الملعب ليس حكراً على أحد… حين تتحول الكرة إلى حلمٍ لا يُقهر

فريال أحمد، لاعبة كرة قدم، كانت من الرائدات في تأسيس فرق نسائية في كوباني بإقليم شمال وشرق سوريا، تميزت بشجاعتها وحسن اتخاذها للقرارات، واليوم، تواصل تألقها على مستوى سوريا، بعد أن حصدت العديد من الكؤوس والميداليات والجوائز.

برجم جودي

كوباني ـ أصبح إقليم شمال وشرق سوريا مساحة للنضال والتحرر بالنسبة للنساء، حيث وفّر لهن فرصة حقيقية لتجاوز القيود والعقبات التي طالما أعاقت طموحاتهن وأحلامهن، ومن بين الشابات اللواتي واجهن التقاليد بعزيمة وساهمن بوعي في بناء مجتمع أكثر انفتاحاً، تبرز لاعبة كرة القدم فريال أحمد كنموذج ملهم يجسد قوة الإرادة والسعي نحو تحقيق الأحلام.

فريال أحمد، شابة من مدينة كوباني وُلدت عام 2002، وتُعرف أيضاً بلقب "فيلي"، بدأت مسيرتها في عالم كرة القدم عام 2017، وسرعان ما أثبتت نفسها كلاعبة بارزة في مركزي الهجوم والوسط، حيث تلعب ضمن صفوف فريقي الأسايش والهلال.

تميزت بإصرارها على كسر الحواجز أمام النساء في المجال الرياضي، وسعت بكل طاقتها لفتح الطريق أمام الفتيات للمشاركة الفاعلة في الفرق والدوريات النسائية، واليوم، تُعدّ فريال أحمد من أبرز الأسماء في كرة القدم النسائية على مستوى إقليم شمال وشرق سوريا، كما تستعد لتمثيل بلادها في دوري نساء غرب آسيا، حاملة معها طموح جيل كامل من النساء الساعيات إلى التغيير.

 

من الأزقة إلى البطولات

بدأت فريال أحمد رحلتها في عالم كرة القدم من قلب الأحياء والمدارس، قبل أن تصل إلى الفرق الرسمية، وعن بداياتها، قالت "نشأت في عائلة يغلب عليها الذكور، فمعظم أقاربي كانوا أولاداً، كنت طفلة صغيرة، وأشعر بالعجز حين أرغب في قضاء وقتي باللعب، خاصة أنني كنت الفتاة الوحيدة بينهم، لذلك، كنت أندمج معهم في مباريات كرة القدم، وأشاركهم اللعب رغم أنني لم أكن أفهم قواعد اللعبة جيداً في البداية".

أوضحت "لعبت أولاً بدافع الفضول، لكن مع الوقت، تعلّمت أساسيات اللعبة، واحببت اللعبة، حتى أصبحت جزءاً من حياتي، في تلك الفترة، لم تكن هناك فرق نسائية، فكنت ألعب مع أصدقائي وأفراد عائلتي في ساحات المدارس وأزقة المدينة".

وأضافت "في عام 2017، طرحت فكرة تأسيس فرق نسائية لكرة القدم، وإنشاء دوري خاص بين المدارس، وبالفعل، شكّلت فريقاً في مدرستي، وتمكّن فريقنا من الفوز بكأس المدارس، ليكون ذلك أول إنجاز في مسيرتي الكروية، وبداية حلم أكبر".

 

شغف كرة القدم في مواجهة قيود المجتمع

روت فريال أحمد تفاصيل رحلتها في تأسيس فرق نسائية لكرة القدم "راودتني فكرة إنشاء فرق نسائية لكرة القدم منذ وقت طويل، ولهذا بذلت الكثير من الجهود لتحقيقها، كان لأخي فريق خاص، فذهبت إلى مدربه واقترحت عليه تدريب فريق للفتيات، وقد رحّب بالفكرة، شعرت بحماس كبير، لكنني كنت أيضاً متوترة من مسؤولية جمع اللاعبات وتشكيل الفريق".

وتابعت "بدأت بجمع بنات عمّي وخالاتي، إلى جانب صديقاتي، وشكّلنا فريقاً وبدأنا التدريب، لم يكن الطريق سهلاً، فالفريق لم يحظَ بدعم كافٍ، وكانت الظروف المعيشية صعبة، إضافة إلى الضغوط الاجتماعية التي فرضتها بعض العائلات، والتي منعت بناتها من ممارسة الرياضة".

ولفتت إلى أنه "في تلك المرحلة، تواصل معنا مدرب من فرق النساء في إقليم الجزيرة، وأخبرنا عن نية تأسيس دوري نسائي على مستوى سوريا، وأنهم بحاجة إلى لاعبات متميزات، جاء المدرب إلى كوباني لاختيار اللاعبات، وبفضل مستواي الجيد، تم اختياري ضمن الفريق، وكانت تلك لحظة فارقة في مسيرتي".

 

من ملاعب كوباني إلى صدارة الدوريات السورية

وعن تفاصيل رحلتها الرياضية التي بدأت من مدينة كوباني ووصلت إلى منصات التتويج على مستوى سوريا، قالت "كانت أول مشاركة رسمية لي مع فريق قامشلو، حيث لعبنا ضمن دوري إقليم الجزيرة، وتمكنت حينها من الفوز بجائزة أفضل هدّافة بعد أن سجلت 20 هدفاً، لاحقاً، انضممنا إلى فريق جهاد وشاركنا في دوري كرة القدم داخل الصالات على مستوى سوريا، لكننا لم نحقق نتائج جيدة في البداية بسبب قلة خبرتنا بقوانين هذا النوع من البطولات".

وأضافت "في الموسم الثاني، خضعنا لتدريبات مكثفة واكتسبنا خبرة أكبر، مما مكننا من تحقيق المركز الثالث، ومع مرور السنوات، شاركنا في العديد من البطولات، وبدأنا نحصد المراكز الأولى، تنقلت بين عدة فرق نتيجة غياب فريق رسمي يمثلنا ضمن اتحاد الرياضة السوري".

وأوضحت أنه "في نهاية المطاف، قررنا تأسيس فريق خاص بنا يحمل اسم "الهلال"، والذي اخترناه ليكون رمزاً للأمل والطموح، وبدأنا نشاطنا الرسمي عام 2022، في أول مشاركة لنا، حصلنا على المركز الثاني، وفي العام التالي تُوجنا بالمركز الأول على مستوى سوريا".

وتابعت "أما على المستوى الفردي، فقد حصلت على المركز الأول في أربعة دوريات سورية، والمركز الثاني في دوري واحد، وهو ما أعتبره ثمرة سنوات من الجهد والإصرار".

 

رياضة النساء في مواجهة القيود المجتمعية

وسلطت فريال أحمد الضوء على تجربتها في النهوض بالرياضة النسائية "منذ بداياتي في كرة القدم، حظيت بدعم كبير من عائلتي، خاصة والدي الذي كان لاعباً، وكان يشجعني باستمرار ويعبّر عن فخره بي في كل مناسبة، لكن هذا الدعم لم يكن متاحاً لكثير من صديقاتي، فبالرغم من امتلاكهن لمهارات عالية، إلا أنهن واجهن ضغوطاً من أسرهن، إلى جانب العقلية التقليدية التي تهيمن على المجتمع، ما حال دون استمرارهن في ممارسة الرياضة".

وعبرت عن أسفها بالقول "هذا الواقع كان مؤلماً بالنسبة لي، ودفعني في عام 2017 إلى طرح تساؤل مهم، لماذا تُمارس كرة القدم من قبل الفتيات فقط في حدود المدارس والأزقة؟ لماذا لا يكون لهن فرق رسمية ودوريات خاصة؟ من هنا اتخذت موقفاً واضحاً وبدأت رحلتي في دعم وتطوير الرياضة النسائية، أستطيع القول إنني كنت من أوائل من وضعوا الأسس الأولى للرياضة النسائية في كوباني، واليوم، باتت هناك فرق نسائية لكرة القدم، وأخرى لكرة السلة، بالإضافة إلى العديد من المجالات الرياضية التي أصبحت متاحة للفتيات، بعد أن كانت محرّمة عليهن بفعل القيود المجتمعية".

 

كرة القدم حلمٌ يتحقق رغم التحديات

بإصرار لا يعرف التراجع، روت فريال أحمد رحلتها الملهمة في عالم الرياضة، وتوجه دعوة صادقة للفتيات لدخول الميدان وتحقيق أحلامهن "ألعب حالياً مع فريق الأسايش على مستوى إقليم شمال وشرق سوريا، ومع فريق الهلال على مستوى سوريا، كرة القدم بالنسبة لي ليست مجرد مباريات أو بطولات، بل هي شغف وحياة، حتى أنني حين أذهب إلى الجامعة، أحمل الكرة وألعب، فأشعر وكأنني أعيش في عالم آخر، لا يمكنني تخيل حياتي من دونها، فهي جزء لا يتجزأ من شخصيتي".

وختمت حديثها بالقول "أنا فخورة بما أنجزته، وأؤمن أن على المجتمع أن يدعم الفتيات ويمنحهن الفرصة، لا أن يكون عائقاً أمامهن، حان الوقت لتجاوز فكرة أن كرة القدم حكرٌ على الذكور".