برلمانية تونسية سابقة: غياب الحضور النسوي في البرلمان المقبل سينسف مكتسبات النساء (1)

تستعد التونسيات للانتخابات البرلمانية التي من المزمع إجراؤها في السابع عشر من كانون الأول/ديسمبر الجاري، وهن غير راضيات على هذا المشروع الذي أقصين منه في حين يتوقع الجميع وجود تمثيل ضعيف للنساء.

زهور المشرقي

تونس ـ دعت البرلمانية السابقة والسياسية جميلة كسيكسي، النساء لعدم المشاركة في الانتخابات البرلمانية التي وصفتها بـ "المسرحية"، لأنهن لسن ضمن حسابات السلطة التي نسفت التناصف ومختلف المكتسبات.

ترى البرلمانية السابقة والسياسية جميلة كسيكسي في حوار مع وكالتنا أن الانتخابات المقبلة ستكون فصلاً آخر من فصول ما أسمته بالانقلاب على النظام الشرعي في تونس.

 

لماذا تعتبرين الانخراط في منظومة بدأت حسب توصيفك بالانقلاب وهذا الدستور الذي وصفته بالخطير؛ مقلق ومهدد لمسار الانتقال الديمقراطي؟

لازلت أعتقد أنّ الانخراط في منظومة بدأت بالانقلاب ودستور يوليو مهدّد فعلاً لمسار الانتقال الديمقراطي في تونس، وكل الوقائع تؤكد أنّ موقفي القديم كان سليماً ونحن نشاهد الآن ما آلت إليه الأوضاع السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والبيئية، إشكاليات كبيرة يتخبط فيها التونسي وهذه السلطة سلطة الأمر الواقع لا تجد الحلول لأي شيء، وتكتفي بالقول إنّها غيّرت، ماذا غيرت؟ تقدمت بدستور لا ديمقراطي، كُتب وصيغ وأُحيك في غرف مظلمة ولا يمثل إلا الرئيس ومجموعة من أتباعه، أي أن ما بُني على باطل فهو باطل.

 

رغم وجود النساء المقبول في البرلمان السابق لم يكن هناك تشديد على تنفيذ القوانين المتعلقة بحقوق النساء، برأيكِ أين يكمن الخلل وماذا تنتظرون من البرلمان القادم؟

عمل البرلمان السابق على ترسيخ حقوق النساء واحترم تمثيلية المرأة ومبدأ التناصف في الدستور وحتى البرلمانات المتعاقبة كان للنساء حضور لافت، كانت هناك جهوداً واضحة للاعتراف بحقوقهن سواء في الدستور أو بقية التشريعات، وتم إصدار القانون عدد 58 عام 2017 والذي يعتبر من القوانين الرائدة في العالم في مناصرة النساء، والقانون عدد 50 لمناهضة التمييز العنصري حيث كان هناك تركيز على مسألة العنصرية التي تتعرض لها النساء، وكذلك قانون الاتجار بالبشر ومجلة الجماعات المحلية التي فرض فيها التناصف الأفقي والعمودي، أي هناك الكثير من القوانين التي عزّزت موقع المرأة خلافاً لما نشاهده اليوم حيث نلاحظ ردة فعل كبيرة على هذه الحقوق خاصة في تمثيلية المرأة في مواقع صنع القرار.

جميعنا نعلم أن الإشكال الأكبر الذي تعاني منه النساء هو الوصول إلى مراكز القيادة والقرار، ما يتطلّب إجراءات وآليات وسياق سياسي وقانوني حتى تستطيع تحقيق ذلك، اليوم في هذا البرلمان الذي لا أرجو منه شيئاً كامرأة لن يكون له أي دور وسيكون صفر آخر يضاف إلى منظومة الانقلاب، فحسب الدستور هذا البرلمان ليس له صلاحيات ونحن نعرف في كل برلمانات العالم وفي الثقافة السياسية عموماً أنّ البرلمان لديه صلاحيتين، تشريعية ورقابية، وهذا البرلمان القادم سيكون منزوع الصلاحية الرقابية وحتى تلك التشريعية، ستكون حسب مزاج الرئيس أو تقوم على المراسيم، بالتالي لن يكون له أي دور.

 

بماذا تفسرين تراجع عدد النساء المترشحات للانتخابات التشريعية؟

في الحقيقة يكرس القانون الانتخابي عقلية لطالما عملنا لمقاومتها، وهي أنّ المرأة لا تعدو أن تكون غير قوة انتخابية وطيلة السنوات ما بعد الثورة، ركّز النشطاء في مجال حقوق المرأة على إثبات أن النساء لسن فقط قوة انتخابية برغم أنّ ذلك يُفسّر وعيها بأهمية الانتخابات والمشاركة فيها، نحن نريد أن نجد المرأة كما هي ناخبة تكون منتخبة، لهذا عملنا على الدفع بالنساء لتتواجدن في مواقع القرار عبر آلية التناصف وإثارة الرأي العام وكانت النتيجة جيّدة حيث حُفزت الأحزاب السياسية على اشراك النساء وتقديمهن في القوائم، لكن القانون الانتخابي الذي أقره الرئيس قيس سعيد أعاد النساء إلى المربع الأول/المرحلة الأولى وكسر تلك القاعدة والآليات.

في المقابل لا توجد أي آلية لدفع النساء وتمكينهن للوصول لمراكز القرار، لا توجد أي ضمانة في الانتخابات التشريعية المقبلة على صعود النساء، حتى مبدأ التناصف قد نسف لوجود حد أدنى يمكنهن من الصعود إلى البرلمان، أعداد المترشّحات للانتخابات كان ضئيلاً ويفسّر ما آلت إليه الأوضاع في تونس، هذا البرلمان سيكون أعرج ولن يكون فيه عدد محترم من النساء، فنحن نعلم أن النساء تمثلن 50.2% من النسبة السكانية في تونس، وقد بلغنا الانتخابات دون وضع كوتا للنساء، ويتم التراجع علناً عن مبدأ التناصف الذي يعتبر مكسباً للتونسيات والذي كان فخراً لهن من ناحية الحضور البرلماني، للأسف لا توجد أي ضمانة للنساء وكل هذه المنظومة مرفوضة وخاطئة ومنظومة لا تمثل التونسيات والتونسيين، حتى لو تواجدت 151 امرأة فأنه لا يمثلهن.

 

هل يمكن أن نجد برلماناً يغلب عليه الطابع الذكوري؟

طبعاً هو برلمان سيغلب عليه الطابع الذكوري، الترشيحات تعطي الفكرة والشكل الذي سيكون عليه البرلمان المقبل، لا أعتقد أن يكون هناك حضور نسائي كما في السابق، وهذا الغياب سيكون بمثابة النسف بقوة لمكتسبات النساء، اليوم في هذه السلطة القائمة غير مرحب بهن وبوجودهن وحتى أن اخترنا امرأة كرئيسة حكومة لم نختار الشخصية المناسبة، المشكلة في الكفاءة والشجاعة ليس في الجنس، حيث يعتمد منصب رئيسة الحكومة على الكفاءة أولاً والخبرة، ولدينا في تونس عشرات النساء القياديات القادرات على قيادة الحكومة لكن ذلك الاختيار كان يعكس عقلية تكرس فكرة "تريدون امرأة سأعين لكم امرأة وكأنه على أساس محاباة".

ماذا نفعل اليوم بعد أن اتّضح أنها لا تملك الكفاءة ولم تنجح في قيادة حكومتها وتغيير وضع التونسيين والقيام بالإصلاحات اللازمة، ذلك الاختيار جاء ليطبع في عقول التونسيين أن النساء غير قادرات على القيادة وتبوأ مراكز القرار والحال أن العكس صحيح لأنّ البلد يعج بالكفاءات ولدينا نساء قادرات على قيادة البلاد، لكن للأسف كان الاختيار ممنهجاً حتى لا نتحدث مجدداً على تمركز النساء والدفاع عن أحقية وجودهن وزاد الأمر سوءً القانون الانتخابي الذي كرس عقلية كون المرأة قوة انتخابية فقط دون اعطائها حيزاً للمشاركة وفرصة لتكون أكثر فاعلية، كل ما ذكرت يقدم لنا صورة حول اتجاهاتنا في مكتسبات المرأة، هذا في خطوة أولى ولا زالت هناك خطوات أخرى نحو تقهقر وجود النساء في المشهد السياسي والبرلماني والحكومي.

 

كبرلمانية سابقة، ما قراءتك للوضع الحالي ولماذا لم نرى تكاتفاً نسوياً للتصدي لعرقلتهن خاصةً وأنهن كنّ الأكثر استهدافاً من خلال القانون الانتخابي؟

الوضع عموماً هو أننا في مسار غير شرعي واليوم تتأكد مقولتي بعد أن تم تقويض البناء الديمقراطي في تونس بفعل فاعل، حيث اختلطت الأجندات لتأتي لحظة تنفيذ الانقلاب السياسي في تونس بقيادة الرئيس، وحتى من هلّل في البلاد بمسار 25 يوليو وكان مسانداً سواء كان من عموم الناس أو النخبة اليوم تأكدوا أنّ ما عاشته تونس انقلاب كامل الأركان وأنّ مسار الثورة تم هدمه، هذا هو الوضع في تونس اليوم، نحن نعيش اليوم خارج السياسة والقانون والديمقراطية والحوكمة الرشيدة، نحن أشبه بنظام الفوضى حيث أن مؤسسات الحكومة تم تدميرها وحتى هذا البرلمان الذي سيتم انتخابه سينطلق التدمير القاعدي في محوره الثاني، لأن المحور الأول قام به الرئيس حين أغلق البرلمان وعلّق مجلس نواب الشعب والمجلس الأعلى للقضاء وأغلق هيئة مكافحة الفساد ووضع أغلب المؤسسات في حالة عطالة كاملة، هذا التدمير على مستوى مركزي واليوم التدمير على مستوى محلي من خلال هذه الانتخابات المزعومة التي ستشهدها البلاد يوم 17 ديسمبر.

النساء ستدافعن على حضورهن في ماذا؟ كلنا غير قادرات على التعبير برغم رفضنا العملية برمتها لأنّ هذا البرلمان بالنسبة لنا ليس برلماناً ديمقراطياً ولا يأتي في سياق ديمقراطي، ووجود المرأة فيه من عدمه لا يمكن الحديث فيه، فهو برلمان لا يمثل سوى نفسه ومن سن له القوانين التي ستجعله قائماً، لذلك لم نجد العديد من الأصوات النسائية التي كانت دائماً تدافع عن المرأة، لأن الدفاع وجب أن يكون عن الديمقراطية فحين تتوفر الديمقراطية ونسترجع المكتسبات حينها سنتحدث عن الحقوق وحينها نناقش صراع الأفكار التي تقول نريد كوتا للنساء، ورأي آخر يقول وتناصف أفقي وغيره، حينها يكون هناك تنافس ونتحدّث عن البرامج، لكننا اليوم أمام بلد دون سقف.

اليوم حتى تمثيلية الفئة الشابة مفقودة فحتى الدستور الذي يكتبه الشباب على الجدران بات مفقوداً، الشباب الذي أوجد كقوة تصويت فقط بعد أن اشترط القانون الانتخابي وجود 100 شاب/ـة من المزكيين، القانون الانتخابي تغيب فيه تمثيلية النساء والشباب والإجراءات لتمويل عمومي، ذلك الشباب المفقر من أين سيقوم بحملته الانتخابية، حيث تم فسح المجال للفاسدين وأصحاب رؤوس الأموال مع إثارة النزعة القبلية عبر مبدأ الترشيح على الأفراد، حيث أنه تم ضرب القلب النابض المتمثل في الشباب فإذا كان نصف ومستقبل المجتمع غير ممثل في الصورة، أي سياسة هذه وأي انتخابات سنشهد؟