نجاة الصغيرة... قيثارة الطرب وصاحبة السكون الصاخب

فنانة مصرية لُقبت بـ قيثارة الطرب وصاحبة السكون الصاخب، هي نجاة محمد حسني البابا المعروفة بـ نجاة الصغيرة، تُعدُّ من أشهر أعلام الموسيقى في الشرق الأوسط

مركز الأخبارـ .
لم تسلم الفنانة نجاة الصغيرة من مروجي الشائعات والأكاذيب، الذين أطلقوا شائعة وفاتها على مواقع التواصل الاجتماعي إثر وقوع حادث في شقتها الواقعة في حي الزمالك في عمارة الشربتلي المتمثل بهبوط أرضي نتيجة تدشين مشروع مترو الأنفاق الجديد في تموز/يوليو عام 2020.
وظهرت بعد طول الغياب في مداخلة هاتفية من تقديم الإعلامي عمرو أديب في برنامج "أصل الحكاية" على فضائية إم بي سي مصر في 4 كانون الثاني/يناير عام 2021، لتطمئن جمهورها ومتابعيها عن حالتها وأوضاعها الصحية.
واجهت الفنانة صعوبة في إيجاد ملحنين للون الكلاسيكي القديم الذي تقدمه في أغانيها، وهذا هو السبب في انقطاعها عن أداء ومواصلة أعمالها الفنية، إضافة إلى أن معظم العازفين والملحنين الذين تتعامل معهم لم يعودوا موجودين.
وتعد أغنية "اطمن" من أخر الأغاني التي قدمتها قبل الاعتزال بشكل نهائي من الفن عام 2003، لرغبتها في الحفاظ على مشوارها وتاريخها الفني، لكنها عدلت عن قرارها وعادت إلى الفن من جديد بداية عام 2017، من خلال طرح أغنية لها بعنوان "كل الكلام"، حيث تعاونت فيها مع كبار الملحنين والمؤلفين لتخرج الأغنية بالشكل الذي تريده. رفضت الفنانة المبلغ المالي الذي دفع لها مقابل تصوير الأغنية بطريقة المشاهدة عبر الفيديو كليب، لأنها أرادت المحافظة على صورتها الفنية لدى محبيها ومتابعيها، واكتفت بتسجيل الصوت.
 
"هدية" أول انطلاقتها السينمائية
وسط عائلة معروفة فنياً بحبهم للموسيقى والطرب في القاهرة نشأت وترعرعت الفنانة نجاة الصغيرة المولودة في 11 آب/أغسطس عام 1938، كان يطلق على العائلة اسم "منزل الفنانين" الذي يجمع الأب السوري المهاجر إلى مصر الخطاط محمد حسني البابا، والملحن الموسيقي الأخ الأكبر عز الدين حسني وعازف آلة التشيلو سامي حسني والفنانة سعاد حسني. 
امتازت نجاة الصغيرة بالفطنة والذكاء، حيث أتقنت فنون الغناء والموسيقى من أخيها عز الدين حسني، بعد أن كلفه والده بهذه المهمة، وبتشجيع من عائلتها بدأت موهبتها الفنية الأولى في سنّ الـ 5 أعوام، حيث غنت في أماكن التجمعات والمناسبات العائلية. ويرجع سبب تسميتها بـ نجاة الصغيرة، نسبة إلى صغر سنها في بداية مشوارها الفني حيث بقي هذا اللقب ملازماً لها طيلة رحلتها الفنية. 
فبعد أن علم والدها بقدرات ابنته وموهبتها، أخذ يتردد بها على المسارح والحفلات، قدمها للمرة الأولى في حفل وزارة المعارف عام 1944، حينها كتب عن إداءها الذي لفت الأنظار، الصحفي المصري فكري أباظة "إنها الصغيرة التي تحتاج إلى رعاية حتى يشتد عودها، وفي حاجة إلى عناية حتى تكبر، وهي محافظة على موهبتها، مبقية على نضارتها".
وشهد عام 1947 أول انطلاقة للفنانة في عالم السينما وهي في سنّ الثامنة، حيث قدمت أول فيلم لها بعنوان "هدية" في كانون الثاني/يناير، وتابعت تدريبها بعد النجاح الذي حققته والشهرة التي نالتها عقب فيلمها الأول، وتوالت أدوارها السينمائية في أفلام "الكل يغني" عام 1947، وفيلم "بنت البلد" عام 1954.
 
علاقاتها الزوجية أعاقت مسيرتها الفنية
كرست نجاة الصغيرة حياتها للعمل في مجال الفن، وأضربت عن الزواج بعد حالات الانفصال المتكررة في حياتها من طليقها الأول كمال منسي عام 1960، التي انفصلت عنه إثر تدخلاته في شؤون عملها ومجالها، وطليقها الثاني المخرج حسام الدين مصطفى التي لم تدم علاقتهما لفترة طويلة، ووجدت أن الارتباط أو الدخول في علاقة زوجية هي إعاقة لمسيرة العمل في أي مجال. 
لها ما يقارب 13 فيلماً سينمائياً على مدار 30 عاماً من الفن تحتوي على أغاني لها، وأشهر الأفلام التي برزت فيها بدور البطولة وحققت نجاح باهر في فيلم "غريبة" عام 1958، وفيلم "الشموع السوداء" عام 1962، وفيلم "شاطئ المرح" عام 1966، وفيلم "ابنتي العزيزة" عام 1971، وفيلم "جفت الدموع" عام 1976.
وبعد فيلمها الأخير "جفت الدموع" قررت الاعتزال من تصوير الأفلام السينمائية والمسرح عام 1976، واكتفت بإحياء حفلات غنائية ضمن مقطوعات موسيقية عديدة.
 
خامة صوت وطاقة تعبيرية مؤثرة
امتازت الفنانة نجاة الصغيرة بخامة صوت فريدة من نوعها، وطاقة تعبيرية مؤثرة في قلوب السامعين، فقد أفقدت صواب الحضور الذين طالبوها بإعادة الأغنية التي غنتها "غني يا كروان" بتاريخ 26 تشرين الأول/أكتوبر عام 1942، ففي البداية لم يبال بها الحضور عندما وقفت في الحفل الإذاعي الذي نظمه النادي الموسيقي الشرقي، ولكن بعد أن تمايلت وصدح صوتها في الحفل استدارت الأعناق لتلفت إليها وتنظر إليها مجدداً، حينها أطلق عليها لقب "خلفية أم كلثوم".
وعقب هذا الحفل الذي أحييته كتب عنها فكري أباظة في مجلة "المصور" المصرية تقريراً بعنوان "مطربة يجب أن تستولي عليها الحكومة" طالب فيه دعم المواهب وتنميتها وبخاصة موهبة نجاة الصغيرة، في وقت لم تكن فيه نقابة المهن الموسيقية المصرية تدعم المواهب وتنميها وبخاصة ما يهم النساء والفتيات.
أُحيطت الفنانة بكوكبة من المستشارين الفنانين والمثقفين أمثال محمد التابعي ومأمون الشناوي وفكري أباظة ومحمود شريف بعد أن خطفت السمع بصوتها وشدة إحساسها، وعدت المرحلة الفنية الغنائية التي غنتها في السنوات العشر الأولى من مسيرتها للمطربة المصرية أم كلثوم الملقبة بكوكبة الشرق هي بمثابة "مرحلة تأهيل وتدريب لصوتها" بحسب قول والدها، وقد حصلت على الإعجاب والتقدير لدى الجمهور والموسيقيين، على الرغم من معاصرتها لفنانات أخريات أمثال الفنانة الجزائرية وردة الجزائرية والفنانة المصرية شادية والفنانتين اللبنانيتين صباح وفيروز والفنانة السورية فايزة أحمد. 
 
"غني يا كروان" الأولى في محطاتها الغنائية
توالت أعمالها الفنية بعد أن حققت نجاحاً وسط الساحة الغنائية، وتعاونت مع الموسيقار محمد عبد الوهاب في لحن الأغنية "كل ده كان ليه" عام 1954، الذي أهداها الكلمات حين وصفها بـ "صاحبة السكون الصاخب وقيثارة الطرب". 
وتابعت ألحان الأغاني التي أدتها مع أفضل الموسيقيين ومنهم محمود شريف الذي لحن لها أغنية "عطشان يا اسمراني" عام 1955، وبليغ حمدي الذي لحن لها أغنية "أنا بستناك" عام 1966، وسيد مكاوي الذي لحن لها أغنية "تفرق كتير" عام 1982، ومحمد الموجي الذي لحن لها أغنية "عيون القلب" عام 1983. 
غنت أكثر من 250 أغنية ومن أبرزها أغنية "غني يا كروان" عام 1942، وهي الأولى في محطاتها الغنائية، كما لها أغاني أخرى نالت شهرة كبيرة في المجال الفني منها أغنية "أما غريبة" عام 1957، وأغنية "أيظن" عام 1960 التي اختيرت كأجمل أغنية عربية لعام 1960، وأغنية "لا تكذبي" عام 1962 وهي من فيلم الشموع السوداء عام 1962، كما أضيف إلى الفيلم أغنية "كل شيء راح"، فضلاً عن أغنية "دوبنا يا حبايبنا" عام 1971 وهي من فيلم ابنتي العزيزة، وأغنية "أنا بعشق البحر" عام 1979.
 
أغانيها الوطنية والعاطفية
سجلت الفنانة نجاة الصغيرة عدة أغاني وطنية تضمنت مناسبات عدة خاصة ببلدها مصر منها مناسبة نهاية العدوان الثلاثي على مصر في أغنية "طير يا حمام على بور سعيد" وأغنية "انتفاضة جيش وشعب" عام 1957، أصدرت أغنية خاصة بحرب أكتوبر وهي "ع البر التاني" عام 1974، فضلاً عن أغنية "حود من هنا" بمناسبة تحويل مجرى النيل خلال فترة بناء السد العالي، وأغنية "حسب الميعاد" بمناسبة إعادة افتتاح قناة السويس عام 1975 بعد حرب أكتوبر، كما أنها سجلت أغنية "أنشودة مصر" بمناسبة اليوبيل الفضي لحرب أكتوبر عام 1998.
وغنت للبلدان الشقيقة، منها العراق في أغنية "الدجلتين" عام 1956، وسلطنة عمان بأغنية "شروق" عام 1980، كما سجلت أغنية "دومى بعزك درة الأمصار" لدولة الكويت عام 1963، وأغنية "ترويضة للسيف الهاشمي" للأردن عام 1985.
كما اختارت الجانب العاطفي لبعض أغانيها التي نالت قبول الجمهور المتابعين لها، منها أغنية "أسهر وأنشغل أنا" عام 1955، وأغنية "وحياتي عندك" عام 1956، وأغنية "وحياة الهوى" من فيلم جفت الدموع عام 1975، وأغنية "الف حب وحب" عام 1966، وأغنية "إلا فراق الأحباب" عام 1994.
 
أوسمة وميدالية ذهبية
أحيت الفنانة عدة حفلات ومهرجانات منها مهرجان قرطاج في تونس، غنت فيه أغنية "لا تنتقد خجلي" في 28 تموز/يوليو عام 2001. 
وحصلت على عدة أوسمة وجوائز تكريماً لها في مجال الطرب والغناء، حيث كُرمت بوسام من الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في مصر، ووسامين من الرئيس الحبيب بورقيبة والرئيس زين العابدين بن علي في تونس في الستينيات، وقدم لها ملك الأردن حسين وسام الاستقلال من الدرجة الأولى عام 1985.
حازت على جائزة الشاعر الإماراتي سلطان بن علي العويس التي حملت عنوان "هؤلاء أسعدوا الناس" قدمت لها في دبي في 18 كانون الأول/ديسمبر عام 2006، وفي العام ذاته حصلت على الميدالية الذهبية بقدر 100 ألف دولار.
تغنت الفنانة نجاة الصغيرة بعدد من أشهر القصائد العاطفية العربية، منها للشاعر السوري نزار قباني وللشاعر المصري كامل الشناوي الذي أطلق عليها لقب "الضوء المسموع".