حركة "الأربعاء الأبيض" ... ما بين المنع والإلزام نضال المرأة الإيرانية مع الحجاب

برزت حركة "الأربعاء الأبيض" كأحدث الحملات المناهضة لارتداء الحجاب إجبارياً في إيران

مركز الأخبار ـ ، حيث تعد قضية فرض الحجاب على المرأة، والتي مرت بعدة مراحل ما بين المنع والإلزام من القضايا النسوية والحقوقية البارزة في البلاد، منذ نهاية القرن الثامن عشر وحتى الآن.  
تعد إيران البلد الوحيد في العالم الذي يجبر النساء غير المسلمات على ارتداء الحجاب، وتعد السلطات ظاهرة كشف الحجاب التي قادتها مجموعة من النساء في البلاد مؤخراً عبر حركة "الأربعاء الأبيض" والتي انتشرت بكافة المدن، انتهاكاً لحرية وكرامة المرأة المسلمة، واستفزازاً وجريمة ضد الإسلام. 
 
شرارة الاحتجاجات النسوية منتصف القرن الثامن عشر
كان قيام الناشطة "طاهرة قرة العين" وهي إحدى قادة الحركة البابية التي ظهرت في القرن التاسع عشر بخلع حجابها أمام الملأ عام 1848 بداية شرارة احتجاج المرأة الإيرانية على الحجاب الإلزامي.
ظهرت الحركة البابية في القرن التاسع عشر خلال عهد أسرة القاجار التركمانية عام 1786، على يد محمد رضا الشيرازي الملقب بـ "الباب"، وتعني حسب المعتقدات الشيعية الوسيط بين الله أو الولي المقدس من نبي أو إمام وبين العبد. 
فاطمة البارغاني وهي أديبة وشاعرة وناشطة في مجال حقوق المرأة الإيرانية لقبت في المجتمعات الأدبية والفنية بعدة ألقاب أشهرها "طاهرة قرة العين" و"زرين تاج"، سافرت إلى كربلاء في العراق مع زوجها عام 1843 طلباً للعلم، حينها بدأت تميل إلى آراء المدرسة الشيخية المتمثلة بآراء الشيخ أحمد الإحسائي، إلا أنها سافرت مع زوجها إلى مدينة قزوين غربي العاصمة طهران.
امتلأت حياتها الفكرية بالعديد من الطرق الصوفية، ثم مالت إلى عقائد الكشفيين المتمثلة بآراء كاظم الرشتي، بينما زوجها كان من خصومه فكرياً وفقهياً مما تسبب في انفصالهما، وسافرت مجدداً إلى كربلاء لمقابلة كاظم الرشتي، إلا أنها علمت بموته فأخذت مقامه وبدأت تعطي الدروس للطلاب من وراء الستارة في عام 1843، نددت بتعدد الزوجات وحاربت ارتداء الحجاب وكانت أول من تكشف عن حجابها أمام الملأ في إيران.
اعتبرها البعض إعادة بعث لـ "فاطمة الزهراء" لأنها كانت تمثل لهم رمز العصمة والطهارة، سُجلت انتفاضتها واحتجاجها كنقطة انطلاق لدور المرأة في إيران الحديثة.
قبض عليها بتهمة الخطابة والتحريض وتنظيم الاحتجاجات، وبأنها اشتركت في مؤامرة قتل الشاه ناصر الدين القاجاري، حكم عليها بالحرق وهي حية، فأعطت منديلاً للحارس ليخنقها قبل مجيء الجلاد لحرقها في عام 1852.
 
الحجاب الإلزامي في القرن العشرين
كانت أغلب النساء الإيرانيات في مطلع القرن العشرين يرتدين الـ "تشادور"، وهو عبارة عن عباءة سوداء اللون تغطيهن من قمة الرأس حتى أخمص القدمين.
في عام 1906 ركزت الناشطات على إنشاء وتأسيس مدارس للفتيات، دون التدخل في قضية الحجاب الإلزامي، كون إثارة القضية ستضيق من مساحة تعليم الفتيات، ومع ذلك كانت "الفاحشة والسفور" التي تعني إزالة النقاب وترك التشادور وغطاء الرأس من أولى الاتهامات التي انتشرت وتم توجيهها للناشطات ومدارس تعليم الفتيات.
شهد عام 1907 صدور مجلات وصحف تهتم بشؤون المرأة، ومن خلالها نشرت بعض النساء في مقالاتهن معارضتهن للحجاب الإجباري، ووضعن النقاب جانباً، وكن خلال الجلسات الخاصة يخلعن التشادور والحجاب.  
وفي نفس العام خرجت مجموعة من نساء العاصمة طهران بدون حجاب "سافرات"، إلى الطرقات العامة ورددن الشعارات التي تنادي بحرية المرأة من القيود الدينية، إلا أن السلطات قمعت تلك الاحتجاجات وتم وصفهن بـ "العاهرات" واتهامهن بالكفر والإلحاد والإساءة لسمعة الدستوريين. 
 
عقوبات على منتقدي الحجاب
في عام 1919، تلقت "صديقة دولت أبادي" وهي مؤُسسة مجلة "المرأة للغات"، ومن أبرز الناشطات في مجال حقوق المرأة، تهديدات بالقتل لانتقادها الصريح والمعلن للحجاب، وتم توقيف مجلة "رسالة السيدات" برئاسة الصحفية شهناز آزاد الرائدة في الحركة النسوية الإيرانية، لأنها كتبت "الحجاب خرافة ووهم ورجعية تقليدية، وسد للأفق أمام نظر النساء والرجال في هذه البلاد". 
تعرض منزل مديرة مجلة "عالم المرأة" الصحفية والناشطة "فخر آفاق بارسا" للهجوم وتم نفيها من مدينة مشهد إلى طهران، لأنها أيدت في جزء من مقالتها الافتتاحية خلع الحجاب في إيران، جاء فيها "المرأة لا تزال غير قادرة على أن تملك الحق في اختيار لباسها الخاص ... فهي إذن لا تزال محرومة من تنفس الهواء النقي والحرية".
وفي عام 1923، قامت شهناز آزاد مع زوجها أبو القاسم آزاد بتأسيس "تجمع خلع الحجاب" الذي طالب بالحق في عدم ارتداء الحجاب، وتم توقيف التجمع في أقل من عام على تأسيسه، وتعرض أبو القاسم آزاد للسجن والنفي.
 
الحجاب في عهد الشاه رضا بهلوي 
تأثر رضا خان بهلوي بالثقافة الأوروبية لمصطفى كمال أتاتورك، قائد الحركة التركية الوطنية التي حدثت في أعقاب الحرب العالمية الأولى (1914ـ 1918)، بعد زيارته لتركيا عام 1934، فأصبح يرى أن ارتداء الحجاب "سبب لتخلف الإيرانيات".  
وفور عودته من تركيا، أصدر في 8 كانون الثاني/يناير 1936، مرسوماً يحظر على النساء ارتداء أية قطعة من قطع الحجاب "الحجاب، الوشاح والشادور" وسجل ذاك التاريخ بـ "يوم حرية المرأة"، وضمت الحكومة هذا الإجراء في تطور برنامج حقوق المرأة من التغريب والتحديث في المجتمع، وترافق مع ذلك حظر العديد من أنواع الملابس التقليدية للرجال معتبراً أن "الغربيين الآن لن يضحكوا علينا".  
وبحسب وثائق مؤسسة مطالعات تاريخ إيران المعاصر فإن المرسوم تعرض لانتقادات شديدة من قبل علماء الدين الإيرانيين والشعب الإيراني المتدين، فيما عملت السلطات على معاقبة المسؤولين الذين يرفضون تطبيق القرار أو اصطحاب زوجاتهم بدون حجاب لحضور الحفلات والمناسبات المختلفة، واعتبر مرسوم كشف الحجاب من أكثر المواضيع إثارة للجدل في فترة حكم شاه إيران رضا بهلوي.
 
إنفاذ مرسوم كشف الحجاب 
من أجل تنفيذ مرسوم "كشف الحجاب" أمرت السلطات الإيرانية الشرطة بإزالة الحجاب عن أي امرأة ترتديه علناً، مما أدى إلى تعرض العديد من النساء للضرب وتمزيق حجابهن، وتفتيش منازلهن بالقوة.  
وصدر قانون يسمح للشرطة بملاحقة المحجبات ودخول منازلهن وتفتيشها، وفي حال وجدوا التشادور يمزقونه، كما صدرت أوامر لجميع حكام الأقاليم برفض قبول النساء المحجبات اللاتي يأتين إلى الدوائر الحكومية، وبالمقابل كانت الشرطة مسؤولة عن أمن النساء الغير محجبات وتجنب أي نوع من عدم الاحترام معهن. 
في عام 1929 تعرضت ست معلمات في مدينة شيراز للضرب بالحجارة من معارضيهن لخروجهن مرتديات التشادور الملون تعبيراً عن رفضهن مرسوم كشف الحجاب الإجباري، وفي عام 1931 بحثت مجلة عالم النساء مسألة الحجاب وعرضت ونشرت آراء مؤيدي الحجاب. 
اختارت العديد من النساء البقاء في منازلهن وعدم مغادرته على أن تتعرضن للعنف والإجبار على خلع الحجاب، إلا أن الشعب الإيراني رفض تلك الأساليب من خلال خروجه بمظاهرات سلمية في تموز/يوليو 1935 بمدينة مشهد، فتصدى لها الجيش وقمعها مما أسفر عن مقتل أكثر من 1600 شخص بينهم نساء وأطفال. 
رفض رجال الدين المرسوم الذي يعتبر منافي للشريعة الإسلامية وكان أول تحرك لهم من مدينة شيراز خلال حفل مدرسي كشفت فيه الطالبات عن رؤوسهن وبدأن بالرقص، أثارت هذه الحادثة سخط بعض المشاركين في الاحتفال وتبعهم بذلك بعض رجال الدين منهم آية الله أبو قاسم كاشاني وأبو الحسن طالقاني، وتعرض الأخير للاعتقال أكثر من مرة بسبب موقفه من مرسوم إلغاء الحجاب. 
 
سقوط حكومة رضا شاه وإلغاء مرسوم كشف الحجاب
خلف محمد رضا بهلوي والده رضا بهلوي شاهاً لإيران، بعد أن أطاحت قوى التحالف برضا خوفاً من تعاونه مع أدولف هتلر في الحرب العالمية الثانية وتزويده بالنفط، فاحتلت قوات التحالف إيران وأجبر الغزو البريطاني ـ السوفيتي المزدوج في 25 آب/أغسطس 1941 رضا على التنحي في نفس العام.
وبعد وصول محمد رضا إلى الحكم تم إلغاء قانون كشف الحجاب وخفف الضغط على النساء، حيث تمكن من ارتداء نوعاً من الحجاب الذي يعرف بالشادور بحرية.
 
فرض الحجاب أول قوانين "الثورة الإسلامية"
بعد الثورة التي استبدلت النظام في إيران من الملكية إلى الجمهورية، عام 1979، سميت بالجمهورية الإسلامية الإيرانية وعلى ذلك كانت أولى القرارات إلزام النساء في جميع انحاء البلاد ومن كافة الأديان بارتداء الزي الإسلامي المكون من معطف فضفاض وحجاب أسود داكن اللون مُحكم على الرأس ويغطي الرقبة بالكامل وبنطال واسع، ومنع ارتداء الجينز والحذاء المفتوح الذي يظهر أصابع القدم أو الكعب العالي.  
ورداً على هذا الإعلان خرجت حوالي 15 ألف امرأة إيرانية في أول مظاهرة نسائية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة المصادف لـ 8 آذار/مارس 1980، احتجاجا على القرار أمام مبنى رئاسة الوزراء، وهن يلبسن الملابس السوداء.
ازدادت أعداد المظاهرات النسوية تدريجياً إلا أن ذلك لم يجدي نفعاً، وصدر قانون في عام 1983، بفرض الحجاب في كافة الأماكن العامة والحكومية على النساء، وتعد إيران البلد الوحيد في العالم الذي يطلب من النساء غير المسلمات ارتداء الحجاب.
كانت كل امرأة تخالف القوانين والأعراف، تعاقب بأشد الأساليب، وأغلب مهام شرطة الآداب في البلاد رصد مظاهر "سوء الحجاب" كما أطلقت عليه السلطات الإيرانية، وزج المشاركات في السجون وأشارت منظمات إيرانية معارضة ودولية حقوقية إلى أن عدداً كبيراً من النساء فقدن حياتهن تحت التعذيب خاصة في سجن إيفين سيئ السمعة.
لم تلتزم المرأة الإيرانية بتلك القوانين، وخاصة فتيات الجيل الحديث اللواتي فضلن وضع غطاء رأس قصير يظهر الوجه والرقبة ويغطي الشعر جزئياً، بينما ارتدت المراهقات ملابس ضيقة وأكثر تحرراً من الشادور أو المعطف الطويل الفضفاض، الأمر الذي أثار غضب المتشددين الذين يعتبرون هذا الأمر غزواً غربياً ينتهك التقاليد والأعراف. 
وفي ربيع عام 1993 خلعت طبيبة الأطفال هوما درابي حجابها بعد أن ألقت خطاباً ضد الحجاب الإلزامي في ميدان تجريش بطهران وأضرمت النار في جسدها، وكانت السلطات اغلقت عيادتها لرفضها ارتداء الحجاب وخلدت ذكراها أختها يارفين درابي بتسمية مؤسسة الطب في الولايات المتحدة باسمها تخليداً لذكراها، وشاركت في كتابة السيرة الذاتية لهوما بعنوان "غضب ضد الحجاب".
 
الأربعاء الأبيض ... من الميدان إلى مواقع التواصل الاجتماعي
صدر في عام 2014، مسح أجراه مكتب حسن روحاني أظهر أنه بنسبة 49.8% من الإيرانيين يرفضون الحجاب الإجباري المفروض على النساء، وفي نفس العام تصاعد الحراك ضد القانون، وبرزت عدة حملات منها حملة "حريتي المسلوبة" و"الأربعاء الأبيض" عبر مواقع التواصل الاجتماعي. 
لاقت تلك الحملات رواجاً في أوساط النساء الإيرانيات، بالإضافة إلى ظهور عشرات الحملات عبر وسائل التواصل، التي أصدرت صدى في الشارع الإيراني، وقد ذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش قمع السلطات الإيرانية للحراك النسوي في تقريرها باسم "إيران: قمع بلا هوادة". 
مع بدء حملة "حريتي المسلوبة" و"الأربعاء الأبيض" في عام 2014، أعلنت المئات من النساء اعتراضهن على الحجاب الإلزامي من خلال بث فيديوهات ونشر صور لهن دون حجاب في الأماكن العامة، أو وهن مرتديات أغطية رأس بيضاء أو منديلاً أبيضاً رمزاً للاحتجاج.
ومع بداية عام 2017 اعتلت "ويدا موحد" صندوقاً للأسلاك الكهربائية ملوحة بحجابها بعد تعليقه على عصا خشبية أمام المارة وهي في صمت تام، وهي أول فتاة تخرج بشكل علني دون حجاب، ولقبت منذ ذلك الحين بـ "فتاة شارع الثورة" وتم اعتقالها مباشرة بتهمة تشجيع النساء على ارتكاب الفساد وعدم الالتزام بالحجاب، بعد أن تظاهرت العشرات من النساء مطالبات بارتداء الحجاب اختيارياً، أطلق سراح ويدا بعد مضي شهر بشكل مؤقت بعد أن دُفعت كفالتها، وقد حظيت بتأييد نسائي وعدد لا بأس به من الرجال.  
وبدأ الرجال والنساء يتناوبون في الوقوف على تلك المنصة التي اعتلتها ويدا موحد في شارع الثورة كل يوم أربعاء، وهم ملوحين بعصا عليها منديل أبيض، محولين تلك البقع إلى مزار لمعارضي القوانين التي تقيد حريات المرأة، كما شهدت أماكن أخرى في العاصمة طهران مظاهر تأييد ودعم للحملة عن طريق حمل الشبان مناديل بيضاء في يد وفي اليد الأخرى لافتة كتب عليها "لستن وحدكن".
اتهمت شرطة طهران المشاركات بحملة مناهضة الحجاب الإجباري بالتأثر بحملة "الحريات المسلوبة" و"الأربعاء الأبيض" التي تعتبر من أحدث الحملات والمبادرات النسائية في مواجهة فرض الحجاب في إيران.
أطلقت الصحفية الأمريكية ذات الأصول الإيرانية ومقدمة برامج في محطة شبكة الأخبار الفارسية لصوت أمريكا ومؤسسة حركة "حريتي الخفية" "ماسيه ألينجاد" هاشتاغ "الأربعاء الأبيض" في 24 أيار/مايو 2017، ووجهتها إلى النساء اللواتي يرتدين الحجاب ولكنهن معارضات على فكرة ارتدائه بالإجبار، وتدعو كل امرأة إيرانية مجبرة على ارتداء الحجاب للتعبير عن رأيها، شجعت النساء للخروج كل يوم أربعاء إلى مكان عام مرتديات منديلاً أبيض، ثم يخلعنه ويلوحن به على عصا رمزاً لرفضهن الحجاب الإجباري، واختير يوم الأربعاء لأنه يصادف يوم احتجاج ويدا موحد التي كانت تلوح بحجابها الأبيض.
وقد نشطت حركة "حريتي الخفية" عبر شبكة الإنترنت وتعارض قانون اللباس الإلزامي للنساء في إيران، وقامت النساء بنشر صورهن على مواقع التواصل الاجتماعي، وبحسب ما نشرت صحيفة الأندبندنت البريطانية من تغريدات مرفقة بصورة "تضامناً مع زوجاتهن واحتجاجا على فرض ارتداء الحجاب على النساء، ارتدى رجال في إيران الحجاب".
وتبدو الحملة استجابة لدعوة أطلقتها الناشطة ماسيه ألينجاد تحت عنوان "حريتي في الخفاء"، لمساندة مواطناتها في مقاومة الحجاب المفروض عليهن قسرا، كما انبثق عنها وسوم عديدة منها "الكاميرا سلاحي".
وخلعت العديد من النساء الحجاب ما بين كانون الأول/ديسمبر 2017 وكانون الثاني/يناير 2018، وهن يقفن على صناديق الأسلاك الكهربائية احتجاجا على إلزامية الحجاب في إيران، وحكمت المحاكم الإيرانية على العديد من النساء بالسجن، وقمع عناصر الاستخبارات المظاهرات السلمية.
وفي استطلاع للرأي أجراه مركز الأبحاث التابع للبرلمان الإيراني أظهر أن 70% من النساء يرفضن ارتداء الحجاب اجباراً، مؤكداً "أن الحجاب أصبح من العادات والتقاليد الإيرانية وليس للشرعية".
وقام مركز الدراسات الدولية والأمنية في ولاية ماريلاند (CISSM)، في 2 شباط/فبراير 2018 بإجراء استطلاع رأي أيضاً ظهر أن بعض الإيرانيين يوافقون على "تغيير النظام السياسي الإيراني أو على الأقل استبعاد الشريعة الإسلامية من الحياة السياسية". 
 
قوانين العقوبات الإسلامية
وتعاقب الإيرانيات المخالفات لقوانين فرض الحجاب بغض النظر عن دياناتهن، بحسب المادة 638 من قانون العقوبات الإسلامي في إيران على ما يسمى "بالجزاءات" وهي العقوبة التي تفرض على النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب، بالسجن ما بين عشرة أيام حتى شهرين أو دفع غرامة مالية بقيمة 50.000 حتى 500.000 ريال إيراني.
وتنص المادة 639 من نفس القانون على أنه "يعاقب كل مخالف بالسجن من سنة واحدة إلى 10 سنوات لكل شخص ينشئ أو يدير مكان فجور أو دعارة أو يشجع الناس على ارتكابها" وهذه من أحد القوانين التي يجري بموجبها اعتقال بعض المحتجات. 
إلا أن المادة 21 من الدستور تنص على أنه "يجب على الحكومة ضمان حقوق المرأة في جميع النواحي، وفقاً للمعايير الإسلامية".
 
الاعتقالات وردود الفعل الداخلية  
كان رد فعل السلطات عنيفاً، إذ اعتقلت السلطات حوالي 35 امرأة للمشاركة في الاحتجاجات بالعاصمة الإيرانية طهران، وهددتهم أخريات بإمكانية تعرضهن للسجن مدة تصل إلى عشر سنوات. 
تداول نشطاء إيرانيون على شبكات التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لمجموعة من النساء تتحدين السلطة بخلع حجابهن بشكل جماعي في شارع الثورة بالعاصمة طهران، بعد اعتقال 29 امرأة قمن بخلع الحجاب في الأماكن العامة.
وبنهاية عام 2017 أعلن العميد حسين رحيمي رئيس شرطة طهران، بأن الشرطة ستنظم جلسات تعليمية لمن لا يراعين القيم الإنسانية عوضاً عن اعتقالهن وإحالتهن إلى القضاء.
وخرجت الناشطة الحقوقية "نسرين ستوده" عن صمتها بعد مرور عدة أيام من احتجاج ويدا موحد وبدأت تحقيقاً مفصلاً للبحث عنها، حيث توصلت في وقت لاحق إلى أن السلطات الإيرانية قد ألقت القبض عليها إلى جانب الناشط الحقوقي الذي لم يتم التعرف على اسمه بعد.
وبعد يوم من الإفراج المؤقت بالكفالة عن ويدا موحد في 28 كانون الثاني/يناير 2018، تم القبض على فتاة تدعى نرجس حسيني (32 عاماً) في طهران بعد تكرارها مع ثلاث نساء أخريات لسيناريو احتجاج ويدا من خلال وقوفهن أيضاً على صندوق في شارع الثورة.
ووفقاً لما ذكرته الحقوقية نسرين ستوده بأن نرجس حسيني لم تكن قادرة على دفع غرامة مالية قدرها 135.000 دولار أمريكي، لذلك فهي تواجه احتمالية الحكم بالسجن لمدة 10 سنوات مع 74 جلدة، بتهم من بينها ارتكاب "أفعال آثمة" علناً.
وانتشر احتجاج النساء والرجال في عدة مدن إيرانية بحلول 30 كانون الثاني/يناير 2018، بما في ذلك المدن الرئيسية في أصفهان وشيراز، وظهرت صور تمت مشاركتها على مواقع التواصل الاجتماعي قيام الحكومة ببناء هيكل جديد فوق المجسم السابق لمنع النساء من اعتلائه والتظاهر فوقه.
وفي 15 شباط/فبراير 2018 احتجت عضوة حركة الإصلاح الإيرانية عزام جنكروى على إلزامية الحجاب على طريقة ويدا موحد في شارع الثورة، وقد تم الإفراج عنها وعن نرجس حسيني في 17 شباط/فبراير من نفس العام بعد دفعهما الكفالة.
فيما اعتقلت السلطات المراهقة مديح حجبري أيضاً بعدما نشرت مقاطع فيديو لها وهي ترقص على موسيقى غربية دون حجاب في حسابها على موقع الإنستغرام الخاص بها والذي يحظى بمتابعة أكثر من 600.000 شخص، مما أثار هذا الموقف جدلاً كبيراً في البلاد. 
وتستمر حسابات وصفحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي بنشر صور وفيديوهات من مختلف أنحاء إيران مع هاشتاغ # "فتيات شارع الثورة" كتعبير عن التعاطف مع المرأة ورفضاً لارتدائها الحجاب قسراً.
وذكرت الشرطة في بيانها أنها شنت حملة اعتقالات في العاصمة من أجل "ضمان الزمن الاجتماعي" من خلال اعتقال "المخدوعين بحملات شبكات التواصل الذين يهددون أمن المجتمع"، بحسب ما ورد في نص البيان.
وفي صيف 2018 تم توقيف المحامية نسرين ستوده، التي دافعت عن النساء المعتقلات، حيث تولت الدفاع عن العديد من النساء اللواتي قبض عليهن بين عام 2017 و2018، وحكم عليها بالسجن 33 عاماً مع 148 جلدة، حيث وجهت لها عدة تهم منها "الاجتماع والتآمر ضد الأمن القومي، الدعاية ضد النظام، التحريض على الفجور والتجسس"، وحكم الجلد الذي صدر بحقها كان بسبب وصولها إلى المحاكمة من دون حجاب مخالفةً بذلك القانون الإيراني، الذي يفرض على النساء تغطية رؤوسهن في الأماكن العامة.
وصف المدعي العام الإيراني محمد جعفر منتظري في 31 كانون الثاني/يناير 2018 الاحتجاجات بـ "التافهة والصبيانية التي يحرض عليها من قبل الأجانب"، فيما نفا نائب رئيس البرلمان علي مطهري الزام النساء بالحجاب لأن المرأة ترتدي ما يحلو لها، بحسب ما قال. 
وذكر المتحدث باسم القضاء الإيراني غلام حسين محسني إيجائي في 4 شباط/فبراير 2018، أن الشرطة عثرت عند المعتقلات على "مخدرات مصطنعة"، وتوعد بزيادة عقوبتهن في حال ثبت أن الاحتجاجات كانت منظمة.
وأشار الرئيس حسن روحاني إلى أنه بموجب المادة 59 من الدستور الإيراني فإن أي صراعات في المجتمع الإيراني يمكن حلها من خلال إجراء استفتاءات دستورية، وأكد مهدي العلامة الطباطبائي الشيعي على أن أجبار النساء على ارتداء الحجاب هو أمر مخالف للإسلام ويؤدي إلى ردة فعل معاكسة. 
بينما الشرطة الإيرانية حذرت من الاستهتار بالحجاب وأكدت على أن العقوبة تصل إلى10 سنوات سجناً وفقاً للمادة 639 من القانون.
 
شرطة الأخلاق وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر  
استحدثت الشرطة الإيرانية فرع يدعى بالشرطة الأخلاقية، تتمثل مهمتها بالتواجد في الأماكن العامة والتحقق من تطبيق الأخلاقيات العامة الإسلامية التي تفرضها إيران بما فيها ارتداء الحجاب، ويمكنها فرض غرامات على المخالفات أو حتى اعتقالهن.
كان يقدر عدد أفراد شرطة الأخلاق المعروفة باسم "دوريات الإرشاد" في عام 2016، بنحو 7 آلاف عنصر في العاصمة طهران فقط، وتخالف أيضاً الشباب وتزج بهم في السجون في بعض الأحيان بسبب قصات شعر أو ارتداء بنطلونات جينز تحاكي الموضة الغربية، أو يتم نقلهم إلى "مؤسسة الإصلاح".
اعتقلت شرطة الآداب في 23 كانون الأول/ديسمبر 2017، نحو 230 شخصاً في حفلة بمناسبة "شب يلدا" في العاصمة طهران على خلفية تناولهم الخمر، وسعت ناشطات إيرانيات إلى تنظيم أكثر من وقفة احتجاجية لمعارضة مهامهم.
وإلى جانب أدوار شرطة الأخلاق التي تأخذ صفة رسمية باعتبارها واحدة من مؤسسات الدولة، توجد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تشكلت في عام 1993، في صورة مبادرة تطوعية من مجموعة من الأفراد، لتأدية مهام شبيهة بمهام شرطة الأخلاق.
فيما ذكرت صحيفة "دايلي تليغراف" بأن السلطات الإيرانية عينت مؤخراً 2000 شرطية جديدة في "شرطة الأخلاق" بحسب ما تعتبره السلطات بأنه تم زيادة العدد بسبب "زيادة في موجة التحدي" لسياسة ارتداء النساء للحجاب إجبارياً، وكل مجموعة تتألف من 6 شرطيات، لهن سلطة اعتقال واحتجاز النساء اللواتي يرون أنهن ينتهكن قانون فرض ارتداء الحجاب إنما يتجاوزه إلى إهانة وضرب النساء وقد يصل الأمر لأكثر من ذلك. ممارسات قمعية لا ينجو منها الرجال أيضا، فهم أيضا عرضة لعقوبات أقل بطشا، إذ تكتفي شرطة الأخلاق بتوبيخهم وزجرهم في حال رأت أنهم "متأثرون بالغرب" في لباسهم أو سلوكهم. 
وبحسب تقارير فأن الأجهزة الأمنية وضعت كاميرات في الطرقات الرئيسية في البلاد، مراقبة النساء اللواتي يقدن السيارات والتأكد من ارتدائهن الحجاب لحظة مغادرتهن الأوساط التجارية والمدن والقرى.
 
ردود الفعل في الخارج الإيراني  
دعت منظمة العفو الدولية الحكومة الإيرانية للأفراج عن ستة من المدافعين عن حقوق الإنسان بما في ذلك الناشطة شيما بابائي التي اعتقلت في الأول من شباط/فبراير 2018.
وطالب المركز الدولي لحقوق الإنسان السلطات الإيرانية بالإفراج عن الناشطات الموقوفات والمحكومات بالسجن بسبب احتجاجهن السلمي ضد القوانين، في حين تواصل الإيرانيات المعارضات للحجاب الإلزامي مناصرة المعتقلات، ونشر فيديوهات تظهر محاولات التعرض لبعضهن من قبل رجال الدين أو غيرهم.  
وقالت المتحدثة السابقة باسم وزارة خارجية الولايات المتحدة هيذر نويرت أن الولايات المتحدة تدين اعتقال المحتجات وتدعمهن على رفضهم الحجاب الإلزامي، وأطلقت نساء من جميع أنحاء العالم حملة على وسائل التواصل الاجتماعي مع هاشتاغ #NoHijabDay، وقد حرقت النساء من خلال هذا الهاشتاغ الحجاب تضامناً مع النساء الإيرانيات.
طلبت مديرة الشرق الأوسط في منظمة هيومن رايتس ووتش على لسان المنظمة الحكومة الٍإيرانية بإسقاط كل التهم الموجهة ضد المحتجات، كما اتصل 45 عضواً من أعضاء البرلمان الأوروبي في أوائل عام 2018، بممثلة السياسة الخارجية السابقة في الاتحاد الأوروبي "فيديريكا موغيريني" لدعم المرأة الإيرانية ومناهضة سياسة الحجاب الإلزامي.
وعلى الرغم من اعتقال وسجن العديد من النساء المعترضات على الحجاب الإلزامي واستمرار المحاكمات، لا يزال الكفاح لأجل تحرر المرأة من الحجاب المفروض عليها مستمراً، والنساء يبدين احتجاجهن عبر الكشف عن حجابهن في الأماكن العامة أمام الملأ.