حرمان الشابات من التعليم الإعلامي... التمييز الممنهج تحت غطاء نقص البنية التحتية
يمثل حرمان النساء من دراسة الإعلام جزءاً من سلسلة سياسات تمييزية تعاني منها النساء في إدلب، يتطلب مواجهة هذا التحدي جهوداً مجتمعية للتأكيد على أهمية التعليم المتساوي، والمطالبة بإتاحة المجال أمام الفتيات لتحقيق أحلامهن وتحسين واقعهن.
هديل العمر
إدلب ـ رغم تصاعد الدعوات العالمية لتمكين المرأة وضمان حقها في التعليم، تعاني النساء في إدلب الواقعة في الشمال السوري من تمييز منهجي يتجاوز حدود الحياة الاجتماعية والسياسية ليطال المجالات الأكاديمية أيضاً، وإحدى أبرز الحالات هي حرمان الفتيات من دراسة الإعلام بحجة عدم توفر البنية التحتية اللازمة لتخصيص قسم منفصل للإناث.
أصبح من المعتاد سماع تبريرات تتعلق بـ "العادات والتقاليد" أو "الاعتبارات الأمنية" لحرمان النساء من حقوقهن الأساسية، أحدث هذه السياسات تتمثل في منع الفتيات من التسجيل في قسم الإعلام، الذي يعدّ من أكثر المجالات حاجةً للنساء لتسليط الضوء على قضاياهن ونقل أصواتهن.
وللتبرير، أعلنت الجهات المسؤولة أن قرار منع النساء والفتيات من دخول قسم الإعلام يعود لعدم وجود بنية تحتية كافية تفصل بين الجنسين، بما يتوافق مع المعايير التي فرضتها السلطات الحاكمة.
وتقول أميرة زيدان وهي طالبة كانت تطمح لدراسة الإعلام في إحدى الجامعات بإدلب "كان حلمي أن أصبح صحفية لأوثق معاناة النساء هنا، وأنقل صورة حياتنا للعالم، عندما تقدمت للتسجيل، أخبروني أن القسم غير متاح للفتيات بسبب عدم توفر بنية تحتية مخصصة، هذا القرار ليس فقط ظلماً بل أيضاً إقصاءً لصوت المرأة عن أهم وسيلة للتعبير".
وأضافت "الإعلام هو المجال الذي تستطيع المرأة من خلاله كسر القيود المجتمعية والسياسية، لذلك يُعتبر تهديداً لأي نظام يريد السيطرة المطلقة بحجة البنية التحتية وهي جزء من سياسة تهدف لحرمان المرأة من أدوات القوة والتأثير".
أما ريم الباكير البالغة من العمر 21 عاماً، تقول "نحن بحاجة لدخول هذا المجال، فالإعلام لا يمكن أن يكون فعالاً أو شاملاً إذا اقتصر على الرجال فقط، هناك قصص كثيرة لا يمكن أن تنقلها سوى النساء، وخاصة تلك التي تخص المجتمع النسائي في إدلب، فغياب الأكاديميات الإعلاميات يخلق فجوة كبيرة في تغطية الحقائق".
وأشارت إلى أن "حرمان النساء من دراسة الإعلام يعني حرمان المجتمع من نصف أصواته، المرأة قادرة على تقديم زوايا مختلفة للأحداث وتوثيق قضايا لا يستطيع الرجل الوصول إليها بسهولة، خاصة في المجتمعات المحافظة، هذا القرار لا يؤثر فقط على النساء بل يضعف الحراك الإعلامي بأكمله".
وأوضحت أن "الذريعة التي يقدمها المعنيين حول نقص البنية التحتية غير مبررة، الجامعات في إدلب تفتقر للكثير من الإمكانيات، ومع ذلك يتم تجاوز هذا النقص في مجالات أخرى، لكن عند الحديث عن تعليم المرأة، تصبح العقبات أكثر تعقيداً لأنها تتعلق بأيديولوجيا الجهات المسيطرة وليس بالبنية التحتية فقط".
من جانبها عبرت رغد الصغير وهي طالبة في قسم اللغة العربية بجامعة إدلب عن استيائها وقالت "هذا القرار يعكس التمييز الممنهج ضدنا كنساء، إذا كانت الجامعات غير قادرة على توفير حقوقنا، فأين يمكن أن نلجأ؟، حرماننا من الإعلام هو حرماننا من منصة للتعبير عن مشاكلنا وإيصال رسالتنا".
كانت تحلم رغد الصغير بأن تصبح صحفية وتسلط الضوء على معاناة النساء والأطفال، ولكن عندما منعتها الجامعة، شعرت أن مستقبلها يُسلب منها بسبب قرارات غير عادلة، وقررت دخول قسم اللغة العربية رغم عدم قناعتها به لعدم توفر المجال لدراسة الفرع الذي تحبه.
وترى أن قرار منع النساء من دراسة الإعلام هو امتداد للسياسات التمييزية في المنطقة ونمط واضح من تقييد النساء وحرمانهن من المشاركة في الحياة العامة، هذا التمييز ليس عشوائياً، بل هو سياسة موجهة تهدف إلى إبقاء المرأة في دائرة مغلقة من التهميش.
وتابعت أن "حرمان الفتاة من تحقيق طموحها يسبب لها شعوراً بالإحباط وفقدان الثقة بالنفس، فالقرارات التمييزية ضد النساء تساهم في ترسيخ الشعور بالدونية وتعزز فجوة التمييز بين الجنسين".
وبينت أن "المسألة ليست فقط نقصاً في الموارد، بل هي انعكاس لاعتبار المرأة كطرف ثانوي، وسبق أن اقترحنا حلولاً مثل تقاسم المباني أو تخصيص ساعات محددة للنساء، لكن لم يتم النظر في هذه الاقتراحات بجدية، هناك فرص لتعلم الصحافة خارج المنطقة، لكن التحدي يكمن في جعل تعليم الإعلام متاحاً للجميع داخل إدلب، لأن هذا حقنا الطبيعي".