طيف التوحد... النظرة المجتمعية تفاقم معاناة الأطفال في المغرب

يواجه أطفال التوحد في المغرب معاناة كبيرة بسبب ارتفاع تكاليف العلاج وصعوبة اندماجهم في المجتمع إسوة بأقرانهم من الأطفال.

حنان حارت

المغرب ـ يكابد أطفال التوحد عزلة اجتماعية ونفسية، وتعاني أسرهم من صعوبة اندماجهم في المجتمع بالإضافة للتكاليف الباهظة التي تتطلبها المراكز للمساهمة في تحسين قدراتهم وسلوكياتهم.

اختارت الشابة المغربية مريم النية أن تسخر جهودها التطوعية للتكفل بالأطفال المصابين بطيف التوحد في حي سيدي البرنوصي بمدينة الدار البيضاء المغربية والأحياء المجاورة لها، فأسست جمعية "شمس للتوحد" في عام 2019.

ونظراً لأن العديد من الأسر تعاني من صعوبات مادية ولأن التعليم حق دستوري، طلبت مريم النية من مندوبية التعليم بحي سيدي البرنوصي منحها قسماً مدمجاً بإحدى المدارس، لاستقبال الأطفال المصابين بطيف التوحد والاستفادة من التأهيل النفسي والاجتماعي، فضلاً عن تدريبهم على مواضيع تقدم للتلاميذ في المدارس.

وعن تأسيس الجمعية تقول مريم النية "جاءت الفكرة بالتنسيق مع إحدى الصديقات، إذ كنا نعمل سوياً كمربيات للأطفال المصابين بطيف التوحد، وقد تزامن تأسيس الجمعية مع انتشار جائحة كورونا وفرض الحجر الصحي لكن بالرغم من ذلك انطلق عملنا وفقاً للشروط الصحية، ولتمكين أمهات وآباء الأطفال المصابين بالتوحد قمنا بحملات توعوية وتحسيسية خلال هذه الفترة التي كان فيها الكل يعيش تحت تأثير العزل".  

وأوضحت أن الجمعية تواجه العديد من الصعوبات فمن أولى العوائق التي تواجه الأطفال المصابين بطيف التوحد والذين يستفيدون من خدمات الجمعية، ينتمون لأسر في وضعيات هشة وليس لديها الإمكانيات المادية لمتابعة علاج أطفالهم، فتكاليف علاج هذا الاضطراب باهظة، ناهيك عن النقص في الأخصائيين في هذا المجال، والعائق الثاني أمام الجمعية هو النقل، حيث هناك أسر ترغب في تسجيل أبنائها بالجمعية لكن لبعد المسافة تضطر العديد من العائلات إلى إبقاء أطفالهم حبيسي المنزل.

وأكدت على أن أطفال التوحد هم فئة من المجتمع تحتاج لرعاية كبيرة، فالطفل المصاب باضطراب التوحد له كامل الحقوق التي يتمتع بها أي طفل، من تعليم وصحة وغيرها من الحقوق الإنسانية "نحن كمجتمع مدني تواجهنا مجموعة من الصعوبات ورغم ذلك نحاول تقديم المساعدة لجميع الأسر بكل الإمكانيات المتاحة، كتنظيم الندوات والورشات التكوينية للآباء والحملات التوعوية وتقديم النصائح لهم".

ولفتت إلى أهمية توعية الأسر بهذا المرض، لأنه من شأن ذلك مساعدتهم على اكتشاف الاضطراب لدى أبنائهم في مراحل مبكرة، مما يعطي نتائج إيجابية ويساعد على إدماج الطفل المصاب في المجتمع.

خديجة مامادي واحدة من الأمهات التي عانت الأمرين جراء إصابة طفلها البالغ من العمر 10 سنوات بمرض طيف التوحد، قامت بالبحث عن جمعيات أو مدارس خاصة من أجل احتضان ابنها ومساعدته على الاندماج في المجتمع، لكنها في كل مرة كانت تصطدم بالتكاليف الباهظة التي تفوق قدرتها، إلى أن قادها البحث لجمعية شمس للتوحد والتي باتت تعمل ككاتبة عامة فيها.

 

 

وعن عدد المصابين بمرض طيف التوحد في المغرب تقول خديجة مامادي "من المشاكل التي تعاني منها الجمعيات هو غياب إحصائيات حول أعداد المصابين بهذا الاضطراب، لكن الواقع يبين أن هناك تزايداً في الحالات".

وترى أن ما يجعل إحصاء عدد المصابين بهذا المرض أمراً صعباً، هو أن العديد من الأسر تتستر على مرض أبنائها، مشيرةً إلى أنه من الصعوبات التي تواجه كل أم لها طفل مريض بطيف التوحد، انطلاقاً من تجربتها ولأن المعاناة تتشابه عندما تكتشف الأم مرض طفلها تنقلب حياتها رأساً على عقب، لأنها عندما تولي اهتمامها للطفل المصاب، فإنها تهمل باقي أبنائها الآخرين فتصبح في حيرة من أمرها، من سترضي ومن سيصبر ومن سيقدر.

وعن كيفية اكتشافها مرض طفلها قالت "خلال مراحل نمو طفلي كنت ألاحظ بعض الاختلافات لم أكن أهتم بها لكن عندما بلغ الثالثة من العمر، أدركت أن طفلي مختلف عن باقي الأطفال في مثل سنه، لم يستطع المشي ولم يكن يتكلم ولا يتجاوب حين المناداة باسمه، فقمنا بعرضه أولاً على طبيب الذي شك بأن طفلي مصاب بطيف التوحد، ومنذ تلك اللحظة بدأت بالذهاب إلى الأطباء الأخصائيين والنفسيين".

ولفتت إلى أن أصعب مشكلة واجهتها عند وصول ابنها لسن الذهاب إلى المدرسة، بحيث لم يتم قبوله في المدارس العمومية وحتى الخاصة "توجهت إلى إحدى المدارس، ففاجأني المدير أنه علي توفير مرافقة لابني، لكن توفير مرافقة لطفل مصاب بالتوحد يتطلب أجرة شهرية، ليس بمقدوري ذلك، فأنا وزوجي بالكاد نعمل من أجل تلبية متطلبات الحياة ومتابعة علاج ابننا".

وفي حديثها عن جمعية شمس للتوحد أوضحت بأن الجمعية فتحت الباب أمام أمهات الأطفال المصابين لتشاركن في أنشطتها عبر مناهج وطرق لرعاية أطفالهن وتوفير الظروف المناسبة لإدماجهم في المجتمع، رغم الصعوبات التي تقف أمام الجمعية.

وإضافة إلى العراقيل التي تواكب تحسين علاج الطفل التوحدي، فإن تعامل المجتمع مع مثل هؤلاء الأطفال تبقى مشكلة مستعصية تؤثر في نفوس الأمهات.

 

 

تقول فاطمة محمد (اسم مستعار) وهي أم لطفلة مصابة بطيف التوحد، عن الإحباطات والانكسارات النفسية العميقة، التي تسببها نظرة المجتمع "أشعر وكأني أدور في حلقة مفرغة صعوبات كثيرة تواجهني أنا وابنتي، وانتظار المواعيد الطويلة قادني في رحلة للبحث عن العلاج أو استصدار الوثائق الخاصة بطفلتي، فأنا أرملة ولدي طفلين آخرين أتحمل كل المسؤوليات الى جانب نظرة المجتمع التي لا ترحم، وهو ما يؤثر على أطفالي نفسياً".

وأضافت "أقسى شيء أوجهه هو عندما أرى ملامح الاستغراب أو السخرية من الآخرين داخل المجتمع حيال سلوك ابنتي التي تتميز بفرط الحركة"، وعن معاناتها بعد اكتشاف إصابة طفلتها تقول "بدأت ألاحظ تأخرها في النطق بخلاف بقية الأطفال في مثل سنها، بالإضافة إلى تكرار بعض الحركات وقلة التجاوب مع النداءات والأوامر وميلها للعب بشكل فردي".

وتبقى الجهود والمبادرات التي تقوم بها المغرب وتوفيرها لبعض الإمكانيات للجمعيات، وإطلاقها للبرنامج الوطني لتأهيل المهني للتكفل بالمصابين بطيف التوحد في 15 شباط/فبراير عام 2019، غير كافية وهو ما يتطلب المزيد من الدعم من أجل إدماج حقيقي لأطفال التوحد بالمجتمع.