بهار أورين: شرق كردستان... حجر الأساس لتحوّل ديمقراطي إقليمي

أكدت عضوة أكاديمية جنولوجي بهار أورين أن نظام الدولة القومية يعمق الصراعات والنزاعات في الشرق الأوسط، قائلة إن "نقش الخارطة الجديدة في المنطقة بمنظور ديمقراطي يضمن حقوق كافة المكونات والثقافات".

آفرين نافدار

قامشلو ـ في ظل الحرب المتصاعدة بين إيران وإسرائيل منذ الـ 13 حزيران/يونيو، يعيش الشرق الأوسط توترات إقليمية كبيرة تسعى الأنظمة الديكتاتورية من خلالها إلى رسم خريطة هيمنة جديدة، وتؤكد العديد من المنظمات المدنية والحقوقية بأن عصر الأنظمة الدولية القومية قد انتهى والديمقراطية هي الطريق الوحيد للحل. 

في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، تحوّلت الحرب بين القوات الإسرائيلية وإيران من صراع بالوكالة إلى مواجهة مباشرة، اتخذت طابعاً عسكرياً مفتوحاً شمل ضربات صاروخية متبادلة وهجمات على منشآت استراتيجية. دخول الولايات المتحدة على خط المواجهة مثّل نقطة تحوّل حاسمة، إذ أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب تنفيذ ضربات جوية على مواقع نووية إيرانية، في خطوة وُصفت بأنها تصعيد تاريخي في الشرق الأوسط.

عضوة أكاديمية جنولوجي بهار أورين تحدثت عن التطورات الأخيرة التي تشهدها الشرق الأوسط على الصعيد السياسي والعسكري، مؤكدة على أهمية التكاتف ووحدة الشعوب والالتفاف حول مشروع الأمة الديمقراطية لحل النزاعات والصراعات التي تشهدها المنطقة.

 

"نظام الدولة القومية منبعاً للحروب"

تطرقت عضوة أكاديمية جنولوجي بهار أورين إلى الخريطة الجديدة التي رسمتها الأنظمة القمعية بهدف فرض هيمنتها على الشرق الأوسط مع بداية الحرب بين القوات الإسرائيلية وحركة حماس في السابع من تشرين الأول عام 2023، قائلة "مع اندلاع المواجهات في غزة بين القوات الإسرائيلية وحركة حماس، شهد الشرق الأوسط بداية فصل جديد من التصعيد، تداخلت فيه الأدوار والنوايا بين القوات الإسرائيلية إيران، والولايات المتحدة. فالصراعات القديمة المتجذرة بين هذه الأطراف أُعيد تفعيلها تحت ذريعة التباين حول ملف الأسلحة النووية، بعد تعثّر اللقاءات التي كان يُفترض أن تُعقد لمناقشة هذا الملف الحساس".

وأوضحت أنه رغم تسمية هذه المواجهات بـ "الحرب الإيرانية الإسرائيلية"، فإنها في جوهرها انعكاس لصراع بين أنظمة تسعى لفرض هيمنتها، وإعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط بما يخدم مصالح قوى سلطوية، عبر تحويله إلى ساحة دائمة للنزاعات.

وقالت إن هذه الحروب، التي تخوضها الدول القومية، ليست نابعة من إرادة الشعوب ولا تعبّر عن مصالحهم؛ بل إن الشعوب هي الضحية الأكبر لويلات العنف والتدمير. فالمواجهات المستمرة اليوم بين القوات الإسرائيلية وإيران ليست سوى نتاجٍ مباشر لسياسات الأنظمة القومية، التي تستند إلى العنف كأداة لبناء سيطرتها.

وفي سياق حديثها ذكرت تقييماً للقائد عبد الله أوجلان يشير إلى أن الدول القومية، بفكرها العنصري وتوجّهها الاستبدادي، لم تعد قادرة على مواكبة متطلبات الحياة المجتمعية الحقيقية. فمع تصدع هذه الأنظمة، تلجأ إلى إثارة الحروب كوسيلة لحماية نفسها من الانهيار الوشيك، كما يتجلى ذلك في تجارب سوريا، العراق، إيران، ومع احتمالية تكرار المصير ذاته في تركيا إن أصرت على التمسك بالنموذج القومي.

 

"الديمقراطية الملاذ الآمن للشعوب"

وأكدت بهار أورين على أهمية تبنّي نظام ديمقراطي حقيقي يرسّخ أسس السلام والاستقرار داخل المجتمعات، مشيرة إلى أن إصرار الدول القومية على تجاهل التغييرات الجذرية سيؤدي إلى مزيد من الحروب في الشرق الأوسط والعالم. فمنذ فجر التاريخ وحتى اليوم، لم تكن الحروب حلًا فعليًا للقضايا الاجتماعية والسياسية والحقوقية التي تعانيها الشعوب المضطهدة، بل كانت أداة لتكريس المعاناة وتفاقم الأزمات "الكثير من الأنظمة القمعية في العقود الأخيرة مارست العنف والهيمنة تحت شعارات مضللة مثل "الديمقراطية" و"حماية حقوق الإنسان والمرأة"، مستهدفة دولاً كأفغانستان، العراق، والآن إيران، دون أن تقدّم حلولاً حقيقية، بل زادت من حجم الانتهاكات وعمقتها".

وحول واقع إيران قالت إن السلطات الحاكمة، منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عقب ثورة 1979، لم تفِ بوعودها للمجتمع، بل انتهجت سياسة قائمة على القمع والتنكيل، من خلال الإعدامات، والاعتقالات التعسفية، وتقييد حرية التعبير والنشاط الحقوقي، واصفة النظام الإيراني بأنه سلطوي ومتطرف، يكرّس سياساته لإخضاع المرأة والمجتمع، ويستهدف القوى المجتمعية الحيّة في محاولة لحماية كيانه.

وأوضحت أن إصرار السلطات الإيرانية على إتباع النظام القومي كان السبب الرئيسي لتعمق المشاكل الداخلية في إيران "في الداخل الإيراني كان هناك تحركات شعبية ترفض القمع والسلطة والعقلية المتطرفة المفروضة ومن الخارج أيضاً كانت تواجه إيران ضغوطات، لكنها كبقية الأنظمة الديكتاتورية القعمية، لا تقبل بحل نظام ديمقراطي سلمي لذلك تتعمق فيها الصراعات والنزاعات, وكما رأينا في العراق وسوريا ايضاً، فإذا لم تنتهج تلك الدول نظام ديمقراطي فنهايتها الانهيار إن كان ذلك في المدى القريب أو البعيد"، قائلة إن إيران اليوم أمام خيارين، إما أن تختار الطريق الديمقراطي الذي يكون حلاً ابدياً ، أو الانهيار الذي سيكون نهاية لكل نظامي مستبد.

 

انتفاضة jin jiyan azadi كانت نموذجاً للمقاومة ضد الأنظمة الاستبدادية

وسلّطت بهار أورين الضوء على المقاومة الشعبية المتصاعدة ضد النظام الإيراني، واعتبرتها بمثابة انتفاضة تاريخية تقودها النساء في وجه القمع الممنهج "في ظل انتفاضة Jin Jiyan Azadî كان هناك قوة وعزيمة لا تلين وصارمة من نساء إيران وشعبها، الذين انتفضوا مطالبين بحقوقهم الطبيعية في الحرية والكرامة. ورغم أن مطالبهم كانت مشروعة وسلمية، فإن النظام الإيراني قابلها بمزيد من العنف والتنكيل".

وأشارت إلى أن الحروب، رغم قسوتها، قد تفتح أحيانا بابا نحو التحوّل السياسي والاجتماعي "في عمق الصراعات توجد دوماً إمكانات لتحويل العنف إلى فرصة لبناء نظام ديمقراطي يضمن العدالة والتعددية، وهذا ما يسعى إليه اليوم الشعب الإيراني".

وأكدت على ضرورة وجود مشاريع سياسية وتنظيمية تضع حداً لسياسات الإقصاء والإنكار، وتحوّلها إلى مسارات تضمن حماية الوجود الشعبي، ووصفت هذه الجهود بـ "الخريطة المصيرية لشعوب الشرق الأوسط"، مضيفة أنه "شرق كردستان بما تحمله من إرث مقاوم ونضال مستمر، يمكن أن تكون حجر الأساس لانطلاقة جديدة نحو نموذج ديمقراطي شامل"، مشيرة إلى أن المكاسب التي حققتها انتفاضة  jin jiyan Azadi قادرة أن تكون طريقاً لرفع وتيرة النضال وضمان حقوق الشعب".

وتطرقت إلى تنوع الثقافات والأديان في إيران معتبرة إياه فرصة كبيرة للعيش المشترك "الشعب الإيراني دائماً حاول أن يكون الحامي لقيمه الاجتماعية والثقافية ضد أساليب الإنكار والوجود. فايران تعرف بتنوع مكوناتها وثقافتها والعيش المشترك بين المكونات، وكانت شعوبه حامية لها".

 

"المرأة الإيرانية ريادية لمجتمعها ووطنها"

وعن المسؤولية التي تقع على عاتق النساء الإيرانيات في ظل الظروف والصراعات التي تشهدها المنطقة قالت "المرأة الإيرانية تمتلك جسارة وقوة عظيمة تسعى من خلالها إلى لعب دورها الريادي في المجتمع، كانت ولا زالت ترفض هذه الذهنية المتطرفة والسلطوية التي هدف منها فرض العبودية على النساء"، مؤكدة أنه كلما تضامنت النساء مع بعضهن البعض وطالبن بحقوقهن كلما ازدادت الضغوطات على السلطات الإيرانية أكثر "فهناك المئات من المعتقلات السياسيات داخل السجون الإيرانية، حكم عليهن بالإعدام فقط لأنهن كن منبع للمقاومة والنضال لشعبهم، وناضلن ضد السلطة والقمع على الشعب".

 

"نداء السلام والمجتمع الديمقراطي الحل الأنسب لجميع الحروب"

وحول نداء القائد أوجلان من أجل "السلام والمجتمع الديمقراطي" أوضحت أنه "يتضمن جملة من النقاط المحورية التي تمثل مرتكزات لحلول ممكنة للصراعات التي تعصف بالشرق الأوسط، مشيرة إلى أن هذا النداء يشكّل بمثابة مانيفستو يضيء دروب الحلول السلمية لمشكلات شعوب المنطقة. ويمكن القول بأن مفتاح الاستقرار في المنطقة يكمن في معالجة القضية الكردية وضمان حماية وجود الشعب الكردي وحقوقه. وانطلاقًا من هذا الفهم، فإن رسم خارطة جديدة للشرق الأوسط ينبغي أن يكون بيد الشعوب ذاتها، وأن يستند إلى نضالها الشعبي. من هنا تبرز أهمية الأنظمة الديمقراطية التي تتبنى مشاريع فعلية ومبادرات حيّة، تهدف إلى ترسيخ هذه الرؤية وتعزيزها".

وأضافت "التجربة التي خاضتها حركة التحرير الكردستانية من خلال نضالها الذي استمر 50 عاماً، تجربة كافة ومليئة بالإنجازات الذي يستطيع الشعب من خلالها تنظيم نفسه وجعلها بداية مرحلة جديدة تعم السلام في العالم أجمع".

في ختام حديثها، شددت عضوة أكاديمية جنولوجي بهار أورين على أن إرادة الشعوب وقوتها تشكلان الضامن الحقيقي لمكتسباتها، مؤكدة أن الوحدة والتكاتف بين شعوب المنطقة يمثلان الطريق الأجدر لإنهاء الصراعات، ووضع حد للحروب التي غالباً ما يكون ضحاياها من النساء.