سميرة أحمد... قضت حياتها في خدمة قضايا النساء

لم تكمل تعليمها الابتدائي لكن ذلك لم يمنعها من الانخراط في العمل السياسي، والدفاع عن حقوق شعبها والمرأة بعد أن تعرفت على حركة الحرية

نورشان عبدي

كوباني ـ لم تكمل تعليمها الابتدائي لكن ذلك لم يمنعها من الانخراط في العمل السياسي، والدفاع عن حقوق شعبها والمرأة بعد أن تعرفت على حركة الحرية، لتشارك أيضاً بالعديد من النشاطات في المنظمات النسوية وتترك بصمتها كامرأة ثورية ناجحة تسعى لتحرير النساء.

سميرة أحمد هي إدارية في دار المرأة بمقاطعة كوباني بإقليم الفرات في شمال وشرق سوريا، تبلغ من العمر 48 عاماً قضت معظم سنوات حياتها، في خدمة قضايا المرأة. تقول إنها من عشيرة البيجان وولدت في حي كانيا كردان شرقي مدينة كوباني، ولديها أربع أخوات و6 أخوة وهي أصغرهم سناً، مما منحها طفولة سعيدة كفتاة مدللة، لكن التعليم لم يكن من بين المنح التي قدمت لها، حتى أن تأثير العادات والتقاليد منعها من اللعب مع الفتيات عندما كانت لا تزال بعمر العاشرة باعتبار أنها أصبحت شابة ولم يتبقى إلا القليل لتصبح امرأة متزوجة.  

تقول "لطالما أحببت الدراسة لكنني لم أملك القدرة حينها للدفاع عن حقي، بل بدأت بتعلم الأشغال اليدوية من نسج الصوف والتطريز. حولت اهتمامي لهذه الأعمال، وأبدعت في صنعها".  

عندما كان عمرها 15 عاماً فقط تزوجت من ابن عمتها كـ بديلة أو ما يعرف بزواج الشغار، وتحملت مسؤولية منزل بأكمله "كان من حقي التعلم واللعب لكنني وجدت نفسي امرأة متزوجة مسؤولة عن منزل وعلي القيام بأعمال التنظيف والطهو. شعرت بالإرهاق وساءت حالتي النفسية، فالزواج المبكر يقضي بشكل كامل على حياة الفتيات الصغيرات".

إلى جانب ذلك عملت مع زوجها بزراعة الأراضي والبساتين لأكثر من 15 عاماً، لكنها صممت أن تمنح بناتها الحق الذي حرمت منه "التعليم يشكل أساساً لتطور المرأة فعندما تكون المرأة فعالة في المجتمع ولكنها ليست متعلمة فيبقى هنالك نقص دوماً في حياتها".  

 

بداية العمل مع حركة الحرية

تعرفت سميرة أحمد على حركة الحرية عام 1993 عندما كان عمرها 21 عاماً ومنذ ذاك الوقت وحتى اليوم وهي شخصية محبة للفكر الحر وامرأة تدافع عن أرضها وقضايا المرأة بكل إرادة وقوة وإصرار "لم أكن أعرف شيئاً عن حركة الحرية، ماهي أو إلى ماذا تهدف، لكني علمت بأن للكرد وطن وهو كردستان المقسمة. تحدث أعضاء وعضوات الحركة عن الظلم وحرماننا من حقوقنا والتحدث بلغتنا الأم، وهذا ما شكل لدي دافعاً كبيراً للانضمام والعمل من أجل الوصول إلى وطن حر".

محاولات كثيرة واجهتها كل يوم خلال عملها في المجال التنظيمي في عام 1995 من رفض العائلة إلى تضييق النظام السوري على نشاطاتهم، إلا أنها واجهت هذه التحديات بالإصرار على العمل، ومع 6 نساء أخريات بدأت بتعلم اللغة الكردية.

الاعتقال يطال عائلتها

بسبب انخراطها في النضال اعتقل ابنها هارون وهو ما يزال طفلاً، كما اعتقل زوجها عندما كان في مدينة حلب وبقي مصيره مجهولاً لـ 6 أشهر "النظام السوري يعتقل الأطفال والنساء ويمارس أبشع أنواع التعذيب بحقهم لأنهم خرجوا وطالبوا بحقوقهم أو فقط لأنهم احتفلوا بأعيادهم".

 

إحدى عضوات اتحاد ستار

تأسس اتحاد ستار في عام 2005 بشكل سري، وفي ذات العام انضمت إليه سميرة أحمد لتصبح واحدة من سبع نساء في الاتحاد النسائي الأول في مناطق شمال وشرق سوريا، والذي يعبر عن مطالب النساء بشكل جدي. كذلك شاركت في نشاطات المجالس المحلية التي بدأت تعرف طريقها في المنطقة وبشكل سري أيضاً، "كان من الصعب العمل بهذا المجال لأن النساء تخفن من سلطة الرجال، وكان هدفنا حينها الاستماع لقصصهن ومعاناتهن لكي نساهم بتنظيمهن ومساعدتهن، وإضافة إلى ذلك كنا ننظم تدريبات حول المرأة وحقيقتها".

 

من النساء المشاركات في ثورة 29 تموز/يوليو  

أخذت سميرة أحمد مكانها في الثورة التي انطلقت شرارتها من مدينة كوباني نحو شمال وشرق سوريا، عندها بدأ العمل بشكل علني وافتتحت دورات اللغة الكردية دون خوف، ورفعت شعارات تطالب بحرية وحقوق المرأة في الشوارع والساحات، وتأسست العديد من المؤسسات المدنية التي عملت على تنظيم المجتمع وافتتحت دار المرأة إضافة لاتحاد ستار وشكلت الكومينات والمجالس المحلية وعقدت الاجتماعات للأهالي لتوعيتهم وتنظيمهم وحينها رشحت سميرة أحمد من جديد للاستمرار بالعمل في اتحاد ستار.

 

المشاركة في الدفاع عن المدينة  

سميرة أحمد لم تغادر مدينة كوباني عندما شن داعش هجوماً عنيفاً عليها، بل بقيت الى جانب وحدات حماية الشعب ـ المرأة، وساعدت الجرحى وقدمت الطعام للمقاتلين/ت "عاهدت نفسي بألا أغادر مدينة كوباني مهما اشتدت المعارك فيها. برغم أنني لا أستطيع حمل السلاح لكنني لم أخرج من مدينة كوباني، وساندت المقاومة معنوياً، وتعرضنا للاستهداف عندما لجأنا إلى الجوامع. عشنا لحظات لا تنسى فالمقاتلين يحملون رفاقهم الجرحى على أكتافهم لكي يسرعوا بمعالجتهم. كانت لحظات موجعة ولكنها جميلة أشعرتنا بأهمية أرضنا".

بعد تحرير مدينة كوباني من مرتزقة داعش وعودة الأهالي إليها تدريجياً بدأت سميرة أحمد بمساعدة الأهالي وعلى وجه الخصوص النساء اللواتي عانيين كثيراً من ظروف الحرب، وعدن إلى منازلهن التي وجدنها مدمرة بالكامل "من ضمن عملي في المؤسسات النسوية كنت أزور النساء واستمع إلى مشاكلهن وأحاول مساعدتهن".

 

أم لثلاثة شهداء

انضمت أبنة سميرة أحمد جين في عام 2011 لوحدات حماية المرأة، وبعد عاميين من انضمامها وصلت لمرتبة الشهادة في زورمغار الواقعة في الجهة الغربية لكوباني أثناء هجوم جبهة النصرة، وفي خيمة العزاء انضم ابنها هارون لوحدات حماية الشعب ليستشهد في عام 2015، كما أن ابنها عكيد والذي كان عضو في مركز باقي خدو للثقافة والفن استشهد عام 2018 أثناء أداء واجبه في الدفاع الذاتي.

استذكرت سميرة أحمد بعض مقتطفات من ذكرياتها مع أبنائه وعيناها ممتلئتين بالدموع قائلةً "لم أرى جثمان ابنتي، لكنني افتخر باستشهاد أبنائي الذي أفدوا بأرواحهم من أجل تحرير أرضهم".

تسعى سميرة أحمد لتدوين قصة حياتها وحياة أبنائها الشهداء بكتاب يحتوي على حياة عائلة كردية ناضلت وقاومت من أجل الحرية لتبقى قصتها وقصة عائلتها وأبناءها عالقة في ذاكرة أجيال المستقبل.