باحثة تلخص أوضاع النساء بعد انتفاضات الشعوب

انتفضت النساء في العديد من دول الشرق الأوسط بعد ثورات عام 2011 والتي عرفت بانتفاضة الشعوب للمطالبة بحقوقهن، ومناهضة العنف بكافة أشكاله ضدهن، محققات عدد من الإنجازات خلال العشر سنوات الماضية.

رفيف اسليم

غزة ـ انتفاضات النساء التي انطلقت خلال الأعوام السابقة جوبهت بالعديد من الهجمات لكسر إرادتهن والقضاء على مكتسباتهن، كتراجع حقوق النساء في تونس وتمثيلهن في البرلمان، وإقبال عدد قليل من النساء على الترشح لانتخابات لبنان ووضع النساء في فلسطين، وقمع النساء والفتيات من كل الفئات في إيران خلال الانتفاضة التي اطلقنها تحت شعارJin Jiyan Azadî" ".

تقول الباحثة دنيا الأمل إسماعيل مديرة جمعية المرأة المبدعة، أنه من الطبيعي أن تتأثر أوضاع النساء بالمجريات السياسية والاقتصادية، فكان لتلك الانتفاضات تحولات كبيرة على وضع المرأة في مصر التي أثبتت حضورها القوي خلالها، بينما عملت نساء الأردن على إحداث بعض التغيرات في القوانين، بالمقابل كان نصيب نساء فلسطين هو إحداث ثورة الوعي باعتبارهن جزء من المحيط العربي ومرتبطات بقضايا الجوار.

استلهمت نساء فلسطين من التغيرات الحاصلة ومن فكر الحركات التحررية النسوية التي تسعى لتحرير المجتمعات، فعملن على صناعة شبكات بينهن وبين الدول المجاورة من بينها الأردن ومصر، كما أوضحت دنيا الأمل إسماعيل، مشيرةً إلى أن مطالبات النساء خلال تلك الانتفاضات كانت نصب أعين الفلسطينيات التي استخدمنها لتطوير استراتيجيتهن النسوية.

ووجدت المرأة الفلسطينية في تلك الانتفاضات بحسب دنيا الأمل إسماعيل فرصة للبحث عن أدوات تطوير النضال الفلسطيني التحرري، معلنةً عن مطالباها برفع نسبة الكوتا أي التمثيل السياسي وتفعيل دورها في جلسات المصالحة الفلسطينية التي تغيبت عنها النساء لسنوات طويلة كي تساهم في معالجة آثاره، إضافةً إلى حقها في المجال الصحي والخدمات بشكل عام.

وأشارت إلى أن النساء في فلسطين أصبحن قادرات على طرح موضوعات جديدة مثل العدالة البيئية وقطاع المياه وحرية التنقل والسفر وإعادة تشكيل الهوية النسوية الفلسطينية في إطارها القومي والعربي، وبالتالي تنامت لديهن القدرة على مواجهة الأفكار التقليدية والأيدولوجيات السياسية التي تحصر المرأة في دورها النمطي المتعارف عليه.

وكشفت دنيا الأمل إسماعيل عن بعض الإنجازات التي حققتها النساء بعد تلك الانتفاضات، منها أن قضايا المرأة أصبحت لديها منظور سياسي، خاصة عندما تقدمت في الصفوف الأولى من حركات الاحتجاج وأصبح لها حضور كبير ووعي بالحركات السياسية، منتقلة للحديث عن بعض القضايا المسكوت عنها كالعنف والتحرش وغيرها، بالإضافة لممارسة دورها التغيري ضمن الحراك المجتمعي.

بالمقابل كانت السلبيات الناتجة عن تلك الانتفاضات وفق دنيا الأمل إسماعيل، تتمثل في خروج بعض التوجهات المنقولة من ثقافات مختلفة، وأصبحت قضايا المرأة تستخدم للحصول على المزيد من المكاسب السياسية للأحزاب الحاكمة في تلك الدول، مشيرةً إلى أن دور المرأة السياسي تقاعس نتيجة للحالة السياسية العامة التي مرت بها البلدان.

فعلى صعيد لبنان لعبت الطائفية الحزبية كما أشارت دنيا الأمل إسماعيل دوراً كبيراً في زيادة صعوبة الدور الذي تلعبه النساء بالرغم من جهود الجمعيات النسوية التي واجهت التحولات الفكرية بكل ما تملك من قوة بهدف التأثير في صنع القرار السياسي، إلا أنه نسبة المترشحات للانتخابات من اللبنانيات بقي قليلاً.

أما تونس فقدمت النموذج الأكثر تقدماً في موضوع القوانين وحقوق النساء بالرغم من الصراع الشديد الذي كان يجتاح البلاد ما بين التيارين الديمقراطي العلماني والأصولي، إلا أنهن استطعن فرض قوانين أكثر انصافاً، على الرغم من كافة الجهود المبذولة لإحباط المرأة والعودة بها للمربع التقليدي، كما أوضحت دنيا الأمل إسماعيل.

ولفتت إلى أن المرأة التونسية استطاعت أن تضع شروطها وتوجهاتها المستقبلية وأيدولوجيات تفرض وجودها الفكري داخل كل تنظيم، مشيرةً إلى أنه على الرغم من اختلاف مطالب المرأة وتشابهها إلا أن تلك الأحزاب اتفقت على الخطوط العريضة التي تخص حقوق النساء الأساسية نتج عنها عدة مكاسب تراجعت نتيجة الحالة السياسية العامة التي مرت بها البلاد إثر تقدم المد الثوري وتراجعه.

وبالرجوع لانتفاضة النساء في شرق كردستان وإيران التي انطلقت تحت شعار Jin Jiyan Azadî""، تقول دنيا الأمل إسماعيل أنه من المؤسف أن تموت امرأة حتى تحصل النساء على حقوقهن، فكان خبر موت الشابة جينا أميني صاعقة نزلت على النساء في جميع بقاع الأرض لكن بموتها وهبت الحياة للكثيرات، فغدت الفتاة ضحية التحولات السياسية التي جرت ببلادها بين لحظة وضحاها.

وأشارت إلى أن أولى انتفاضات النساء خرجت من إيران التي كان لها الدور الأعظم في إثراء المشهد النسوي وهناك الكثير من الأطروحات الفكرية التي وثقت نضال هؤلاء النساء وعملهن الجاد، مشددةً على أنه بالرغم من دفع النساء ثمناً باهظاً لتغير النظرة السائدة التي تدعي أنهن ناقصات وغير قادرات، إلا أنهن ما زلن مستمرات لإثبات العكس من خلال تصدير النماذج القوية الملهمة المغيرة لمجرى التاريخ عبر إعادة تشكيل التاريخ وفق منظور نسوي تحرري.