المغرب... أول امرأة من ذوي الاحتياجات الخاصة في البرلمان

واجهت حياة المشفوع جميع الصعوبات ولم تستسلم أمام الثقافة الرجعية والإقصاء، لتصبح أول امرأة من ذوي الاحتياجات الخاصة تلج البرلمان المغربي.

حنان حارت

المغرب ـ يحاول المغرب جاهداً النهوض بأوضع النساء وخاصة ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث صادق على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحوقهن، كما صادق على البرتوكول الاختياري، وخصص لهن قانون تشريعي يحميهن، لكن الواقع يجعلنا أمام حقيقة وهي أن هذه الفئة لم تحظ بالعناية الكاملة، فهي ليست في وضع جيد لأن عدداً من الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة لم يستطيعوا التعلم أو الحصول على شهادات عليا.

تعمل المغرب على إدماج النساء من ذوي الاحتياجات الخاصة في جميع مجالات الحياة وخاصة في الحياة السياسية، عن طريق مختلف الآليات القانونية التي وضعها المشرع المغربي، وذلك لتوسيع حضورهن في الحياة العامة وخاصة في المجالس المنتخبة، غير أن الصورة على أرض الواقع مختلفة، فحضور المرأة من ذوي الاحتياجات الخاصة في المشهد السياسي يبقى دون المستوى المطلوب، فما هي إذن المعوقات والصعوبات التي تحول دون مشاركتهن في السياسية؟

 

أول امرأة في ذوي الاحتياجات الخاصة تلج البرلمان

تعتبر حياة المشفوع أول امرأة في ذوي الاحتياجات الخاصة تلج البرلمان المغربي، بعد تجربة نضال طويلة خاضتها، تحدت خلالها العديد من الصعوبات، كما لم تقف الإعاقة حجر عثرة في طريقها، بل كانت حافزاً نحو فرض ذاتها كامرأة في ذوي الاحتياجات الخاصة في المشهد السياسي المغربي.

وقد أصيبت بداء شلل الأطفال قبل أن تتم عامين من عمرها، وأكملت دراستها في التعليم العمومي بمدينة مراكش وهي في ذوي الاحتياجات الخاصة الحركية.

 

بدايات ولوج السياسة

دخلت حياة المشفوع إلى المجال السياسي من بوابة حزب الأصالة والمعاصرة، ففي عام 2009 ترشحت للانتخابات الجماعية بمدينة مراكش، كما فازت كعضو للمجلس الجماعي وعضو بمقاطعة المنارة، وتم تتويج فوزها كنائبة عمدة مراكش لفترة من 2012 إلى غاية 2015.

وفي عام 2016 خاضت الانتخابات البرلمانية عبر اللائحة الوطنية للنساء وفازت بالفترة النيابية من 2016 إلى 2021، لتصبح أول امرأة في ذوي الاحتياجات الخاصة تلج البرلمان المغربي، كما انتخبت كنائبة لرئيس مجلس النواب المغربي عام 2019، إلى جانب مسارها السياسي فهي تمارس مهنة المحاماة منذ 2003، حيث كانت عضو سابق بنقابة المحامين في المغرب.

وعن تجربتها السياسية قالت حياة المشفوع "دخولي غمار السياسة هو تتويج لمسيرة نضالية طويلة، فقد كان هدفي ولازال هو مناصرة حقوق الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة والمرأة بصفة خاصة، لقد انخرطت في العمل الجمعوي عام 1999، ومن بين الحقوق التي أناضل من أجلها باستمرار هو المشاركة السياسية للأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة سواء في عملية التصويت أو الترشح، لأنهم أشخاص موجودون في المجتمع وأيضاً احتراماً لمبدأ التنوع والنوع، فمن حق الأشخاص أن يكونوا في المجالس المنتخبة وفي البرلمان وبصفة عامة في المجالس المنتخبة".

وأضافت "المشاركة السياسية تعتبر مهمة في المسار الحقوقي في المغرب لأن الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة عانوا التهميش والإقصاء لعقود، لكن مع العهد الجديد أي منذ تسعينات القرن الماضي أصبح هناك حديث عن حقوق الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة وتمكينهم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً".

 

رغم الصعوبات هناك فرص

وقالت "اعتبر تجربتي السياسية فريدة من نوعها، فهي تظهر أن المغرب برغم الصعوبات التي تواجه الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، فإنه يمنح الفرصة للنساء لولوج البرلمان، وأن مشاركتهن السياسية تدخل في إطار تمكين النساء ككل باعتبارهن جزءاً لا يتجزأ من المجتمع ومقياس حقيقي لترسيخ الخيار الديمقراطي، الذي يتطلب تعزيز المشاركة الفعالة والمواطنة".

وأضافت "المغرب صادق على الاتفاقيات الدولية لحقوق الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة وصادق على البرتوكول الاختياري كما له قانون تشريعي لحماية الأشخاص في ذوي الاحتياجات الخاصة، لكن الواقع يجعلنا أمام حقيقة وهي أن هذه الفئة لا زالت لم تحظ بالعناية الكاملة، فهي ليست في وضع جيد لأن عدداً من الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة لم يستطيعوا التعلم أو الحصول على شهادات عليا سواء بالقرى أو في المدن".

 

عراقيل الولوج للسياسة

وعن العراقيل التي تواجه الأشخاص والنساء من ذوي الاحتياجات الخاصة والتي تحول دون مشاركتهم في السياسة قالت "المشاركة ما زالت قليلة؛ فالممرات الخاصة بالأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة في الشوارع والطرقات قليلة وهي أحد العوائق التي تحول دون إكمال الدراسة"، مشيرةً إلى أنه "في حال رغب أحد الأشخاص ممارسة السياسة، فهناك عوائق أخرى تقف وراء ذلك منها الجانب المادي فغالبية لوائح الترشيح تتطلب تغطية مالية، لهذا فالأمر يتطلب إما وضع مادي مريح، أو شهادات عليا، أو وضع اجتماعي معين، وهناك عدداً من الأحزاب تؤسس لوائحها بوجوه أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، لكن لا تعطي المراتب الأولى للفوز بأريحية".

وحول دور الأحزاب السياسية في المغرب أو بالأحرى قياداتها ومساهمتها في قضية تمكين النساء من ذوي الاحتياجات الخاصة سياسياً، والاهتمام بهذه الفئة أوضحت "لكل حزب نظرة خاصة تجاه هذه الفئة هناك أحزاب تقليدية لم تجدد قياداتها منذ عشرات السنين، وهذه لا تولي أهمية لفئة الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة بشكل لافت ومرضي، في حين هناك أحزاب حداثية وأخرى تجدد قيادتها بالشباب والنساء، وأغلب قادتها حقوقيون يسعون إلى المناصفة في أجهزتهم، فهذه الأحزاب تأخذ الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة كجزء لا يتجزأ من المجتمع المغربي وتمنحها قيمتها المجتمعية".

وعن الحلول التي تراها من الممكن أن تساهم في تعزيز تمكين النساء من ذوي الاحتياجات الخاصة، ودفعهن إلى الإسهام في إبراز نخب سياسية في صفوفهن، بالإضافة إلى دعم ولوجهن للاستشارات الانتخابية والمشاركة السياسية وصولاً إلى المساهمة في صناعة القرار قالت "يجب تعزيز مشاركة النساء من ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث أن إدماجهن لا يجب أن يرتبط فقط بفتح باب المشاركة السياسية وولوج البرلمانات والمجالس المحلية، بقدر ما يرتبط بالمساهمة الفعالة في اتخاذ القرارات الحيوية ضمن مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية".

 ومن جهتها ترى الباحثة في العلوم السياسية شريفة الموير أن الجهود المبذولة في مسألة حقوق المرأة في المغرب كانت من الأولويات في العهد الجديد، حيث كان مجال حقوق المرأة أول مجال عرف إصلاحات، لذلك كانت مسألة النهوض بوضعية المرأة في المجتمع من أهم منطلقات الإصلاح في المغرب "كيف يمكن ضمان التقدم والرفاهية لمجتمع، ونساؤه اللواتي يمثلن نصفه ترين حقوقهن مهضومة وتعانين من الظلم والعنف والتهميش، على حساب حقهم في الكرامة والانصاف".

وأوضحت "إجراءات الإصلاح عززها دستور 2011 خاصة في مسألة المساواة إذ نص في فصله الـ  19 على أن المرأة والرجل يتمتعون على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية".

وأشارت إلى أن التعديلات التي عرفتها القوانين الانتخابية في الجانب المتعلق بتخصيص ثلثي الترشيحات للنساء في اللوائح الجهوية المتنافس حولها كان من المنتظر أن تشهد ارتفاعاً في تمثيلية النساء محلياً ووطنياً إذ عرفت هذه الترشيحات ارتفاعاً بنسبة 30% مقارنة باستحقاقات 2015، لكن رغم تبني هذه الخطوة المهمة التي تروم إلى تقوية حضور المرأة في المشهد السياسي إلا أن نتائجها كانت مخيبة للآمال إذ حسب النتائج المعلن عنها لانتخابات أعضاء مجلس النواب فقد بلغ مجموع عدد النساء الممثلات بالبرلمان إلى 96 امرأة من مجموع 395 عضواً أي بنسبة 24%، تسعين مقعداً في الدوائر الجهوية، 60 منها مخصص للنساء و30 الأخرى يمكن أن يترشح فيها الرجال على أن تكون المرتبتين الأولى والثانية في كل لائحة يقدمها كل حزب مخصصة للنساء حصراً.

ولم تحصل النساء سوى على 6 مقاعد في الدوائر الانتخابية المحلية الـ 92 من أصل 305 مقعد مخصص لهذه الدوائر، وقد أظهر تراجع في عدد النساء الممثلات في الدوائر المحلية خلال المحطة الانتخابية الأاخيرة حيث فازت 5 نساء فقط على خلاف المحطة الانتخابية التي سبقتها والتي فازت خلالها 7 نساء في دوائر محلية، أي أن نسبة نجاح النساء في الانتخابات التشريعية لم تتجاوز 2 % وهذا دون احتساب اللائحة الجهوية.

 

الثقافة الرجعية عائق

وقالت شريفة الموير بأن الثقافة الأبوية ساهمت في عدم تمكين النساء سياسياً بالإضافة إلى طريقة تعامل الأحزاب السياسية مع اللائحة المخصصة لتمثيلية النساء والتي يتم التعامل معها بالكثير من المحسوبية، وبهذا فقد تحولت كوتا النساء إلى ريع للاستفادة منه بدلاُ من تقوية مكانة المرأة في المؤسسات، لهذا أصبحت مسألة بروز قيادات نسائية صعبة جداً في ظل تهميش حقيقي لأصوات النساء يهدف إلى تعزيز وتمكين المرأة من ذوي الاحتياجات الخاصة والاستفادة من كوتا النساء من طرف قيادات داخل الأحزاب السياسية للبحث عن ريع للاستفادة منه.

 

عنف من نوع آخر

وأضافت "إذا كان واقع المرأة داخل الأحزاب السياسية على هذا النحو فإن واقع المرأة من ذوي الاحتياجات الخاصة أكثر ما يؤرق داخل المجتمع بشكل عام وداخل الأحزاب السياسية على وجه الخصوص، إذ تبقى تمثيليتهن منعدمة سياسياً وداخل المؤسسات التشريعية وعليه فإن هذا يشكل عنفاً من نوع آخر على المرأة من هذه الفئة والتي تشكل فئة مهمة داخل المجتمع المغربي وبالتالي فإن هذا يترجم إقصاء للمرأة من ذوي الاحتياجات الخاصة على وجه التحديد من المشاركة الفعالة والمواطنة لهن لترسيخ الخيار الديمقراطي الذي يتبناه المغرب و يسعى إلى ترسيخه.

وبينت أن "واقع الحال اليوم بالمغرب أثبت أن تمثيلية المرأة من ذوي الاحتياجات الخاصة لم تظهر التقدم المأمول فيها ما عدا النسب التي يعود الفضل فيها للوائح المخصصة للنساء حصراً داخل المؤسسات التشريعية كوتا النساء".

وأكدت "نحن اليوم بحاجة ملحة إلى تقييم هذه التجربة التي اعتمدها المغرب، إذ من الواضح أن التجربة لم تحرز تقدماً في نسبة تمثيلية المرأة من ذوي الاحتياجات الخاصة، كما لم تتح فرصة بروز قيادات نسائية تنافس الرجل خارج إطار الكوتا، وبالتالي فإن الاعتماد الكلي على تمثيلية النساء في المؤسسات التشريعية من خلال الكوتا لم تغير في الثقافة السياسية السائدة على أرض الواقع شيء".

 

 صيغة دستورية بديلة

وأضافت إذا كانت الأحزاب السياسية تبقى دون مستوى تطلعات الإسهام في تمكين المرأة من ذوي الاحتياجات الخاصة، فإن هذا الوضع يستدعي التعجيل بالبحث عن صيغة دستورية بديلة وضرورة ملحة لانقاد المسار الإصلاحي الذي تبناه المغرب من ''تلاعبات'' الأحزاب السياسية التي تقزم من حضور النساء من ذوي الاحتياجات الخاصة داخل المؤسسات التشريعية بشكل لا يتلاءم مع العمل السياسي السليم.

واختتمت شريفة الموير حديثها بالتأكيد على ضرورة "تعزيز وتحرر المرأة من التقزيم من دورها داخل المجتمع والذي لازالت تعانيه رغم العديد من النصوص والتشريعات التي جاء بها المشرع المغربي، ويبقى الواجهة الحقيقية للمجتمع المتحرر على اعتبارها أحد أهم الأعمدة داخل المجتمع، وهذا ما يتطلب العمل في إطار مجتمعي شامل".