يازي أحمد... هجمات متكررة ونزوح مستمر

اختارت يازي أحمد وهي من سكان قرية المناجير بريف سري كانيه/رأس العين النزوح إلى الداخل السوري، في جميع المرات التي تعرضت لها قريتهم للهجوم، منذ بداية الحرب السورية

غدير العباس
الحسكة ـ .
خلال العدوان التركي الأخير على شمال وشرق سوريا استهدف المرتزقة المدنيين، قتلوا من قتلوا وهجروا الآلاف، واستهدفوا منازل عوائل الشهداء ووضعوا أسمائهم على لائحة الموت، ومن بينهم يازي وزوجها.
 
"عشنا حياة مشتركة مع المكون الكردي"
ولدت يازي سليمان أحمد (42عاماً) وترعرعت في حي المفتي بمدينة الحسكة، وهي منطقة من مناطق كثيرة في الحسكة يعيش فيها المكونين العربي والكردي، وتربطهم علاقات جوار طيبة، وارتبط بعضهم بعلاقات نسب ومصاهرة "عشنا حياة مشتركة مع المكون الكردي... بيننا روابط قوية واحترام كبير".
في عام 1996 تزوجت يازي أحمد من أحمد عيسى وهو من سكان قرية المناجير، التي تبعد عن سري كانيه/رأس العين حوالي 15كم "تزوجت منذ أكثر من 24 عاماً... كان عمري وقتها 19 عاماً".
انجبت يازي أحمد خمس بنات وولدين، ابنها البكر أسامة استشهد في عام 2017 خلال قيامه بواجبه الوطني للدفاع عن أرضه، خلال المرحلة الأخيرة لحملة غضب الفرات، التي انطلقت في 6تشرين الثاني/نوفمبر2016، لتحرير مدينة الرقة وريفها من سيطرة مرتزقة داعش، وتم تحريرها بالفعل في تشرين الأول/أكتوبر2017.
 
هجمات متكررة ونزوح مستمر
منذ انطلاق شرارة الحرب السورية لم تهدأ أي منطقة في البلاد، وكان لمناطق الشمال والشرق السوري النصيب الأكبر من العدوان، قابلته شعوب المنطقة بمقاومة بطولية.
وكان أن سيطر ما يعرف بالجيش الحر على مدينة سري كانيه/رأس العين في عام 2012 ولأن مشروعهم لم يكن وطنياً وكانوا مرهونين للتركي رفضهم الشعب في شمال وشرق سوريا، واستطاعت وحدات حماية الشعب والمرأة في معارك كر وفر طردهم من المدينة، وفي خضم هذه المعارك لم تغادر يازي أحمد وعائلتها منزلهم.
في نهاية كانون الثاني/يناير 2014 أي بعد أقل من سبعة أشهر على تحرير المناجير من مرتزقة الجيش الحر في 17تموز/يوليو 2013 فجر مرتزقة داعش سيارة مفخخة لإرهاب السكان وبث الرعب في نفوسهم، وكحال جميع أهالي المناجير قررت يازي أحمد وعائلتها ترك المنطقة وتوجهوا نحو بلدة السفح ثم إلى سري كانيه/رأس العين.
عادت يازي أحمد إلى منزلها رغم اندلاع العديد من الاشتباكات بين وحدات حماية الشعب والمرتزقة، وآثرت البقاء فيه مع أن الدخول إلى تركيا كان أسهل من الدخول إلى أي منطقة في سوريا في ذلك الوقت.
لكن مع ازدياد الاشتباكات واستهداف المرتزقة للمدنيين اجبرت العائلة على النزوح عدة مرات، فكان أن نزحت إلى مدينة الحسكة ومكثت فيها شهراً، ثم عادت إلى قرية المناجير، ونزحت العائلة مرة أخرى وتوجهت إلى تل تمر، ثم هجروا للمرة الرابعة وتوجهوا نحو القحطانية إلى شقيقة يازي أحمد ومكثوا عندها نحو أسبوع قبل أن يعودوا إلى منزلهم "كلما تحسن الوضع نعود إلى منزلنا".
 
رحلة النزوح الأخيرة
أدت الهجمات المتكررة على مناطق شمال وشرق سوريا من قبل التنظيمات الإرهابية إلى نزوح الآلاف من سكانها، ليأتي التدخل التركي المباشر بعد فشل تلك الجماعات في تحقيق مشروع مموله وداعمه الاحتلال التركي.
قررت تركيا الدخول بنفسها على خط الأزمة السورية بعد تهديدات متكررة باجتياح المناطق الآمنة تحت ذريعة حماية أمنها القومي، لكن الهدف الحقيقي يكمن في اخضاع شعوب المنطقة، وزع بذور الفتنة والطائفية، وضرب التعايش السلمي فيما بينهم.
وأطلقت تركيا عميلة إرهابية في عصر يوم الأربعاء التاسع من تشرين الأول/أكتوبر2019 باسم نبع السلام مستخدمة مرتزقة الجيش الوطني الحر؛ في محاولة لإضفاء طابع سوري على عمليتها، كما تعاونت في هجومها مع مرتزقة من جبهة النصرة وداعش المصنفين على لوائح الإرهاب الدولي. 
تقول يازي أحمد "تفاجأنا بالعدوان فلم نعلم أين نذهب... بقينا تحت القصف خمسة أيام لكن في النهاية أجبرنا على ترك منزلنا؛ خوفا على ابنائنا... قررنا التوجه نحو مدينة الحسكة". 
لم تقصد يازي أحمد منزل عائلتها في حي المفتي تقول "شقيقي فقير ومعدم ولديه ثلاث عائلات"، عندما انقطعت بهم السبل قررت يازي التوجه نحو مجلس عوائل الشهداء للسؤال عن مكان يأويهم "طلبنا من مؤسسة عوائل الشهداء تأمين مكان لنا".
وساعدتهم المؤسسة في الوصول إلى صالة رشو للأفراح، ومنها تم نقلهم إلى مدرسة محمود نايف في حي تل حجر. 
وكانت قد افتتحت عدة مدارس ومخيمات في مدينة الحسكة لإيواء اللاجئين ريثما ينتهي العدوان، ويتسنى لهم العودة إلى منازلهم، لكن الشتاء زاد من صعوبة أوضاعهم فلا توجد اغطية كافية ولا تدفئة، وتسكن في الغرفة الواحدة أكثر من عائلة، وفي أحسن الأحوال تسكن عائلة واحدة، تصبح لهم هذه الغرفة بمثابة منزل كامل يستخدمونها للنوم والطبخ أيضاً ومع وجود أطفال يمكن أن يشكل ذلك خطراً عليهم.
تسكن يازي أحمد الآن مع عائلتها المؤلفة من ثماني أشخاص في غرفة واحدة تقول "لا توجد منازل للإيجار وحتى إن وجدنا ليس لدينا قدرة على دفع المبالغ الكبيرة التي يطلبها أصحاب المنازل والمكاتب العقارية"، تشير يازي إلى أن اجار المنزل يفوق مرتب زوجها لذلك هم مضطرون للعيش في غرفة "صف" مدرسة.
واستغل بعض ضعاف النفوس من تجار الأزمة ما يمر به النازحين، وبدأت أسعار المنازل أقرب إلى الخيال، وهي صعبة على اصحاب الدخل المحدود فما بالك بالعاملين في الزراعة وتربية الحيوانات، الذين تركوا أرزاقهم وليس لديهم ما يسد رمقهم حتى يدفعوا لمكان يسكنون فيه "أوضاعنا صعبة لكن المنظمات والإدارة الذاتية تساعدنا بتقديم بعض المساعدات... هناك اهتمام كبير بأسر الشهداء يأتي اعضاء من مجلس عوائل الشهداء ويسألوننا عما نحتاجه".
 
مرتزقة تركيا تنتقم من عوائل الشهداء
أصبح النزوح أحد تفاصيل الحياة المتكررة بالنسبة ليازي أحمد وعائلتها، هذا ما دفع ابنها البكر أسامة في عام 2014 للانضمام إلى وحدات حماية الشعب، التي تأسست في شمال وشرق سوريا من أبناء المنطقة للدفاع عن الوطن انضوى فيما بعد تحت راية قوات سوريا الديمقراطية. 
كان هدف ماهر الدفاع عن أرضه وعائلته بعد الظلم الذي لاقوه من المرتزقة، وتشريدهم عن منزلهم لأكثر من مرة، وسرقة ممتلكاتهم انضم إلى وحدات حماية الشعب من دون أن يجبر على ذلك "انضم ابني من تلقاء نفسه وجد أنها قضية شرف وعادلة".
وصلت يازي أحمد أخبار تفيد بأن المرتزقة يستهدفون عوائل الشهداء، ويسرقون ممتلكاتهم، ولم يسلم منزلها من النهب والسرقة، كما عمد المرتزقة على كسر النوافذ وهدموا جدار المنزل، "بعد أن سكنوا فيه عشرة أيام سرقوا مولدة كهرباء (بتر) واسطوانات الغاز والمكيفات وكافة الاغراض الثمينة ورحلوا" تقول "دخلت فرقة ثانية إلى المنزل حطموا الأبواب والنوافذ قالوا هذا بيت ارهابيين".
قال لها بعض من بقي في منزله أن المرتزقة يتوعدونها هي وزوجها بالقتل؛ لأنهم سمحوا لابنهم بالانضمام لوحدات حماية الشعب "قالوا عنا أننا عصابة إرهابية وسنلقي القبض على الأب والأم".
"المرتزقة حاقدون بشكل كبير على العاملين في الإدارة الذاتية من المكون العربي ويستهدفون بشكل خاص عوائل الشهداء" تضيف "لم يعد لدينا شيء لنعود إليه سوى الجدران إن بقيت فالمرتزقة سرقوا كل شيء وهددونا بالقصاص إن عدنا".
ويتلقى المرتزقة أوامرهم من التركي الذي ينصب العداء لوحدات حماية الشعب والمرأة، بعد أن أفشلت هذه القوات مشروعهم الهادف إلى إضعاف سوريا وخاصة مناطق الشمال والشرق، وضرب استقلالها من خلال تدمير المشروع الوطني الذي طبق منذ ثورة 19تموز/يوليو2012، بالمقابل تسعى تركيا لجلب موالين لها "مجرد دمى" تحركهم من أنقرة بما يتوافق مع مصالحها.
"قضيتنا هي قضية كرامة" تؤكد يازي سليمان أحمد على ذلك، ورغم استهدافهم من قبل المرتزقة لكونهم عائلة شهيد تقول ان شعوب شمال وشرق سوريا شعوب مسالمة وانضمام ابنها إلى وحدات حماية الشعب كان للدفاع عن أرضه وكرامته كحال جميع شباب وبنات المنطقة "نحن شعوب مسالمة... دافعنا عن أنفسنا فقط ولم نعتدي على أحد".