نموذج للنشاط النسوي في النهضة العربية

لطالما دعت الصحافة النسوية المرأة لتحقيق ذاتها خارج نطاق الأسرة والمساهمة في الحياة العامة، ورأت في العلم والعمل السبيل الأمثل للنهوض بالأمة والسير بها على طريق التقدم والازدهار بعيداً عن التخلف والرجعية.

مركز الأخبار ـ إستير أزهري ناشطة نسوية وصحفية لبنانية من أوائل الداعيات لعمل المرأة خارج المنزل، انتقدت حرمانها من المشاركة السياسية والانتخاب، ردت على الخطابات المعادية للنساء ورفضت الهيمنة الغربية الصاعدة في الشرق الأوسط.

 

الصحافة النسوية في ميدان النهضة

الصحفية النسوية إستير أزهري رأت أن النهوض بالأمة يبدأ من النهوض بواقع المرأة وأن إقصاءها عن الحياة العامة هو في الواقع إحدى أبرز العقبات المعيقة للتقدم في الشرق الأوسط، آمنت بقيم المساواة والعدالة وفصلت بين الانتماء المدني والديني.

ولدت إستير أزهري في العاصمة اللبنانية بيروت عام 1873 أجادت اللغة العربية والفرنسية والإنكليزية حين كانت في الحادية عشرة من عمرها، تتضارب المعلومات عن مصدر شهادتها بين الكلية الأمريكية للبنات ببيروت والكلية البروتستانتية السورية، انخرطت في العمل لنهضة المرأة العربية ومارست دوراً مميزاً في التنوير النسوي العربي، كتبت للصحافة في كل من مدينة القاهرة ويافا وبيروت بالإضافة لعملها في مجال الترجمة.

انضمت إلى أولى الجمعيات النسائية السورية آنذاك وهي "باكورة سوريا" التي شغلت فيها منصب سكرتيرة، كما نشطت في رابطة المرأة اللبنانية ونهضة النساء، لكن ظهر اسمها لأول مرة عام 1893 عندما وصلتها دعوة لحظور المؤتمر النسوي العالمي في شيكاغو مع نساء أخريات من سوريا، ورسالة من رئيسة لجنة مؤتمر الصحافة النسوية أنطوانيت واكان أكدت فيها على اختيار إستير أزهري من بين مئة كاتبة شهيرة  لتكون عضوة للجنة الصحافة النسائية الممثلة عن سوريا في المؤتمر العالمي، إلا أن الحصيلة الصحافية آنذاك أشارت إلى عدم مشاركتها على خلفية مشاركة إحدى النساء المدعوات التي تُعارض عمل المرأة خارج البيت وتدافع عن حرمانها من المشاركة السياسية والانتخاب، وهذه القضايا كانت إستير أزهري شديدة الدفاع عنها في الصحف.

بعد زواجها انتقلت إلى إسطنبول ثم إلى مصر وأسست هناك مجلة "العائلة" مطبوعة نسوية عربية تصدر كل شهرين حتى أغلقت، لاقت المجلة إشادة واسعة احتوت على مقالات عن القضايا المعاصرة وصحة المرأة والموضوعات الأدبية والأخبار العالمية، أدرجت مبادئها في افتتاحية المجلة وهي أن المرأة صاحبة إرادة حرة وضمير حياً وهي مساوية للرجل رغم الخصوصيات الجسمانية للمرأة التي تجعل الرجل يتفوق عليها جسدياً بينما ترجح لها الكفة من حيث دقة الرؤية ورهافة المشاعر، وأكدت لو أن المرأة حصلت على فرصة مساوية للرجل في التعليم فإنها ستضاهيه في كل شيء.

مجلتها بقيت بصمة خالدة في تاريخ الصحافة النسوية العربية على الرغم من أنها لم تستمر طويلاً، دعت إلى المساواة بين المرأة والرجل وعلى رأسها حقها في العمل خارج المنزل حيث أن المطالبة بهذا الحق لم يكن من أولويات الدعوات النسوية آنذاك التي انحصرت في الدعوة إلى تعليم النساء والفتيات لخدمة عوائلهن، كون فكرة عمل المرأة خارج نطاق الأسرة كانت موضع خلاف كبير في ذلك الوقت لم تؤيد هذا الحق سوى الناشطة زينب فواز وهناء كوراني.

أكدت على حق المرأة بالعمل في العديد من المقالات التي نشرتها في مجلة "الحسناء" في بيروت، وأن المرأة جزء لا يتجزأ من الحياة العامة ونجاحها ومساهمتها ضرورة ملحة للنهوض بالأمة وأبعاد المرأة وتهميشها يعد أبرز العقبات الخطيرة التي يمكن أن تواجه مسيرة التقدم الحضاري لأي مجتمع.  

دافعت إستير أزهري عن حق المرأة بالمساواة مع الرجل بكل جرأة في أبرز أعمالها وهي رسالة وجهتها إلى مجلة "الهلال" حملت عنوان "هل يليق بالنساء المطالبة بحقوق الرجال؟" جاءت هذه الرسالة رداً على الطرح المسيء لأحد الأطباء بوضع النساء على قدم المساواة مع الخيول والحمير والكلاب واصفاً تفكيرهن بالمحدود، دافعت في رسالتها بلغة جريئة عن القدرة الفكرية للمرأة وذكرته بجزء بسيط من وابل النجاحات التي حققتها النساء على كافة الأصعدة، وألقت الضوء على سبب تأخر ضلوع النساء في المجال الأكاديمي وأنه لم يكن تقصيراً منهن بل هو "ازدراء الجنس الأقوى منهن" كما هو حال هذا الطبيب، وأن العديد من المثقفات اللواتي لم يتم الاعتراف بهن أو حتى قراءة أعمالهن لديهن مساهمات عظيمة في مشروع النهضة العربية.

وكتبت في تلخيصها للحركة النسوية في رسالتها "أقول إن المرأة التي تنفق بعض التغيير الطفيف على الحبر والورق، وتقضي وقت فراغها في القراءة والكتابة ولا تقتلها بالثرثرة الخاملة، تعرف جيداً كيفية إدارة أسرتها وتربية أطفالها بالاعتدال والاقتصاد والحكمة التي تضمن سعادة أطفالها وثراء حياتها الآخرة".

 

المرأة صحوة الأمة العربية

كانت إستير أزهري شديدة الانتقاد للانسياق وراء الغرب وهيمنته في المنطقة العربية كان ذلك واضحاً في خطابها الذي ألقته في "الكلية الأمريكية للبنات"، ودعت لتمسك العرب والشرقيين بالعادات الإيجابية والخصوصية الحضارية وإتاحة فرص تعليمية للمرأة العربية كتلك المتاحة للمرأة في الغرب، مؤكدة أن تراجع مستوى المرأة التعليمي سيعيق تقدم الشرق الأوسط ويضعفه في صراعه ضد الهيمنة الغربية، وأن المرأة هي الصحوة الصارخة التي ستحفز العرب لإعادة تشكيل الحياة الثقافية والدينية في سبيل العودة إلى الأصالة.

عادت إلى سوريا بعد ثورة الدستور وتجريد السلطان عبد الحميد من سلطاته، وعملت في صحيفة "الأخبار" وأسست جريدة لم تستمر بسبب ظروف الحرب العالمية الأولى التي تم تجنيد زوجها طبيباً عسكرياً فيها ليموت بعد عام من مشاركته، لذلك اضطرت للمغادرة إلى فرنسا واختفت حوالي عقدين من الزمن وعادت إلى مدينة يافا بداية الحرب العالمية الثانية، وماتت قبل النكبة الفلسطينية عام 1948.

لعبت إستير أزهري دوراً كبيراً في النهوض بالصحافة العربية من خلال الصحافة النسوية التي استطاعت تحرير المرأة ووضع بصمتها في مجال تطوير المجتمعات وتحقيق نهضة في العالم العربي، قدمت حياتها وعملها رؤية مستنيرة لشرق أوسط حر منفتح على التعددية ونبذ الكراهية والعنصرية.