الخرطوم بين أنقاض النزاع وأشباح الأوبئة

بعد توقف النزاع فيها، دخلت العاصمة الخرطوم مرحلة جديدة من المعاناة، حيث تحولت من ساحة نزاع إلى بؤرة أوبئة تهدد حياة العائدين وسط انهيار الخدمات وتفشي الأمراض.

ميرفت عبد القادر

السودان ـ منذ اندلاع النزاع في العاصمة السودانية الخرطوم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في نيسان/أبريل عام 2023، يعيش المواطنون هناك حياة قاسية تزداد صعوبة يوماً بعد آخر، فلا يكاد يخلو بيت من فقدان أحد أفراده بل فقدت بعض البيوت كل أفراد الأسرة.

تفتقر العاصمة كل مقومات الحياة وأصبحت توصف بمدينة الأشباح حيث لا حياة فيها، دمرت المستشفيات وانهار الوضع الصحي، فقد المواطنون الأمان وشهدت انفلات أمني كبير، انهار التعليم وأغلقت المدارس واتُخذ بعضها مراكزاً للنزوح.

 

توقف حرب الرصاص وبداية حرب الأوبئة

بعد أن استعاد الجيش السوداني السيطرة على الخرطوم، بدأ أعداد كبيرة من المواطنين بالعودة إليها والتي تحاول النهوض من تحت ركام النزاع، ليصطدموا بواقع لم يكن في مخيلتهم يوماً، فقساوة الحياة بالعاصمة المحاصرة لاتزال مستمرة، من انقطاع المياه والكهرباء، انهيار المنظومة الصحية، وتفشي الأمراض، وظهور أوبئة لم تكن المدينة تعرفها قبل النزاع، فوجد المواطن نفسه أمام جملة من التحديات وحرب جديدة تواجهه وهي حرب الأوبئة.

تمكنت وكالتنا من زيارة مشفى "النو" المشفى الوحيد الذي كان يعمل طيلة فترة النزاع رغم تعرضه للقصف لمرات عديدة. كل حجرات المشفى ممتلئة تماماً بالمرضى بين مسن يئن من الألم وآخر يتمنى توفر العلاج ليتحسن حاله. يضم المشفى جميع المرضى المصابين بأوبئة الملاريا والتيفوئيد وحمى الضنك بالإضافة للكوليرا.

أكدت الدكتورة مروة محمد أن أعداد المصابين لايزال في ارتفاع، وأعداد الموتى بالأوبئة فاقت أعداد الضحايا أثناء النزاع "العائدين إلى مدينة الخرطوم صدموا بواقع الأوبئة وانتشارها الكبير خاصة وباء حمى الضنك، حيث لم تكن الخرطوم تعرف هذا الوباء قبل النزاع".

وارجعت انتشار الأوبئة لتكاثر البعوض والذباب نسبة لتردي البيئة الصحية وتراكم الأوساخ ومخلفات النزاع داخل الشوارع والساحات بالمدينة، مؤكدة على أن هناك نقص حاد في المحاليل الوريدية والأدوية لمكافحة الأوبئة والأمراض رغم عودة بعض المراكز للعمل داخل المدينة وجهد الكوادر الطبية في توفير الأدوية للمرضى.



        

السيول والفيضانات فاقمت المعاناة

شهدت ولاية الخرطوم هذا الموسم من فصل الخريف فيضانات وسيول بمعدلات كبيرة تسببت في انهيار عدد من المنازل بمحليات الخرطوم المختلفة.

وبحسب المنظمة الدولية للهجرة، فإن الفيضانات التي اجتاحت مناطق عدة بمحلية الخرطوم بحري، أدت إلى نزوح نحو 1200 أسرة إلى مناطق مختلفة من العاصمة الخرطوم.

وبحسب الإحصاءات الحكومية تضررت نحو 25 ألف أسرة بسبب الفيضان أي أكثر من 125 ألف شخص منذ بداية موسم الأمطار وحتى 25 أيلول/سبتمبر الماضي.

وتسببت هذه الفيضانات بشكل كبير في انتشار وباء الكوليرا والحميات نسبة لتوالد البعوض والذباب ونقل الأمراض بين المواطنين، بالإضافة لظهور مرض الكبد الوبائي الذي بدأ ظهوره مع موسم الفيضانات بالجزيرة وبدأ بالانتشار بالخرطوم.

ووفق تقرير المرصد والمعلومات لمركز الطوارئ الاتحادي بولاية الصحة الاتحادية، هناك ثلاث ولايات تأثرت بالسيول والأمطار خلال الفترة ما بين 17-21 أيلول/سبتمبر المنصرم شملت 4 محليات و8 مناطق، تضررت خلالها 1025 أسرة.

قالت مي عز الدين من مدينة أم درمان التابعة لولاية الخرطوم وإحدى المتعافين من أمراض الملاريا وحمى الضنك بولاية الخرطوم، إن المواطنين بالولاية حتى بعد نهاية النزاع والحياة القاسية التي عاشوها بالخرطوم وتعرضهم للتدوين العشوائي واجهوا بعد استعادة الخرطوم مشاكل صحية وأوبئة.

وأرجعت وجود الأوبئة وانتشارها في الخرطوم نسبة لوجود مخلفات النزاع حتى الآن، بالإضافة إلى الفيضانات التي زادت المعاناة وأسهمت في انتشارها بشكل كبير.

وتشتكي مي عز الدين من الزيادات الكبيرة غير المبررة في أسعار الأدوية والمحاليل، قائلة إن هناك من يستغل الأزمات في السودان لزيادة أسعار المحاليل، داعية المواطنين للتكاتف للتخلص من هذه الأوبئة دون الاعتماد على وزارة الصحة وحدها في القضاء عليها.


 


        

ما بين انحسار وانتشار

كشفت وزارة الصحة السودانية عن انتشار كبير لمرض حمى الضنك وسط حالة من الهلع بين المرضى، إلا أن الوزارة قالت أيضاً إن المرض في انخفاض، وأن معدل الوفيات لا يتجاوز 0.2%، وأن أكثر من 80% من الحالات يمكن معالجتها بالمنزل.

وعلى الرغم من أن وزارة الصحة نفت ارتفاع الوفيات، إلا أنها أكدت تسجيل 7 حالات وفاة و3 آلاف و500 إصابة مؤكدة بحمى الضنك في 5 ولايات، منها 74% في الخرطوم.

من جانبها أكدت الصحفية حرم شيخ الدين من داخل مدينة أم درمان أن هذه الإحصائيات التي تتحدث عنها وزارة الصحة غير حقيقة، مشيرةً إلى أن الوضع في الخرطوم أصبح كارثياً بسبب الأوبئة والأمراض وانعدام الدواء المعالج واختفاء المحاليل تماماً وإن وجدت لا يصرف للمريض سوى محلول واحد.

وأوضحت أن حملات مكافحة البعوض التي قامت بها الوزارة كانت متواضعة وغير مجدية، داعية وزارة الصحة إلى اتخاذ خطوات جادة للحد من انتشار الأوبئة وعدم ترك المواطن يتحمل أعباء النزاع والأوبئة بمفرده.