الحراك العربي بمنظور التونسيات... بين مكاسب تحققت وأخرى تنتظر النضال

أكدت ناشطات تونسيات، أنه بالرغم من أن ثورات الشعوب في الشرق الأوسط أعطت المرأة فرصة للمشاركة الفعالة في الحراك الشعبي، إلا أن تمتعها بكافة حقوقها بقي دون المأمول.

إخلاص الحمروني

تونس ـ شكلت ثورات الشعوب في الشرق الأوسط منعطفاً تاريخياً في المنطقة وكان لها تأثيرات عميقة على مختلف الجوانب الاجتماعية والسياسية في كل من تونس وليبيا والعراق وسوريا ومصر، وشملت رياح التغيير التي هبت على المنطقة وضع النساء أيضاً، حيث طالبت الأخيرة بتحقيق المساواة السياسية والاجتماعية، وتغيير الأنظمة التي كانت تميز ضدهن.

في شهادات حية لعدد من التونسيات، تباينت الآراء حول الثورات وتأثيراتها على المجتمعات وخاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة، حيث أكدت الناشطات أن الثورات التي اندلعت في العديد من الدول العربية قد حققت بعض المكاسب الكبيرة ولكنها أيضاً كشفت عن العديد من التحديات التي لا تزال تواجه المرأة في المنطقة.

شددت الناشطة سماح عبد اللاوي، على أن الثورة التونسية كانت "نموذجاً ناجحاً" مقارنة ببقية الدول، مشيرة إلى أن تونس حققت من خلال ثورتها مكاسب كبيرة في مجال الحريات العامة والسياسية "لقد أسفرت الثورة عن إرساء دستور جديد يحترم حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين، وأصبحنا نشهد اليوم مشاركة أكبر للمرأة في الحياة السياسية والاجتماعية".

وأضافت "القانون رقم 58، الذي يحمي المرأة من العنف الأسري، يعد من أبرز المكاسب التي تحققت، كما أصبحت المرأة التونسية أكثر حضوراً في الشارع التونسي وفي مختلف المحافل السياسية، رغم التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد".

وعن الوضع في الدول الأخرى، قالت سماح عبد اللاوي إن التحديات السياسية والاقتصادية في مصر والعراق وسوريا كانت أكبر بكثير من تونس. ففي مصر، على سبيل المثال أوضحت أنه "بعد الإطاحة بنظام حسني مبارك، كانت هناك تحولات سياسية كبيرة، ولكن تراجع الحريات المدنية في ظل النظام الحالي بقيت مشكلة رئيسية".

وبينت أن الوضع في العراق لم يتحسن كثيراً بسبب استمرار الصراع الطائفي والسياسي. كما أكدت أن سوريا كانت في أسوأ حالاتها، بحكم معاناتها لسنوات من "نزاع مستمر وحروب أهلية أثرت سلباً على الحياة اليومية للمواطنين وواجهت النساء خلال هذه الفترة أبشع أشكال الانتهاكات من العنف الجنسي والاغتصاب".

 

المرأة بين التمكين والتحديات

وأشارت عبد اللاوي إلى أن التحديات التي تواجهها المرأة في بعض الدول العربية تتنوع، فمن "الصراع على الحقوق" في مصر وسوريا، إلى "التضييق على الحريات الشخصية" في ليبيا واليمن. مثلاً في ليبيا، أوضحت أن المرأة قد برزت بعد الثورة، ولكنها واجهت تحديات اجتماعية كبيرة مثل "التحديات المتعلقة بالحصول على حقوقها في العمل والتعليم، بالإضافة إلى التضيقات المفروضة على حرية الحركة والسفر"، لافتةً إلى أن "المرأة في العديد من الدول العربية لا تزال تواجه تحديات مجتمعية وصعوبات في الوصول إلى مناصب القيادة".

ونوهت إلى أن السودان يعد أحد أسوأ الأمثلة على واقع المرأة حيث "تعاني النساء من القمع والاضطهاد، في ظل سياسات حكومية تعزز ثقافة العنف ضد المرأة، وتدعم تزايد حالات تزويج القاصرات"، مؤكدة أن هناك "عشرات الآلاف من النساء السودانيات اللواتي تواجهن العنف المستمر في ظل انعدام العدالة".

 

 

وفي شهادة خاصة، قالت الناشطة الحقوقية إيمان محمد الزين العزري، إن تقييم الثورات يتطلب أخذ العديد من العوامل بعين الاعتبار مثل الأهداف التي تم تحقيقها والإنجازات التي تم الوصول إليها، مضيفةً "في تونس، الثورة أدت إلى انتقال ديمقراطي وإنشاء دستور جديد يعزز حقوق الإنسان والحرية"، بينما في مصر، اعتبرت أن الوضع كان أفضل في البداية، ولكن التحديات المستمرة للحريات العامة جعلت من الصعب استكمال المسيرة نحو الديمقراطية.

أما في ليبيا، أكدت أن الوضع معقد في البلاد "صحيح أن ليبيا شهدت تغييراً في النظام، لكن البلاد تحولت إلى ساحة نزاع مسلح، ما جعلها بعيدة عن الاستقرار"، كما أن الوضع في العراق لا يزال مقلقاً، حيث لا يزال الشعب العراقي يواجه التحديات الاقتصادية والانتقال السياسي الهش، على حد تعبيرها.

وعن وضع المرأة في هذه البلدان، قالت إيمان العزري إن المرأة في تونس حققت تقدماً ملحوظاً في الحقوق السياسية والاجتماعية، ولكن "هناك تراجعات في تمثيل المرأة في الحياة السياسية بعد الثورة"، مبينةً أنه على الرغم من الجهود المستمرة للمرأة التونسية، إلا أن بعض القوى السياسية في تونس تعمل على "التقليل من دور المرأة في الحياة العامة"، كما أن التحديات الاقتصادية لا تزال تشكل عائقاً كبيراً أمام العديد من النساء لتحقيق طموحاتهن.

 

 

بدورها عبرت رجاء كدوسي، إحدى المواطنات التونسيات اللواتي شاركن في الثورة، عن فخرها بالإنجازات التي تحققت في تونس بعد الثورة "لقد أظهرت الثورة التونسية قدرة الشعب على تحقيق تغيير حقيقي"، وذكرت أن "الشعار الذي تم رفعه خلال الثورة كان عمل، حرية، كرامة، وعدالة اجتماعية"، مشيرة إلى أن هذه الشعارات لم تكن مجرد كلمات، بل كانت انعكاساً لاحتياجات المواطنين الحقيقية.

وأوضحت أنه بالرغم من النجاح الكبير الذي حققته البلاد في تعزيز الديمقراطية والحريات العامة وتقلد المرأة المناصب القيادية، لكنها لا تزال تواجه تحديات متعلقة بتحقيق الرفاهية للأهالي حيث أن "الاقتصاد التونسي لا يزال يعاني من التحديات الهيكلية الكبيرة. كما أن هناك تراجعاً في التمثيل السياسي للمرأة في السنوات الأخيرة، ولا سيما في المجالس النيابية"، مرجعة السبب إلى "التحديات السياسية الداخلية".

 

واقع مستقبلي مشرق أم مغلق؟

وقالت رجاء كدوسي إن "المرأة في بعض البلدان الأخرى، تعاني من وضع مزرٍ للغاية"، مشيرة إلى أن "النساء في تلك البلدان يعانين من القهر والتهميش، ويعيش معظمهن في ملاجئ، حيث لا يجدن أي سبيل للحصول على حقوقهن الأساسية"، مبينة أن "المرأة في تلك المناطق العربية أصبحت ضحية للانتهاكات المستمرة للعنف الجنسي، والانتهاكات الجسدية، بالإضافة إلى انتهاك حقوقها التعليمية والاجتماعية".

وأوضحت أن النساء في بعض المناطق التي عانت من الحروب والنزاعات مثل اليمن وسوريا، يعانين ليس فقط من فقدان حقوقهن الأساسية، بل أيضاً من غياب الأمن، مما يجعلهن أكثر عرضة للاستغلال "في ظل هذا الوضع المعقد، تحتاج المرأة العربية إلى دعم أكبر من المجتمع الدولي"، مشيرة إلى أهمية تشجيع مشاريع تمكين المرأة وتعليمها وفتح مجالات جديدة أمامها لمواجهة التحديات المجتمعية.

 

المرأة بين الأمل والواقع

رغم التحديات، فإن النساء لا تزلن تتمتعن بقدرة كبيرة على الصمود، فهن تواصلن النضال في ظل الظروف الصعبة لتحقيق المزيد من الحقوق والفرص، وقد اتفقت الناشطات التونسيات على ضرورة مواصلة الطريق "نحن، النساء التونسيات، نعلم أن الطريق طويل، لكننا مستمرات في العمل على تحسين وضعنا السياسي والاجتماعي. لن نتراجع عن مطالبنا في المساواة والعدالة".

ورغم أن الصورة قد تكون قاتمة أو سيئة في بعض الدول، إلا أن هناك إشارات أمل من خلال المبادرات الشعبية والحركات النسوية التي بدأت تظهر في بعض المناطق، مما يعكس تغيراً تدريجياً نحو تحسن الوضع الاجتماعي والسياسي للمرأة.