ناشطة لبنانية: لا تهدئة في غزة... إنها استراحة محارب في معركة الوجود
أكدت الناشطة السياسية خلود الحاموش على أن ما يجري اليوم في غزة والجنوب اللبناني فصل جديد من معركة وجودية تتجاوز الجغرافيا، وتعيد تشكيل المعادلات الإقليمية والدولية.
فاديا جمعة
بيروت ـ وسط جهود دولية حثيثة لتثبيت وقف إطلاق النار في غزة، طرحت خطة "اليوم التالي" التي تحدد ملامح المرحلة المقبلة، لكنها تواجه رفضاً واسعاً بسبب غياب التوافق الفلسطيني والدولي حول مستقبل القطاع، في المقابل، تواصل مصر وقطر والولايات المتحدة جهود الوساطة لتفعيل اتفاق التهدئة، وسط تحذيرات من أن أي تعثر قد يعيد إشعال المواجهات.
أما لبنان، فيعيش تداعيات الحرب بشكل مباشر عبر التوترات الحدودية، وغير مباشر من خلال الضغط الشعبي والسياسي المتضامن مع غزة، ورغم إعلان حماس التزامها بوقف التصعيد شمالاً، تبقى المخاوف قائمة في ظل هشاشة الوضع الداخلي اللبناني وتشابك الملفات الإقليمية.
وتعتبر الناشطة السياسية والاجتماعية خلود الحاموش، أن ما يطلق عليه "التهدئة" في غزة ليست سوى محاولة تجميلية لمشهد سياسي وعسكري مأزوم، يعكس تعقيدات المواجهة بين التحالف الأمريكي ـ الإسرائيلي وبقية العالم، في ظل تصاعد الإدانات للهجمات والإبادة الجماعية المستمرة.
وأشارت إلى أن هذا التحالف "بلغ طرقاً مسدودة، ما استدعى البحث عن مخرج مؤقت، خاصة بعد فشلهم في استعادة الأسرى بوسائل عسكرية، واضطرارهم للجوء إلى المفاوضات، لا سيما بعد تعثر محاولاتهم في استهداف قادة "حماس" وفشل الرهان على الوساطة القطرية"، مضيفةً أن "التهدئة جاءت كخطوة تكتيكية لتمرير صفقة الأسرى، تمهيداً للعودة إلى التصعيد، وهو ما تجلّى سريعاً بعد يوم واحد فقط من إعلان التهدئة، تحت ذرائع متعددة".
وأوضحت أن "جوهر التهدئة كان يتمحور حول استعادة الأسرى، وقد انتهى الأمر بقبول الاحتلال بشروط حماس، التي شددت منذ البداية على أن الإفراج لا يتم إلا عبر المفاوضات". وتساءلت "هل هي استراحة؟ نعم، طالما أن شعارهم "من البحر إلى النهر" لا يزال قائماً فإنهم لن يتوقفوا، خصوصاً وأن نتنياهو غير توصيف الحرب وسماها "حرب القيامة"، في إشارة إلى استمرار المعركة".
وأضافت أن أصوات أهالي الضحايا عادت لتصدح من جديد عبر الإعلام، في تأكيد على أن الحرب لم تنتهِ، وأن الإبادة الجماعية لا تزال مستمرة، مشيرةً إلى أن استمرار الانتهاكات ليس بجديد على العدو، الذي اعتاد المناورة بين التهدئة والتصعيد، ليعود ويواجه العالم بما تبقى له من ماء الوجه.
"التهدئة المزعومة غطاء هش لمعركة لم تنتهِ بعد"
ولفتت خلود الحاموش إلى أن ما يبدو تهدئة في غزة لا يعكس واقعاً حقيقياً يلبي الحقوق الأساسية للفلسطينيين، بل هو غطاء هش لمعركة مستمرة "المساعدات التي تدخل القطاع تُنهب وتُسرق، ولا تكفي لسد حاجات السكان الذين يعانون من أزمة اقتصادية خانقة تمنعهم حتى من شراء السلع المتوفرة".
واعتبرت أن "رضوخ الاحتلال جاء نتيجة الاعتراف العالمي المتزايد بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم، ما دفعه إلى الانحناء أمام القانون الدولي والقرارات الأممية، وإن كان بشكل مؤقت".
وأكدت على أن التحديات لا تزال قائمة فالأزمة في غزة ليست فقط مادية بل نفسية واجتماعية عميقة، والآثار النفسية للحرب خاصة على الأطفال والنساء تفوق ما يمكن أن تعالجه المساعدات أو محاولات فرض واقع سياسي جديد، في ظل غياب الاعتراف بـ "حماس" كطرف سياسي، وتفشي العملاء الذين يهددون وحدة الشعب.
ونوهت إلى أن الواقع السياسي في غزة معقّد، والواقع العسكري أكثر تعقيداً، والمجتمع الفلسطيني لم يدخل بعد مرحلة تهدئة حقيقية بل يعيش حالة مخاض قد تفضي إلى قصف أو مفاوضات أو مناورات، مشددةً على أن "ما يجري ليس تهدئة، بل استراحة محارب في معركة مفتوحة، لا تزال تفاصيلها ومستجداتها من واقع الأسرى إلى مصير القيادات طيّ الكتمان".
المعركة تتسع والتسوية الإقليمية على المحك
ولا تقتصر المعركة على غزة، بل تمتد من البحر إلى النهر، وتشمل الضفة الغربية، عرب الـ48، لبنان، الأردن، وحتى سيناء، حيث تحشد مصر تحسباً لاحتمال تدخل عسكري أو محاولة لإعادة رسم الخارطة عبر تهجير سكان غزة، كما أوضحت خلود الحاموش.
وأضافت "تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول "وفرة الأراضي في الأردن" تعكس نوايا مقلقة بشأن التهجير القسري، في ظل استمرار مشاريع التسوية الإقليمية التي لم تُطوَ بعد"، مؤكدة على أن "المشهد الراهن قد تجاوز الإطار الإقليمي ليغدو ساحة صراع عالمي تتداخل فيه مصالح القوى الكبرى مثل الصين وروسيا وكوريا الشمالية والدول الأوروبية، في مواجهة التحالف الأمريكي ـ الإسرائيلي الذي يقوده ترامب نحو خسائر فادحة".
لبنان في مفترق المصير
وعن دور لبنان في هذه المرحلة المصيرية تقول "دوره يكمن في التحصّن من الداخل عبر الدولة وأبنائها وفي إسكات الأصوات العميلة التي تنخر جسد الوطن الجريح، المتعايش قسراً ضمن نظام طائفي هش"، مشددةً على أن وحدة اللبنانيين يجب أن تتجسد حول المقاومة بوصفها حقاً أصيلاً للأرض، لا امتداداً لإيران أو لأي قوة خارجية، ولا لفرنسا أو إسرائيل.
واعتبرت أن هذا الخيار ليس مجرد موقف، بل مسألة وجودية لأن البديل هو الانزلاق نحو مشاريع الهيمنة "الأمريكية والصهيونية"، سواء عبر التطبيع أو الحياد أو غيرهما من أدوات السيطرة، لافتةً إلى أن اللحظة تتطلب وحدة حقيقية لأن من لا يكون اليوم يداً واحدة، لن يستطيع أن يكون غداً جزءاً من نسيج الوطن.
وشددت على أن حماية المدنيين في الجنوب تبدأ بصون النفس المقاوم، فالمقاومة بالنسبة إليها ليست خياراً، بل هوية متجذرة في تراب جبل عامل ودماء الضحايا "اللبنانيين الثوار سيبقون دائماً في مواجهة المحتل والفساد، في الداخل والخارج، ووحدتهم وسلاحهم يجب أن يكونا واحداً، لأن الحماية الحقيقية تنبع من الثورة الداخلية التي تصون وجه لبنان المقاوم في وجه المشروع الصهيوني".
الإعمار كحق والصمود كهوية
وترى خلود الحاموش أن العدالة والسلام شأنهما شأن الحرب، باتا قضايا إقليمية وعالمية، وأن لبنان لا سيما الجنوب، يشكّل ساحة صراع دائمة، بعدما تحوّل من "سويسرا الشرق" إلى "سويسرا الشرق العسكري"، مؤكدةً أن لبنان لم يكن مجرد ساحة داخلية بل ميداناً للمواجهات العالمية والإقليمية، ما يجعل إعادة إعماره ضرورة وطنية وقومية.
ولفتت إلى أن دعم غزة لم يكن إلا وقوفاً إلى جانب المظلوم في وجه الظالم، وهو موقف لا يمكن التخلي عنه، وترى أن إعادة إعمار الجنوب حق طبيعي لأهله وأن تأخير هذا الحق يرتبط بتعطّل المفاوضات والحلول العسكرية والأمنية، حيث يستخدم ملف الإعمار كورقة ضغط على الأهالي والحكومة والمقاومة، في محاولة لإفراغ الجنوب من سكانه.
ورغم المآسي تؤكد أن أهل الجنوب يواصلون العودة إلى بيوتهم، يزرعون الزيتون، يسكنون ويعلّمون أبناءهم في الخيم والهنغارات، في مشهد من الصمود اليومي "من يملك الحق لا يتخلى عنه، فكيف إذا كان هذا الحق لأهل الجنوب الذين جبلوا بالصبر والمقاومة".
أوراق جديدة تربك المعادلات وتعيد رسم الصراع
وأوضحت أن ورقة لبنان وغزة لم تعد منفصلة، بل باتت جزءاً من معادلة إقليمية أوسع تشمل اليمن والعراق، وتتداخل فيها مواقف إيران ومفاوضاتها في المنطقة "المعركة لم تعد محلية، بل أصبحت إقليمية ودولية تُخاض براً وبحراً وجواً، والضغط سيستمر حتى بلوغ تهدئة شاملة تغطي المنطقة بأكملها، وحسم هذه المعركة مرهون بصمود المقاومين وثباتهم".
وأكدت أن أي مواجهة قادمة ستشهد تغيّراً جذرياً في المعادلات، مع دخول أوراق جديدة لم تستخدم من قبل، ما قد يربك إسرائيل ويثير مخاوفها، كما أوضحت خلود الحاموش، أما فيما يخص حالة النزوح المستمر، فتصفها بأنها "ضريبة وجود الكيان الصهيوني".
المرأة في قلب النضال
وأشارت إلى أن المرأة في الجنوب اللبناني وفي البلدان العربية، وفي فلسطين خاصة، ليست مجرد عنصر اجتماعي، بل هي جوهر الثورة، وأيقونتها الحية، معتبرة أن المرأة المناضلة التي تحملت المآسي والمصاعب، ولم تتراجع عن المطالبة بحقوقها، فحال المرأة اليوم هو حال الأرض، وحال الأمة، وهي في قلب المعركة، لا على هامشها.
وأكدت خلود الحاموش على أن المرأة في لبنان وفلسطين لم تتوانَ عن أداء دورها الإعلامي في قلب المعركة، حيث ظهرت الصحفيات في ساحات المواجهة، يواجهن الخطر والجوع والمرض والبطش، لافتةً إلى أن دور المرأة لم يقتصر على الدفاع عن القضية، بل كانت خير سند لها على كافة المستويات.
واستحضرت مشاهد النساء اللواتي شاركن في سفن كسر الحصار من مختلف دول العالم، ووقفن في وجه القوات الإسرائيلية رغم أنهن لا ينتمين إلى هذه الأرض، فكيف بأبناء الأرض الذين تشبّعوا بالزيتون والتين وبندقية الحق والدفاع عن المظلوم.
وقالت الناشطة السياسية خلود الحاموش في ختام حديثها "إن المرأة في هذه الأرض ليست فقط شريكة في النضال، بل خرجن من رحم أمة لا تزال تقاوم، وتقدّم نماذج من البطولة والكرامة في وجه الظلم والاستعمار".