المجتمعات ومصيدة الحرب الخاصة التي تنصبها الرأسمالية

تعتبر الحرب الخاصة من أكثر الحروب التي تتبعها القوى الرأسمالية اتجاه المجتمعات، والتي تحقق نتائج أسرع من الحروب التقليدية، لذلك على الفرد أن يكون أكثر وعياً بها لتفادي الوقوع في فخها بالتالي يتم تدمير المجتمع وتهميشه.

سيلفا الإبراهيم

منبج ـ للحرب وسائل وأدوات تتطور مع تطور الحرب من حيث التأثير والشمولية وحجم الخسائر عبر العصور، كالحرب العسكرية والاقتصادية والسياسية والنفسية وغيرها، إلا أن هناك شكل من الحروب لا يعلن عنها رسمياً ولا تحتاج لأساليب صعبة للترويج ولا توجد خسائر بشرية في صفوف المهاجم وتعتمد على الأنترنت والإعلام، ألا وهي الحرب الخاصة والتي تعد من أوسع وأخطر الحروب وأشملها لما لها تأثير في النفس البشرية وتسعى إلى تحقيق أهدافها عبر استخدام الوسائل المادية والمعنوية لقتل إرادة المجتمع وتحطيم وحدته.

تطرقت الإعلامية في إذاعة ساجور FM وعضوة اتحاد المثقفين في مقاطعة منبج بإقليم شمال وشرق سوريا سيلفانا محمد إلى أن الحرب الخاصة لها عدة أشكال وأساليب التي تقام على المجتمعات من قبل السلطات ومنها الفن "تهدف السلطات الرأسمالية بذلك إفراغ المجتمع من جوهره، ورسم الشكل الذي تريده للفرد والمجتمع"، وذكرت عدة نماذج عن الحرب التي تقودها الرأسمالية منها "الأفلام التي تروج للخيانات الزوجية وتعاطي المخدرات والمواد الممنوعة وغيرها الكثير من العادات التي لا تمثل حقيقة مجتمعنا، ساعيةً لجعلها جزء من حياتنا".

ولفتت إلى الأسلوب الذي يتم فيه استهداف الفئة الشابة "جعل من الأغاني ذات المحتوى فارغ من اهتمام وأولويات الفئة الشابة هي كارثة مجتمعية كون هذه الفئة تمثل العامود الفقري للمجتمعات والمعنيين في النهوض بها، لأنها تشغل أوقاتهم بالفن الهابط المتداول على مواقع التواصل بشكل كبير، فاليوم أصبح أكبر أهداف الشباب أن يكونوا في آخر صيحات الموضة والترندات الأمر الذي بات يجعل منهم نسخة واحدة بعيدين عن التفرد والتميز والاختلاف".

وعن طرق مواجهة هذه الحروب، أفادت سيلفانا محمد بأن "مواجهة هذه الحروب الممارسة ضد المجتمع تتطلب من الفرد التسلح بالوعي والإدراك لما يحدث من حوله، وعدم الانجرار للشكل الذي ترسمه الرأسمالية له، وعليه أن يعتز بقيمه وثقافته المجتمعية والبحث في جذوره التاريخية والحفاظ عليها".

فيما تطرقت عضوة أكاديمية الجنولوجيا ميرفت محمود إلى مدى خطورة الحرب الخاصة "هناك العديد من الأساليب للحروب يشهد عليها التاريخ ومنها الحرب الخاصة التي تكون أكثر خطورة لأنها غير معلنة وتتبع أسلوب ناعم ضد المجتمعات".

وأكدت أن "الحرب الخاصة هي الأكثر انتشاراً في وقتنا الحالي لأنها تحقق نتائج سريعة دون خسائر كبيرة وتهدف إلى قتل إرادة الطرف الآخر ويكون الاستهداف نفسياً لخلق حالة من التشاؤم والرعب واللامبالاة وعدم الثقة بالنفس، للوصول إلى حالة اليأس، إلى جانب هدفها في خلق حالة من التشويش الذهني والمعرفي لتوجيه العقول نحو مصالحها".

وأشارت إلى الأسلوب الذي تستخدمه الرأسمالية "تتخذ الرأسمالية من الجنس كأحد أساليب الحرب الخاصة وتسعى بذلك لتحقيق الانحلال الأخلاقي دون الدخول في حرب ساخنة"، لافتة إلى أن هذه الحرب أثرت كثيراً على المجتمعات "نرى اليوم بأن حالات الاغتصاب والتحرش باتت أمراً طبيعياً ولا يتم محاسبة المتحرش أو المغتصب، بل على العكس يتم لوم المرأة على أسلوب لباسها وطريقتها في التعامل ليبرروا ذلك التجاوز الجنسي اتجاهها".

وعن أساليب الحماية من هذه الحروب الخاصة، بينت ميرفت محمود أنه "كأكاديمية جنولوجيا، تتركز أبحاثنا على المجتمع وعلى المرأة بشكل خاص، وذلك عبر تطوير الثقافة الأيدولوجية وتعريف المرأة بكينونتها وحقيقتها وأن لها دور، وكذلك تعريف المجتمع بحقيقة السلطة بشكل جيد، كما نعمل على تطوير الثقافة الأخلاقية والقيم المجتمعية البعيدة عن سيادة وشوائب السلطة، وبدورها تتخلص المرأة من هذه الحروب بشخصيتها الواعية الحرة".

من جانبها أشارت عضو مكتب التدريب والتأهيل الإداري في الإدارة الذاتية الديمقراطية ريم درويش إلى أن "الحرب الخاصة أوجدتها الدول الرأسمالية لاستقطاب العقول، والذي يكون تأثيرها أكبر على الفئة الشابة عبر ثالوث الحرب الخاصة الذي يتألف من الفن والجنس والرياضة"، مبينةً أنه "إذا تكلمنا عن الرياضة فهي لياقة بدنية صحية لاستكمال الجسم السليم، لكن الدول الرأسمالية جعلت من الرياضة وسيلة لتحقيق الربح الأعظم، فنرى اليوم كيف للمباريات والأندية الدولية تستقطب عقول الشباب وتجعله أولى اهتماماتهم رغم أن غالبية الذين يتابعون مستجدات عالم الرياضة لا يمارسون الرياضة بتاتاً".

وأضافت أن الرأسمالية تحقق أرباحاً كبيرة من الأندية الرياضية فالذين يتابعون المباريات ككرة القدم يدفعون مبالغ باهظة للحصول على تذكرة حضور النادي، وبذلك تسعى الرأسمالية لبناء الشبيبة والمجتمع بما يتناسب مع السياسة التي تتبعها.

ويفيد الفلاسفة بأن التدريب هو السبيل للخلاص من هذه الحروب الخاصة التي تسعى لاستغلال الفرد والمجتمع وفقاً لمصالحه، ويقول القائد عبد الله أوجلان إن "التدريب للإنسان بمثابة الماء والغذاء والأوكسجين حيث لا يستطيع العيش بدونه"، وأن التدريب ضرورة لحماية الشعوب والمجتمعات من حملات الصهر والإبادة التي تحاول اقتلاع الثقافة والتاريخ واللغة، ومن أجل التحرر من سياسات الاستعمار والدول القومية والخلاص من ثقافة الرأسمالية (الفردية السلطة، المادية، الاستهلاك، الموضة).