الحكومة السورية المؤقتة أفرغت العملية الانتخابية من مضمونها التمثيلي والديمقراطي
انتخابات مجلس الشعب السوري لا تعدو أن تكون تغييرات شكلية تعمق العزلة وتقصي صوت المرأة والسويداء وكذلك مناطق إقليم شمال وشرق سوريا.

مركز الأخبار ـ في مشهد سياسي اتسم بالغموض والتناقض، شهدت سوريا ما سمّي بـ "انتخابات مجلس الشعب" في ظل نظام لم يترك مجالاً حقيقياً للمنافسة أو التمثيل الشعبي، وجاءت العملية الانتخابية هذه المرة بطريقة غير مألوفة، أثارت الكثير من التساؤلات حول شرعيتها وجدواها، بعدما تحول القرار الانتخابي إلى أداة بيد السلطة الحاكمة، التي احتفظت بحق تعيين معظم أعضاء المجلس، تاركة للشعب هامشاً ضيقاً لا يتجاوز الثلث من المقاعد.
في هذا السياق، برزت قضايا تمسّ جوهر الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد، من تهميش دور المرأة السورية وتراجع نسب مشاركتها، إلى إقصاء عدة مدن من العملية الانتخابية وما تبع ذلك من تداعيات خطيرة على وحدة المجتمع السوري.
آلية انتخاب مثيرة للجدل
دارين عزام من مدينة السويداء قالت أن الساحة السورية شهدت في الآونة الأخيرة واحدة من أكثر التجارب الانتخابية إثارة للجدل، بعد أن أُجريت انتخابات مجلس الشعب السوري بطريقة وصفت من قبل مراقبين وناشطين بأنها "غامضة وغير مفهومة"، إذ جاءت الآلية الجديدة لتكرس تحكم السلطة التنفيذية في العملية الانتخابية وتفرغها من مضمونها التمثيلي والديمقراطي.
وبينت أنه بحسب القرار الجديد، أصبح الرئيس المؤقت أحمد الشرع "الجولاني" هو من يعين ثلث أعضاء مجلس الشعب، فيما يترك الثلثين للترشح والانتخاب، الذي وصفته بـ "الشكلي" من قبل الشعب "هذه الصيغة، التي توصف بأنها خطوة إضافية في تكريس السيطرة المطلقة على المؤسسات، جعلت مساحة مشاركة المواطن السوري محدودة إلى أقصى درجة، إذ لم يعد الناخب قادراً إلا على اختيار جزء صغير من المجلس ضمن إطار محدد مسبقاً من قبل السلطة".
مكانة المرأة في المشهد السياسي
ورغم الخطاب الرسمي المتكرر عن تمكين المرأة، إلا أن الواقع الفعلي يؤكد استمرار تهميشها في الحياة السياسية، فالنظام السوري، كما تقول دارين عزام "ما زال يتعامل مع وجود المرأة في المؤسسات السياسية كجزء من الزينة الشكلية، لا كعنصر فاعل في صناعة القرار".
وفي أفضل الحالات السابقة، لم تتجاوز نسبة تمثيل النساء في مجلس الشعب 10%، بينما تراجعت اليوم إلى أقل من 3%، وهي نسبة وصفتها بأنها "صادمة ومهينة لدور المرأة السورية، التي أثبتت على مدى السنوات الماضية كفاءة عالية وقدرة على القيادة والعمل العام".
وأوضحت دارين عزام أن هذه النسبة "ليست مجرد رقم، بل انعكاس لطبيعة النظام الذي لا يسمح بصوت مختلف، ولا يقبل أن تكون المرأة شريكاً حقيقياً في السياسة أو في صنع القرار الوطني"، معتبرةً أن استمرار هذا النهج "يُعيد المرأة إلى الهامش، بعد أن كانت قد أثبتت حضورها في كل المجالات، من الإغاثة إلى الإدارة والسياسة والمجتمع المدني".
وبرغم وجود منظمات نسوية ومؤسسات تعمل على دعم المرأة وتمكينها، فإن تأثيرها ظل محدوداً جداً في ظل غياب بيئة سياسية حرة، مما يجعل المشاركة النسائية رهينة قرارات السلطة لا إرادة المجتمع أو كفاءة المرشحات.
إقصاء السويداء... تكريس للعزلة والانقسام
ومن أبرز ما أثار الجدل في هذه الانتخابات كان استبعاد السويداء من العملية الانتخابية منذ بدايتها، في خطوة "مقصودة وممنهجة"، كما تؤكد دارين عزام، التي ترى أن القرار بالتزامن مع التصعيد العسكري والاجتياح الذي شهدته السويداء والذي خلف قتلاً ودماراً وعمّق الشرخ بين أهالي السويداء والسلطة المركزية في دمشق.
وترى أن ما جرى "لم يكن مجرد قرار إداري أو خلل انتخابي، بل رسالة سياسية تهدف إلى معاقبة السويداء على مواقفها الرافضة لسياسات السلطة"، مشيرةً إلى أن الإقصاء "زاد من حالة الغضب والاغتراب بين أهالي السويداء وبقية السوريين، وكرس سياسة العقاب الجماعي بدل الحوار والإصلاح".
مجلس بلا تمثيل... وسلطة بلا شرعية شعبية
النتيجة النهائية لهذه الانتخابات لا توحي بولادة مجلس يمثل الشعب السوري، بل بتجديد الولاء للسلطة ذاتها التي تتحكم بكل مفاصل القرار، فالمجلس، كما تصفه دارين عزام مجرد واجهة شكلية لسلطة لا تقبل سوى صوتها، وترفض أي نقاش جدي أو اختلاف في الرأي "ما يحدث اليوم ليس إصلاحاً سياسياً، بل إعادة إنتاج للأزمة نفسها، بوجوه جديدة وطرق أكثر التباساً".
وأكدت إن ما جرى في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة ليس مجرد حدث سياسي، بل انعكاس لأزمة وطنية عميقة، عنوانها غياب التمثيل الشعبي الحقيقي، وتراجع الحريات، وتهميش المرأة، وإقصاء المدن التي ترفض الخضوع لمنظومة الاستبداد.
"الانتخابات جرت بأجواء غير عادلة ولا نزيهة"
هذا الرأي أكدت عليه أيضاً العضوة في مجلس تجمع نساء زنوبيا هيفاء عمر والتي قالت أن الانتخابات "غير شرعية"، وأن ما يحدث في سوريا منذ سقوط النظام لا يوافق مبادئ الديمقراطية "تم تعين الشرع دون عملية انتخابية مسبقة وإضفاء شرعية لهذه الحكومة، لكن لا يجب الاعتراف بكل ذلك فهذه مرحلة انتقالية من تاريخ سوريا".
وأكدت أنه لاشرعية لمن يقوم بانتهاكات تخترق الحقوق الإنسانية "منذ استلام الحكومة المؤقتة بدأت بافتعال فتنة طائفية بين المكونات السورية، وارتكبت الجرائم والمجازر والانتهاكات من قتل واعتقال بحق المكونات منها العلوية والدرزية وحرق منازل المدنيين، والقيام بالعديد من الانتهاكات بحق النساء منها الاغتصاب والقتل والتي كان أخرها حالات اختطاف للشابات".
ولفتت إلى تزامن الانتخابات مع الهجمات على مناطق من إقليم شمال وشرق سوريا "جاءت عملية الانتخابات في وقت تم التصعيد فيه على مناطقنا، على خطوط التماس لدير حافر، وفرض الحصار على حيي الأشرفية والشيخ مقصود، وهذا أن دل على شيء فهو يدل على استغلال هذا الهجوم لمصالح الأطراف الخارجية فالدولة التركية هي من تحرض على هذه الفتن بين السوريين".
واعتبرت أن الشعب السوري بحاجة ماسة للنهوض، وأنه من الضروري سير العملية الانتخابية بأجواء أمنة وبذلك يمكن تحقيق الديمقراطية، أما ما حدث مما سمي بـ "الانتخابات"، فهي "غير عادلة ولا منصفة لكافة مكونات السوريا، الانتخابات سارت بشكل غير شفاف ونزيه وحرم العديد من أبناء وبنات الشعب السوري من حقهم بالإدلاء بأصواتهم وحرية اختيار الشخص الذي سوف يمثلهم".
وبعدما مر به الشعب السوري من تحديات وصراعات ودفع الكثير في سبيل حصوله على حريته وكرامته تحت سقف الوطن يأمل بتغير الحال لكنه وقع تحت حكم استبدادي وعنصري مرة أخرى "بهذه الانتخابات لن تتحقق تطلعات ومطالب السوريين في تحقيق سورية تعددية لامركزية".
وتعتبر هيفاء عمر أن إجراء عملية الانتخابات دون شرعية خطوة تهدد مستقبل سوريا "تمثل عملية الانتخابات فئة معينة من الشعب دون النظر إلى الخبرات والمؤهلات المطلوبة، كما أنها لم تستوفي الشروط المطلوبة، لذا تعتبر غير مؤهلة لتحقيق إعادة الإعمار والنهوض بسوريا".
مشاركة غير مقبولة
"مشاركة المرأة بنسبة 3 بمئة بالعملية الانتخابية غير مقبولة بالنسبة لنا كنساء سوريات قويات وقادرات على المشاركة في جميع الساحات"، هذا ما أكدت عليه هيفاء عمر مطالبةً بصياغة دستور سوري جديد لجميع السوريين "على المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية الوقوف إلى جانب الشعب السوري، ومنع هذه الجرائم والانتهاكات التي يتعرض لها ".
"أناشد الشعب السوري فهو من يقرر مصير سوريا المستقبل للتكاتف ولتوحيد صفوفه وأن يكون يد واحدة فإذا لم نكن قلب واحد، سنسمح بإعادة السيناريو نفسه زمن النظام السابق الذي فرض حكم مركزي، علينا أن نحقق تطلعات وأهداف مسار الثورة والتصدي لهذه الهجمات التي تديرها أيادي خفية تسعى لإطالة عمر الأزمة السورية وعرقلتها بدل من السلام". هذه الدعوة التي اختتمت بها العضوة في مجلس تجمع نساء زنوبيا عملية الانتخابات هيفاء عمر حديثها.
حضور محدود في مقاعد القرار
تقول الناشطة من دمشق عائشة شعبان أن وجود المرأة ليس ترفاً، بل ضرورة"، وتبين أن "المرأة دائماً كانت جزءاً أساسياً من المجتمع، في كل المراحل الصعبة التي مررنا بها، كانت موجودة وتعمل وتتحمّل مسؤولية كبيرة، في البيت والعمل والشارع وفي كل مكان، لكن رغم ذلك، إلى اليوم ما يزال تمثيل النساء في المجال السياسي والثقافي والإداري ضعيفاً، وكأن حضورهن مجرد رقم أو تفصيل".
ولفتت إلى أنه عندما يتم الحديث عن الانتخابات، يقال أن نسبة تمثيل النساء يجب أن تصل إلى 20%، لكن فعلياً لم تتجاوز نسبة المرشحات 14%، وتعتبر أن "المشكلة ليست في الأرقام فقط، بل في الفكرة"، متسائلةً لماذا يجب أن يبقى حضور النساء ناقصاً، مع أن في دول كثيرة تصل النسبة إلى 30% وأكثر؟ هذا الأمر ليس فقط لأن لديهم قوانين مختلفة، بل لأن هناك وعياً مجتمعياً يؤمن بأن المرأة قادرة على العمل والمشاركة واتخاذ القرار تماماً مثل الرجل".
وأكدت أن وجود المرأة ليس ترفاً، ولا مجاملة، بل هو ضرورة. عندما تكون المرأة حاضرة في موقع القرار، تتغير النظرة للأمور، لأن هناك حسا مختلفاً، وفهماً أوسع للحياة اليومية ولتجارب الناس "المرأة ترى التفاصيل الصغيرة التي أحياناً يغفل عنها غيرها، وتستطيع أن تربط بين الجانب الإنساني والجانب العملي، وهذا الأمر يفيد أي مؤسسة وأي بلد".
وترى أن تهميش النساء بهذه الطريقة يؤثر على المجتمع ككل، لا عليهن فقط لأنه "عندما نضع حدوداً لمشاركة نصف المجتمع، نكون نضعف قدرتنا على التطور والتغيير. لا يجوز أن تبقى الفكرة أن وجود النساء فقط لتجميل الصورة، أو لاستكمال النسبة المطلوبة. المرأة يجب أن تكون شريكة حقيقية، بصوتها، وبرأيها، وبقرارها".
وتعتقد أنه قد يكون الطريق طويلاً، لكن الوعي يكبر، والنساء اليوم أصبحن أكثر استعداداً ليكون لهن دور فعلي "نريد أن نصل إلى مرحلة لا نعدّ فيها كم امرأة موجودة، بل نسأل: ما الدور الذي تلعبه؟ ما التغيير الذي تصنعه؟ لأن في نهاية المطاف، مجتمع بلا مشاركة نسائية حقيقية هو مجتمع يقف في منتصف الطريق، ولن يستطيع أن يتقدّم خطوة إلى الأمام إذا لم تكن نساؤه إلى جانب رجاله في كل المجالات".
بين النص القانوني والواقع الاجتماعي
المجالس المنتخبة غالباً ما تعكس إرادة السلطات أكثر مما تعبّر عن تنوع المجتمع، ما يجعل تمثيل النساء رهيناً بالمحاصصة لا بالكفاءة. ويرى عدد من الناشطين والناشطات أن النهوض بالمشاركة النسائية في السياسة يحتاج إلى أكثر من "كوتا" رقمية، إذ يتطلب وعياً مجتمعياً جديداً يعترف بدور المرأة كشريكة فاعلة في القرار، لا كاستثناء يُفرض بالقانون.
وفي ظل واقع انتخابي محدود التأثير، تبقى كلمات عائشة شعبان بمثابة تذكير بأن التغيير الحقيقي يبدأ من الإيمان بأن وجود المرأة في السياسة ليس ترفاً، بل خطوة ضرورية نحو مجتمع أكثر عدالة وتوازناً.