تقصير وإهمال... لاجئات فلسطينيات يروين معاناتهن مع الأزمة اللبنانية

حُرموا من العودة إلى أرضهم، إلى منازل أجدادهم وحتى إلى مهن يمكن أن يجدوا فيها طموحاتهم ومستقبلهم. تحولت حياة الفلسطينيين إلى لجوء في مخيمات تفتقر لأدنى مقومات العيش

كارولين بزي
بيروت ـ ، وزاد من حدة الواقع المأساوي، الانهيار الاقتصادي الذي يرزح تحته لبنان، والذي انعكس على جميع المقيمين على الأراضي اللبنانية.
 
"الأزمة اللبنانية قسمت اللاجئين إلى طبقتين... وسطى ومعدومة"
 
تقول حنان سعادة والتي تعمل في جمعية زيتونة للتنمية الاجتماعية عن أبرز معاناة الشعب الفلسطيني في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة في لبنان، "بالنسبة للواقع الذي نعيشه في مخيم عين الحلوة وفي مخيمات اللاجئين عامةً، يمكن أن نعتبر أنه في ظل الأزمة انقسم الناس إلى طبقتين، طبقة وسطى وطبقة معدومة.
لا يمكننا أن ننكر أن ثمة من يتقاضى راتباً بالدولار الأميركي نتيجة المال الذي يصل إلى منظمة التحرير الفلسطينية أو من الأونروا، وبالتالي ارتفاع الأسعار لا يزال مناسباً لمن يتقاضى بالدولار، ولكن النسبة الأكبر لا تتقاضى بالدولار وهذه تعيش معاناة". 
وتضيف "هناك معاناة أخرى فيما يتعلق بالمواد الاستهلاكية، إذ أن التجار يحتكرون البضائع، كما أن هناك قضية إنسانية أكثر أهمية بعد المواد الغذائية وهي غياب الأدوية الذي يهدد حياة الناس بالخطر، إذ لا يمكن لمحتكري الدواء أن يقطعوا الدواء عن مرضى الصرع مثلاً والأمراض العصبية والنفسية، أو حتى احتكار حليب الأطفال... وبالتالي ثمة من يملك المال ولكن لا يجد سبيلاً للوصول إلى الدواء".
مع ارتفاع أسعار السلع حتى الراتب الجيد لم يعد يكفي، وفق ما تؤكد حنان سعادة، "مهما كان راتب المرء جيداً، إلا أن المال لم يعد يكفي، مثلاً عندما ترتفع أجرة التاكسي إلى 25 ألف أو ثلاثين ألفاً، أصبح الأمر يتطلب مني التفكير قبل أن أقدم على هذه الخطوة"، علماً أن مدينة صيدا ملاصقة لمخيم عين الحلوة.  
وتضيف "ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأجبان والألبان، رفع من سعر الفطور اليومي، وبالتالي لم يعد باستطاعتي أن أدعو أحداً إلى منزلي لتناول الفطور، فالتقشف طال حتى وجبة الفطور. مثلاً اللحوم لم تعد موجودة بشكل يومي على مائدتنا، بل نتناولها مرة أو مرتين بالأسبوع في حال استطعنا أن نشتري اللحوم أو الدجاج، زد على ذلك، عدم توفر اللحوم بشكل طبيعي كالسابق بسبب غلاء أسعارها، وحتى في حال توفرت أصبحنا نشتري 200 غرام ونطلبها بخجل".
 
"الحرمان أصبح ظاهرة واقعية"
تغيرت حياة حنان سعادة كمختلف العائلات الفلسطينية في مخيم عين الحلوة، "غيّرنا نمط حياتنا الذي اعتدنا عليه. فيما يتعلق بشراء الملابس مثلاً، كنا نشتري كل أسبوع ملابس نوم ربما أو قطعة ملابس تعجبنا، إلا أن الأسعار التي كنا نشتري بها بحدود 30 ألف ليرة للبيجاما، لم تعد موجودة بل أصبحت الأسعار خيالية". وتسأل "إذا كان لدى المرأة أربعة أطفال وأحد أطفالها تمزق سرواله أو حذاءه كيف ستؤمن له حذاءً أو سروالاً آخر؟!"، هناك تفاصيل كثيرة تتعلق بحياتنا اليومية تغيرت، وحتى أن الحرمان بات يظهر على بعض العائلات".  
يتم الاستعداد حالياً لعام دراسي جديد، وتصرّ وزارة التربية اللبنانية على أن يكون العام الدراسي حضورياً، وتعتبر حنان سعادة أن هذا الأمر كارثي. "الحضور اليومي للمدارس ليس بالأمر السهل، فلنضع موضوع المحروقات والنقل جانباً، فهناك مواضيع هامة أخرى مثل القرطاسية والمصروف اليومي للتلميذ، إذا احتاج التلميذ إلى معلمة خاصة أو زي المدرسة الذي أصبح سعره عالياً جداً، هناك تفاصيل كثيرة ولا أعتقد أن هناك سهولة في الحضور هذا العام".
وتعليقاً على البطاقة التمويلية التي أقرتها الدولة اللبنانية للعائلات الأكثر فقراً، تقول "البطاقة التمويلية لن تطال اللاجئين وحتى بعض الفئات اللبنانية لن تحصل عليها. ولا أنظر إلى الأمر بعنصرية، فالدولة اللبنانية لا تستطيع أن تغطي كل فئات الشعب اللبناني علماً أن نحو 70 بالمئة من اللبنانيين باتوا تحت خط الفقر، وهم يعتمدون الأكثر فقراً ولاسيما تلاميذ المدارس الرسمية. فيما يتعلق بنا كلاجئين الدولة اللبنانية ليست مسؤولة عنا، بل هي مسؤولية منظمة التحرير الفلسطينية والأونروا، اللتين يقع على عاتقهما مسؤولية تأمين بعض احتياجات الحياة في ظل هذه الظروف".  
   
"راتب زوجي لا يكفي لتسديد ديوننا"
 
تقول نادية العوض وهي أم لطفلتين "نعاني من أزمات متعددة، نعيش كل يوم بيومه ولكننا نشعر بالخوف من المستقبل وما يمكن أن تحمله لنا الأيام من أزمات أخرى، لا نستطيع أن نتحمل وطأتها، فنحن نشعر بالتعب والاختناق".
وتضيف "زوجي موظف ويحصل على راتب شهري، ولكن راتبه لا يكفي، فابنتي لوحدها تحتاج شهرياً لنحو 800 ألف ليرة بين علاج فيزيائي ودواء، إذ تخضع للعلاج منذ كان عمرها 12 يوماً وهي تبلغ الآن ثلاث سنوات، بالإضافة إلى الانفاق على الطعام والشراب وغيرها من الحاجات اليومية فما يجنيه زوجي شهرياً لا يكفي لسداد الديون الشهرية، ثم نعود لنستدين من جديد".
وتؤكد أنها لا تتلقى أي مساعدات من أي جهة، ولاسيما في ظل الأزمات على الرغم من أن بعض الجمعيات تقدم مساعدات عينية أو غذائية لبعض الأسر. 
وتبلغ ابنة نادية العوض الثانية خمس سنوات، ولكنها لغاية اليوم لم تقم بتسجيلها بالمدرسة، "لا أعرف إن كنت سأرسلها إلى المدرسة هذا العام، وبالتأكيد سينعكس ذلك سلباً على مستقبلها في حال تغيبت هذا العام ولاسيما أنها في مرحلة تأسيسية ولكن لا أعرف ما هو القرار الصائب الذي سأتخذه".  
 
"الأزمة الاقتصادية دفعت المرأة الفلسطينية إلى سوق العمل"
 
لدى ميرنا ميعاري أربعة أطفال وهي عضو باللجنة النسائية في مخيم عين الحلوة وتعمل في مشروع ولش للقاحات ضد كورونا. تشير إلى أبرز المشاكل التي تعاني منها المرأة الفلسطينية واللاجئين الفلسطينيين بشكل عام وهو فقدان الدواء، "عندما يصاب شخص ما بفيروس كورونا، لا يستطيع تأمين الدواء الذي يساعده على العلاج وحتى أحياناً لا يوجد أماكن في المستشفيات للعلاج".
وعلى الرغم من الأجواء القاتمة، إلا أن ميرنا ميعاري وجدت أن هناك إقبالاً من المرأة على سوق العمل أكثر من ذي قبل، إذ تبحث هي والعديد من النساء عن مهن لمساعدة أزواجهن في ظل الأوضاع الصعبة "أنخرط في أغلب المشاريع ولو كان جزءاً منها تطوعياً، أحاول أن التحق بها لكي أوفر حتى لو جزء بسيط من المواد الغذائية لأساعد زوجي ولأؤدي واجباتي تجاه أولادي، فعلى أبواب العام الدراسي، أكثر ما يشغل بالنا هو كيف سنؤمن قرطاسية وكتب وحتى أجرة الطريق لأولادنا الذين يدرسون خارج المخيم في الجامعات أو المعاهد".
تغيرت أولويات الناس في لبنان وتبدلت وهو الأمر الذي ينطبق على ميرنا ميعاري وعائلتها، إذ أن الأطباق التي كانت تعتمدها على مائدتها وتشتريها متى شاءت، أصبحت صعبة المنال بمعظمها.
وتوضح "الدجاج واللحوم أصبحت باهظة الثمن، وبالتالي لم نعد نتناولها بشكل يومي. نفكر كثيراً قبل أن نشتري ما نريده وإن كان المال الذي بحوزتنا يكفي، وهذا الأمر يؤثر على الأولاد وعلى الرفاهية أيضاً التي لم تعد موجودة في الوقت الحالي".
فيما يتعلق بأزمة الدواء، تقول "حتى لو امتلكنا المال لا نستطيع أن نجد الدواء، فكل دواء نريد أن نشتريه نقوم بجولة حول الصيدليات في مختلف المناطق للحصول عليه إن وجد".
لا تعتب ميرنا ميعاري على الدولة اللبنانية لعدم تأمينها البطاقة التمويلية للاجئين الفلسطينيين، مشيرةً إلى أهمية دور المنظمات الدولية مثل الأونروا وغيرها التي من المفترض أن تتحمل مسؤولية توفير بطاقة التغذية وحتى الأدوية للاجئين.
 
"تحوّلت الأساسيات إلى كماليات"  
 
تصف فاطمة أسعد وهي أم لستة أطفال الأزمة الاقتصادية التي نعيشها في لبنان ويعيشها اللاجئون الفلسطينيون في مخيم عين الحلوة ومختلف المخيمات بالحرب "نحن نخوض حرباً صعبة جداً من مختلف النواحي". 
وتستهل فاطمة أسعد كلامها بمطالبة الأونروا بتحمل مسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني وتوفير ما يحتاجونه، كما تتناول دور الفصائل الفلسطينية "أين هي الفصائل الفلسطينية من معاناة شعبهم؟ نحن لا نرى غير هتافات رنانة واجتماعات وصور على مواقع التواصل الاجتماعي... نحن كشعب فلسطيني عانينا كثيراً وصبرنا ونتحمل وهذا الأمر ليس جديداً علينا، ولكن بالمقابل نشهد تجاهلاً من قبل الفصائل الفلسطينية والأونروا والتنظيمات جميعها وحتى اللجان الفلسطينية كلها مقصرة بحقنا كشعب فلسطيني، حتى الطفل أصبح اليوم يحارب لأنه لا يجد الحليب والحفاضات التي يحتكرها تجار السوق السوداء".
وتضيف "كل شيء تغيّر بحياتنا بشكل جذري، ولكن ذلك لا يعني أنه ليس هناك تفاوت كبير بين الطبقات، فالتابعون للتنظيمات الفلسطينية يتقاضون رواتبهم بالدولار، ولكن هناك فئة لا تتبع أحد وهذه الفئة هي أكثر من يعاني، ولا تستطيع أن تؤمن قوت يومها. وبالتالي لا يمكننا أن نقول بأن كل الناس تعاني من الصعوبات وكذلك لا يمكننا أن ندّعي بأن الجميع يعيش حياة رفاهية. فالوضع اختلف كثيراً مع اختلاف العملة التي يتقاضاها كل فرد".
تغيرت حياة فاطمة أسعد كثيراً وتحولت فيها الأساسيات إلى كماليات، "أصبحت الأساسيات بالنسبة لنا كماليات، لم نعد نستطيع الحصول على أبسط حقوقنا. مثلاً العائلة المتوسطة الدخل وحتى المعدومة كانت تتناول ثلاث وجبات في اليوم، اليوم أصبحت تعتمد وجبة واحدة في اليوم، كنا نشتري فواكه ولكن اليوم أسعار الفواكه عالية جداً".
تعتبر فاطمة أسعد أن هاجسها اليوم هو العودة إلى المدارس، وتقول "إلى جانب القرطاسية والكتب والتزامات الطالب، هناك مشكلة المواصلات ولاسيما إذا كان الطفل يدرس خارج المخيم. كما أننا مقبلون على فصل الشتاء الذي يتطلب منا تأمين وسائل تدفئة وبطانيات وأغطية ومونة وكل هذه الأمور من الصعب توفيرها".
يعاني زوج فاطمة أسعد من مشاكل صحية، كما أنها لا تستطيع أن تجد عملاً لتساعد به عائلتها لأنها لم تحصّل على مستوى دراسي جامعي، لذلك تجد صعوبة في إيجاد عمل.