تجنيد الأطفال... انتهاكات ممنهجة بحق الطفولة
شجّع الفشل الدولي بحماية المدنيين في الشمال السوري، الفصائل المعارضة على ارتكابها انتهاكات ممنهجة للقانون الدولي، وعلى رأس تلك الانتهاكات تجنيد الأطفال مستغلين حالة الحرب والنزوح والفقر الشديد.
لينا الخطيب
إدلب ـ نال أطفال إدلب نصيبهم من مآسي الحرب، في ظل سيطرة الفصائل المعارضة المدعومة من قبل تركيا على المنطقة، فالأوضاع المأساوية دفعتهم لحمل السلاح والتوجه للقتال في الصفوف الأمامية للجبهات، وأمسكوا البنادق والرشاشات عوضاً عن الكتب والأقلام، ما حرمهم من جميع حقوقهم ورمي بهم في أتون الحرب.
أطلق فصيل "هيئة تحرير الشام" حملات عدة استهدفت الأطفال، لزرع فكرة الانضمام إلى صفوف قواتها، والخضوع إلى دورات التأهيل العسكري، بالإضافة إلى إنشاء مراكز دعوية في مختلف المناطق، فضلاً عن الملصقات والعبارات التي تملأ شوارع المدن والبلدات التي تدعو إلى الانتساب لهم، والقتال بين صفوفهم.
وأجبرت ظروف الفقر والغلاء وتراجع التعليم آلاف الأطفال في إدلب على الالتحاق بصفوف الهيئة وفصائل مسلحة أخرى بحثاً عن مصادر رزق يساعدهم في الإنفاق على أنفسهم وأهلهم الذين يقطنون في مخيمات نزوح تخلو من مقومات الحياة، فباتوا صيداً سهلاً للفصائل المسلحة التي تستخدمهم لأغراض خوض الحرب، وتنفيذ مهمات الحراسة والقتال في الصفوف الأمامية مقابل منحهم رواتب متدنية.
بعد وفاة والده قرر الطفل سليم الخلوف (14) عاماً التجند في صفوف ما تسمى بـ "هيئة تحرير الشام" بهدف مساعدة عائلته بالراتب الذي يحصل عليه شهرياً رغم قلته.
وأكد أن ظروفه الصعبة والفقر وقلة فرص العمل دفعته لهذا العمل الخطير "كانت أمي تتألم أمام عيني دون أن أتمكن من فعل أي شيء، لذا قررت ترك الدراسة بدافع العمل لمساعدتها في تأمين الأدوية للعلاج من مرضها بالسرطان".
وأوضح أن والده تعرض لجلطة دماغية أدت إلى وفاته منذ عام 2021، وكونه الأبن الأكبر فقد وقع على عاتقه تحمل مسؤولية الإنفاق على أخوته الثلاثة.
فالمهام التي يؤديها الصغار فلا تقل خطورة عن الكبار، وعن المسؤوليات الملقاة على عاتقه ضمن الفصيل وحول ذلك قال "أرابط على جبهات القتال، ونقاط التماس مع قوات حكومة دمشق، فيما يقوم عدد من رفاقي بحراسة الحواجز الأمنية داخل مدن وبلدات إدلب".
الطفل سليم الخلوف هو أحد الأطفال الذين تم استغلال فقرهم في إدلب للقيام بتجنيدهم في صفوف فصائل المعارضة رغم المخاطر التي يكونون عرضة لها، بهدف كسب المال ومساعدة أسرهم المعدومة في تأمين احتياجاتها في ظل الفقر والغلاء والنزوح.
الطفل عبد الحميد البكار (15) عاماً النازح من ريف سراقب إلى مخيم عشوائي في مدينة سرمدا بريف إدلب الشمالي، تعرض لإصابة تسببت بعجزه بعد التحاقه بصفوف الفصائل، وعن ذلك تتحدث والدته زينب العلاوي(45) عاماً قائلة "كان ولدي مفعماً بالنشاط والحيوية ومقبلاً على الحياة، وفي ظل أوضاعنا المعيشية الصعبة، أراد مساعدة والده في تأمين مصروف الأسرة، فقام بالتجند كما فعل معظم رفاقه، لكنه تعرض لشظية قذيفة أثناء وجوده على إحدى الجبهات، أدت لبتر قدمه وفقدان البصر بعينه اليسرى".
وعن مدى حزنها على مصير ولدها تضيف والدموع في عينيها "لايزال الأطفال بمثل عمره يتابعون تعليمهم ويرسمون لمستقبلهم، في حين أصبح ولدي عاجزاً، فأبنها فقد الأمل بالحياة، حيث تغير كثيراً بعد إصابته، وأصبح يعيش حالة صدمة وذهول منعزلاً عن محيطه".
أما عائشة الجمول (43) عاماً من مدينة معرة مصرين شمالي إدلب فهي ليست راضية عن تجنيد أبنها الذي لم يطلب موافقتها أساساً، وعن ذلك قالت "بعد اعتقال زوجي، أصبح ولدي البالغ من العمر 16 عاماً أملي الوحيد في هذه الحياة، لكنني تفاجأت ذات يوم بغيابه عن المنزل، وبعد فترة علمت أنه تجند للقتال ضمن صفوف الفصائل".
وأكدت أنها عارضت الأمر، وحاولت جاهدة أن تمنع أبنها ليعدل عن قراره لكن دون فائدة "كنت أتمنى أن يتابع تعليمه ليصبح ممرضاً يساعد الآخرين، ولكنه خيب جميع آمالي، بعد أن قامت تلك الجماعات بتوجيه عقول الأطفال إلى القتال من خلال إخضاعهم لدورات شرعية تجعلهم يعشقون الموت ويكرهون الحياة، وزرعت العنف في رؤوسهم، وبذلك أصبح من المستحيل نزعه".
من جانبها أوضحت المرشدة الاجتماعية جميلة المرعي (32) عاماً من مدينة إدلب، أثر حمل السلاح على الأطفال "يضطر عدد من الأطفال في إدلب لترك مقاعد الدراسة والتوجه نحو التجنيد في صفوف الفصائل، بهدف إعالة أسرهم أو المساهمة في توفير ضرورات العيش المختلفة، بسبب ظروف النزوح المتكرر والفقر الشديد الذي خلفته الحرب، إضافة لفقدان الكثير من الأسر لمعيلها الأساسي، وتراجع فرص التعليم".
ولفتت إلى أن ظروف الحرب، وغياب الدور الرقابي في سوق العمل، ساهم في زيادة أعداد الأسر التي تشغل أطفالها لتأمين احتياجات أساسية، إضافة إلى نشاطات أكثر خطورة مثل تجنيد الأطفال وإشراكهم في النزاعات العسكرية.
وأكدت أن عدد كبير من الأطفال يتعرضون للقتل أو لإصابات جسيمة خلال حملهم للسلاح ومشاركتهم في القتال.
ودعت إلى توعية الأهالي بأهمية التعليم بالنسبة للأطفال، وتوفير بيئة صحية واجتماعية آمنة للأطفال الذين يعيشون وسط ظروف صعبة.