرن عن مخاوفهن من الانتخابات التشريعية التي من المقرر إجراؤها في السابع عشر من كانون الأول/ديسمبر الجاري، التي قد تضاعف مآسي النساء، وأشرن إلى أن "كل ما نخشاه هو  أن نجد برلماناً آخر لا يشبهننا ولا يمثلنا، وفي ذاكرتنا لا تزال مشاهد البرلمان السابق الذي تحول منذ انتخابات 2019 إلى ساحة صراع بلغ درجة العنف المادي واللفظي، وفضاء لما راح يعرف بـ "السياحة الحزبية" داخل البرلمان، حيث يتنقل النواب من كتلة إلى أخرى لمن يدفع أكثر ويضمن امتيازات أكبر، وهذا من أسباب تفاقم أزماتنا".

تقول نورهان القدوسي وهي مهندسة في الزراعة وصاحبة مشروع لإنتاج منتوجات بيولوجية إنها ستقاطع الانتخابات التشريعية المقبلة، بعد أن كانت من النساء المدافعات بشراسة عن أهمية وجود النساء كناخبات ومترشحات، لكن الوضع الحالي الذي تعيشه البلاد جعلها تدور في دائرة الإحباط من إمكانية تغيير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردية التي ظلت النساء الأكثر تضرراً منها.

ولفتت إلى أن الانتخابات حق وواجب على كل المواطنين لكن ما تركته الطبقة السياسية السابقة من خراب ودمار على جميع المستويات ترك إحباطاً مجتمعياً وخاصة في صفوف النساء اللواتي جوبهت مطالبهن الطبيعية والمشروعة باللامبالاة والاقصاء والتهميش.

وأكدت على أنه "لا أحد في الطبقة السياسية يمثلني كامرأة، من يمثلني فقط هو جهدي ودراستي وعقلي ولا أمل لدي في إصلاح البلاد وتحسين واقع النساء، وأود أن أوصي النساء بالاعتماد على أنفسهن وعدم الاعتماد على الحكومة لأنهن خارج حساباتها السياسية ويتم استغلالهن فقط في المواسم الانتخابية كمجرد أوراق انتخابية للوصول إلى الكراسي ومن ثم يتم نسيانهن. ولكن نظل كنساء واثقات في أنفسنا وقدرتنا على تحمل الصعاب وتحقيق طموحاتنا، فمن لا شيء نخلق أشياء، وتونس قائمة بنسائها".

ولفتت إلى أنها "كانت ستشارك في الانتخابات لو كانت المترشحات نساءً"، معتبرةً أن النساء قادرات فعلياً على قيادة هذه البلاد إلى بر الأمان، وتبرهن الشواهد والوقائع على أن النساء اللواتي نجحن في إدارة منازلهن والتوفيق بين العمل والدراسة وتربية أطفالهن لن تصعب عليهن أمور أخرى في تحمل المسؤولية السياسية وقيادة البلد والمساهمة الفاعلة في تنمية المجتمع، لكن العقليات الذكورية المسيطرة ظلت تقف حائلاً دون تمكين النساء وتمركزهن في مواقع القرار.

وأكدت على أن عدم المساواة بين الجنسين في الحياة السياسية خاصةً بعد صدور القانون الانتخابي، باتت أمراً يثير القلق.

 

 

فيما دعت نجيبة التونسي وهي مربية متقاعدة، التونسيات إلى الإقبال بقوة على الانتخابات وعدم التفريط في إعطاء أصواتهن لمن يمثلهن بصدق ونزاهة، مشيرةً إلى أن مشاركة النساء أمر مهم.

وشددت على أن الانتخاب حق دستوري وواجب للقيام بها برغم كل المشاكل والظروف التي تمر بها تونس.

وأكدت على أنّ من سينجحن من النساء في البرلمان يجب ألا يتناسين معاناة من يتشاركن معهن في الطبيعة بدعم حقوقهن ومكتسباتهن ومساعدتهن، مشيرةً إلى الوضع الصعب الذي تعاني منه الحرفيات اللواتي تواجهن صعوبة في تسويق منتوجاتهن وغياب سوق مشتركة مجانية لعرضها.

وتطرقت إلى الصعوبات التي تواجه الفلاحات حيث يُنقلن في شاحنات مهترئة لتأمين قوتهن، فضلاً عن الوضع المتردي الذي يمر به قطاع الصحة "يا للأسف، النساء دائماً المتضرر الأكبر من الأزمات، وكبش فداء للصراعات السياسية".

وتأمل نجيبة التونسية في إصلاح الأوضاع وعودة دوران العجلة الاقتصادية وإيلاء الأهمية القصوى التي تستحقها النساء.

من جهتها أوضحت أفنان الحاجي أنّها لاحظت تراجع مكتسبات النساء منذ "الثورة" وتقهقرها نتيجة الصراعات على السلطة التي لم تولِ النساء عناية خاصة بترسيخ حقوقهن التي طالما طالبن بها، لافتةً إلى فقدان الثقة في الطبقة السياسية وأصبح الجميع يدرك زيف الوعود التي تروَّج حين موعد الانتخابات، الأمر الذي يفسر الدعوات إلى مقاطعة الانتخابات.

ودعت النساء المترشحات إلى إيلاء قضايا النساء والفتيات الحيّز الأكبر حين تنجحن في العبور إلى البرلمان، لافتةً إلى أنها لا تتوقع أن تغيير الانتخابات المقبلة وضع النساء في الوقت الذي لا زال الوضع الاقتصادي متردياً والمناورات الحزبية سيدة المشهد.