النظام الغذائي السليم يساهم في الوقاية من الأمراض

لم يعد اختصاص التغذية مقتصراً على وضع نظم غذائية في حالات نقص وزيادة الوزن، بل تعداها، ليؤمن نظماً في حالات الصحة وكذلك للمساهمة في العلاج والوقاية من أمراض معينة.

سوزان أبو سعيد

بيروت ـ أصبح اختصاص التغذية في الآونة الأخيرة ركناً هاماً من أجل إرشاد الأهالي إلى ما يجب تناوله من أجل أن يعيشوا حياة صحية أو الوصول إلى أهداف خاصة متعلقة بالصحة، وخلافاً للمفهوم الخاطئ بأن اختصاصي التغذية يساعد في تنظيم الغذاء للحصول على وزن مناسب.

يعمل أخصائيو التغذية بمجالات متنوعة ومختلفة في مجال الرعاية الصحية للأمراض المختلفة وخدمات الأغذية والنوعية في الشركات المصنعة للغذاء وفي المستشفيات لوضع برامج صحية للمرضى وغيرها.

وفي هذا المجال تقول أخصائية التغذية العلاجية والتي تعمل بمركز "شيفت يور دايت" رنين حماد "لا شك بأن النظام الغذائي السليم لا يساهم في الحفاظ على الصحة فحسب، بل يمكنه الوقاية من الأمراض، ونحن في مركز "شيفت يور دايت" أي التحول بنظامك الغذائي، مختصون بالتغذية العلاجية، وبهدف المحافظة على الصحة، فلا نكتفي بنظم مناسبة لكل حالة مرضية، بل لدينا مطبخ نوفر فيه الطعام ضمن نظم معينة، حيث نتبع المعايير الغذائية العالمية من جودة ونوعية، ونستخدم الطعام الطبيعي والعضوي".

وأوضحت أن "من يقصدنا نتعرف أولاً على حالته ونوعية غذائه وماذا يحب، ونحن 4 أخصائيات تغذية، واحدة متخصصة في متابعة نوعية الطعام في المطبخ، وأخصائيتين في التغذية العلاجية، ولدينا أخصائية تتابع الحالات عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي المنزل في حال عدم قدرتهم على المجيء إلى المركز، وهناك 8 عاملات في المطبخ وجميعنا من النساء، كما هناك خدمة توصيل في بيروت والجبل، ونتعاون مع العديد من الأطباء لمعرفة الإرشادات التي يطلبها لهذا المريض أو ذاك وتنظيم خطة غذائية إلى جانب الخطة العلاجية، ونقوم بتوجيه المريض لكيفية تحضير طعامه الصحي في المنزل".  

وعن دور مركز "شيفت يور دايت" على مستوى معالجة الحالات المرضية المختلفة، تقول "في المركز نقدم خدماتنا لسائر الفئات العمرية وللجنسين، ولكن إجمالاً نسبة النساء مرتفعة".

وأشارت إلى أن "هناك تعريف ومفهوم خاطئ لمهنة أخصائي التغذية، وهناك فهم سائد بأن الشخص يزور أخصائي تغذية، إما لإنقاص الوزن وإما لزيادته، لكن لأخصائي التغذية دوراً أكبر من ذلك بكثير، فليس دوره علاجياً فحسب بل أنه يمكن أن يجنب الأشخاص أمراض كثيرة، ومنها السكري، وأمراض القلب، والضغط، والتكيس على المبايض، ومُتلازمة المبيض المُتعَدِّد الكيسات PCOs وهي حالة تعاني منها نساء كثيرات في لبنان والشرق الأوسط، كما ولدينا نظام غذائي خاص للحوامل والمرضعات".

وأضافت رنين حماد "هناك كثير من النساء تتأثرن بمواقع التواصل الاجتماعي و"التريندات" أي أنماط أو اتجاهات في مجال معين، وهذا خطأ كبير، إذ تعمدن إلى اتباع نظام دون معرفة حاجات أجسامهن وما يلائمهن، فكل امرأة أو شخص لديه احتياجات خاصة غذائياً، ولا يمكن اتباع ما نراه على مواقع التواصل الاجتماعي، لأنه قد يكون لهذا الأمر تبعات ونتائج سلبية على أجسامنا أو قد يتسبب بنقص في عنصر غذائي معين أو بأمراض نحن في غنى عنها، لذلك لا يمكن أن نعتمد على هذا "التريند" أو ذاك، وإنما علينا أن نتبع حاجة الجسم".

وقالت "نعرف إن كانت المرأة تعاني من مرض ما، أو من أمراض مزمنة، وما إذا كانت بحاجة لإنقاص أو زيادة وزنها، أو إذا كانت تعاني أوجاعاً معينة، وثالياً نحاول التعرف على العادات اليومية، كساعة الاستيقاظ والنوم وأوقات تناول الطعام، ونوع الطعام وكمية المياه، وغير ذلك من التفاصيل الصغيرة فالأهم في مجال تحديد العلاج الغذائي المناسب، التعرف على نمط الحياة، ومن ثم نقيس الوزن على جهاز يقيس مستويات الدهون والعضل والمياه ونسبة الحرق، والأهم لدينا بالنسبة للنساء قياس منطقة الخصر والأحشاء وهي الدهون الداخلية، ونرى نسبتها، إذ يجب أن تكون من 1 على 9، وكل ما يزيد عن 9 يتحول عاملا مرضيا ويسبب لنا في مـا بعد أمراضا مثل السكري من النوع الثاني، وأمراض الضغط لأنه مع زيادة السمنة هناك احتمالات أكبر للإصابة بالأمراض، كما تزداد نسبة أمراض القلب لأن ارتفاع نسبة الدهون في الجسم يسبب تصلب وانسداد الشرايين ويفضي إلى حدوث أزمات قلبية".

وأضافت أن "هناك نمط غذائي للمريضات اللواتي تعانين من تكيس المبايض، وهذه مشكلة مهمة، ويمكن مواجهة هذه المشكلة من خلال النظام الغذائي، وفي هذه الحالة مثلاً نعتمد نظاماً غذائياً قليل بالكربوهيدرات وغني بالبروتين، ولا يمكن في هذه الحالة أن نربط هذا بالغذاء المحتوي على الدجاج مثلاً، ولكن إذا كان الدجاج محقوناً بالهرمونات فإنه يؤثر سلباً على مثل هذه الحالات التي نعالجها، والكربوهيدرات التي نعطيها لمن تعانين تكيس المبايض يجب أن يكون مصدرها الحبوب الكاملة أو القمح الكامل، لذلك نستبدل الخبز الأبيض بالأسمر وخبز الصاج، أي (الكربوهيدرات المعقدة)، وأيضاً المعكرونة بدلاً من أن تكون بيضاء نلجأ إلى المعكرونة السمراء".

وعن النظم الشائعة مثل "الكيتو دايت" والصوم المتقطع وغيرها، بينت "للأسف هذا الأمر نشهده يومياً، ولا نعني أن هذه الأنظمة غير جيدة، بل نستخدمها في بعض الحالات، فنظام "الكيتو" مهم جداً لمرضى الصرع، وقد تم اكتشافه عند علاج هذه الحالات بأنه ينقص الوزن، ولكنه نظام يجب استخدامه بحذر وخصوصاً أنه قد يتسبب بضغط على الكلى، كما وأن هناك اعتقاداً سائدا بأنه إذا حرمنا أنفسنا من الدهون يمكن أن ننحف ونخسر وزناً، لكن هذا أمر خاطئ جداً، لأن النظام الغذائي الذي سنتبعه يجب أن يكون نمط حياة، وهذا لا يعني الحرمان نهائياً من الكربوهيدرات (النشويات) والدهون، وإذا انقطعناً عن نظام غذائي معين كنا نتبعه وعدنا إلى ما كنا عليه سابقاً نعود للسمنة من جديد".

وأوضحت أن هذا النمط الغذائي "يتحول ليناسب كل فئة عمرية، وهناك معلومة مهمة في هذا المجال، فمن يفرح بأنه يخسر وزناً بسرعة يكون قد خسر عضلاً ومياه لأنهما مرتبطان بعضهما ببعض، ولا يخسر دهوناً، لأن الدهون لا تنخفض بسرعة، ومن هنا ضرورة المتابعة لدى أخصائي التغذية لقياس نسبة العضل والدهون وغيرها، ليخسر الوزن بطريقة معتدلة ولكن دائمة، والمياه مهمة جداً للجسم فقلة استهلاك المياه تساعد في تخزين الدهون أكثر".

وأضافت "هناك المراحل العمرية، ففي المراحل الأولى يكون الجسم في طور النمو، أي بين الـ 13 و18 عام، ويكون هناك أيضاً تغيير في الهرمونات والدورة الشهرية، وفي هذه الحالة نعطي نظاماً غذائياً على شكل نمط حياة لأنه لا يمكننا حرمان الجسم وهو في طور النمو، ولكنه ليس النظام نفسه الذي نعتمده في سن الثلاثين، أو بعد انقطاع الطمث لدى النساء، أي أن النظام الغذائي يتغير بالنسبة للشخص ووفقاً لفئته العمرية، فلا ينفع نظام اتبعه في مرحلة ما في مراحل لاحقة".

وعن السمنة المفرطة لدى الفتيات دون سن الـ 18 عام، قالت رنين حمَّاد "نحاول قدر الإمكان أن ننصح الأهالي بضرورة تجنب الوجبات السريعة، فلا يمكن حرمان هذه الفئة من كل شيء، ولذا نحدد كميات أقل ونوعيات أفضل، فبدلاً من الشوكولا العادية ننصح بالشوكولا الغامقة وهناك بدائل أفضل من "الشيبس"، وبدلاً من الحلويات يمكن تناول الفواكه المجففة، وهناك خيارات كثيرة يمكن اللجوء إليها والابتعاد عن الأنواع غير الصحية وللحفاظ على وزن صحي دون حرمان، خصوصاً وأن الوزن الزائد في سن الـ 13 يعرض لأمراض مزمنة في عمر الـ 30 والـ 35 وما فوق، لأن السمنة في عمر صغير مرتبطة بالأمراض المزمنة في عمر كبير".

وأضافت أن المركز يقدم بين 12 و15 نمطاً غذائياً بأربع لغات، الاسبانية، الفرنسية، الإنكليزية والعربية، تشمل الأمراض مثل "السيلياك"، أو الحساسية على بروتين موجود في القمح والشعير وهو الغلوتين، وتكيس المبايض، والسكري، ونظام DASH الخاص بمرضى القلب والضغط، ونظام Renal لأمراض الكلى ونظام للكبد الدهني، وأيضا في حالات الصحة العامة مثل النظام العادي والموجه لإزالة الدهون في مناطق معينة من الجسم، وللرياضيين لتنمية العضلات، وللحوامل والمرضعات أيضاً وغيرها.

وأشارت إلى أنه "لدينا في المركز ثلاثة اختبارات تعد الأحدث حالياً، هي الـ Oligo Test، وتبين لنا نسب كل من الفيتامين ومضادات الأكسدة والمعادن ودون سحب دم واختبار للحمض النووي، حيث تؤخذ خزعة صغيرة من باطن الخد وترسل إلى أوروبا، وتبين ما إذا كانت هناك حساسية ونوع الطعام الذي يساعد في إنقاص الوزن والطعام الذي يساهم في السمنة وهو اختبار مكلف مادياً ولكنه دقيق 100% ويبين لنا نوع الأمراض التي يمكن أن تصيبنا لاحقاً، عبر معرفة كل العوامل الجينية، ولدينا الـ Intolerente Test ويمكن أن نعتبره اختبار حساسية على الأطعمة، وما يميز هذا الاختبار لدينا أنه ليس على 120 مادة، وإنما على 170 نوع طعام، ونجري هذا الاختبار من خلال سحب الدم، ونعرف من خلاله ما نوع الطعام الذي يسبب حساسية للمريض، حيث لا يمكن هضم بعض الأطعمة أو تتسبب بأعراض، ليمكننا اختيار الغذاء ضمن الأنماط الـ 12 وبما يتناسب مع حالة الشخص".

وأشارت إلى محذورات هامة أهمها أنه "يمنع في النظم الصحية استخدام الزيوت المهدرجة، ولا سيما السمنة، والزبدة النباتية، والزيوت المشبعة، والمصنعة، مثل زيت النخيل، والذي يستخدم في الأطعمة المصنعة لإطالة عمرها، وبالمقابل يمكن أخذ المصادر الحيوانية للدهون، إنما بصورة معتدلة وضمن نظام غذائي معين".

وعن استخدام المحليات الصناعية قالت "يجب استخدام بدائل السكر المختلفة وبأنواعها مثل: الستيفيا، والكحوليات السكرية باعتدال، لأنها تؤثر على استقلاب المواد بصورة سلبية وبزيادة تراكم الدهن والشحم في منطقة البطن".

وخلصت رنين حماد إلى أن النظام الصحي "هو النظام الذي يحتوي كافة عناصر الغذاء من نشويات وبروتينات ودهون وألياف وغيرها، فالنظام الصحي هو تنوع واعتدال دون حرمان، فكل شيء يزيد أو ينقص عن حده يتسبب بالسمنة والأمراض المختلفة، لأنه قد يحرم الجسم من بعض المواد الغذائية والمعادن والفيتامينات، وبالنسبة للسكريات، يمكن نتناولها ولكن بكميات قليلة للغاية، واستبدالها بالمصادر الطبيعية مثل الفواكه، وكما وأن تناول المحليات مثل الدبس والعسل وعلى الرغم من كونها أغذية صحية، لكنها تحتوي على السكريات، يجب أن يكون بكميات قليلة للغاية وأن يتم استبدال مصدر للسكر بها".