صحافيات من ليبيا يروينَّ حكايات الوجه الآخر للعمل الميداني

تعيش العاملات في المجال الصحفي اللواتي يجمعهنَّ الشغف بالمهنة تحديات كبيرة وخاصة أولئك اللاتي يعملنَّ في الميدان

ابتسام اغفير
بنغازي ـ ، لكل واحدة منهنَّ تجربتها الخاصة التي شاركتنا بها، والبدايةً ستكون من تجربتي أنا ابتسام اغفير.
أنا التي تشبعت بتجربة العمل الميداني، لم يفارقني شعور الخوف أبداً، ففي أول مرة بعد الحرب نزلت بكل قوتي إلى الشارع، تحديداً إلى منطقة وسط البلاد التي كانت آخر المعاقل التي تحصن فيها مرتزقة داعش بمدينة بنغازي الليبية. شهدت المنطقة معارك شرسة دامت لأكثر من عام فقدت خلالها المدينة جيل من الشباب، وجزء كبيراً من تاريخها الأثري المتمثل في المباني والشوارع القديمة.
كانت جولتي في المدينة المليئة بالأشباح والرهبة تحمل الكثير من الخوف والفضول، انتقل من شارع إلى آخر، ومن زقاق إلى آخر، شوارع المدينة المهجورة والمخيفة، والمليئة بالألغام ومخلفات الحرب، لم تشجع الكثير على دخولها.
بعد جولة دامت لأكثر من ساعتين وصلت خلالها لآخر شارع رئيسي وبدأتُ التقط الصور، ولكن فجأة يتوقف مجموعة من الشباب بسيارتهم بجانبي، وبدأوا يقولون أنت داعشية تعملين لصالح قنوات الدواعش! تلك الكلمات افزعتني جداً، فتهمة الانتماء لمرتزقة داعش ليست هينة أبداً، ابتعدت عنهم، ولكنهم ظلوا يلاحقونني كان الأمر مخيفاً، وظننت إنني لن أصل أبداً إلى سيارتي التي ركنتها قريباً، نزل أحدهم وتوجه إلي، وقال: أعطنا الكاميرا، لكني رفضت ومشيت بخطوات متراجعة إلى أن وصلت السيارة، تقدم نحوي ولكن سرعتي في ركوب السيارة وتشغيلها والانطلاق بها كانت عجيبة فكما يقول المثل "الخوف يدير العجايب".
بأقصى سرعتي قدت السيارة إلى أن وصلت إلى مكان يعج بالسيارات، وتواريت بينها وعدتُ أدراجي إلى البيت، لم تكن هذه التجربة هينة ابداً، ولكن مع ذلك لم أتوقف عن النزول للشارع، وفي كل مرة تحدث أمور لم أكن أتوقعها.
أنا التي تشبعت بتجربة العمل الميداني، لم يفارقني شعور الخوف للحظة من تلك الحادثة، فما بالك الصحافيات الجدد اللاتي لم يجربنَّ هذا النوع من العمل من قبل، أو الصحافيات المتمرسات اللاتي توقفنَّ عن العمل الميداني، حاولتُ سبر آرائهنَّ بعرض تجربتهنَّ في العمل الصحفي في ليبيا قبل وبعد الحرب.
 
"عشرون عاما أفلتت من قبضة عمري مع شغف جميل"
هكذا قالت الصحفية بمؤسسة دعم وتشجيع الصحافة حنان علي كابو عندما سألتها عن تجربتها في العمل الصحفي وتضيف: منذ أن تخرجت حاملة ليسانس شعبة صحافة، بدأت في إجراءات العمل أحلم بممارسة حلمي وطموحي وتطلعاتي، تحصلت على فرصة تدريب لمدة عام في المؤسسة العامة للصحافة فرع بنغازي، وتنقلت بين الصحف الفجر الجديد، الشمس، الجماهيرية، كل الفنون، أخبار بنغازي، كنت متعطشة جداً للعمل الصحفي ومن يروي ظمأي وشغفي آنذاك؟
 
المحك الحقيقي للعمل الصحفي
وجدت المساعدة والاستشارة من جميع زميلاتي الحقيقة لم تبخل أي منهنَّ بمساعدتي وتوجيهي، بيد أن فرق شاسع بين ما تعلمناه على مقاعد الدراسة، وما بين العمل الميداني المحك الحقيقي، صعدت سلم العمل الصحفي درجة، درجة، وجدت نفسي فيه، بقدر التعب الذي يلازمك ولكنه تعب لذيذ.
كانت أسرتي الداعم الحقيقي، أبي الذي يقلني بسيارته ويزودني بالصحف والمجلات لأقرأ وأتعلم وأكتسب خبرات جديدة، أمي التي تساندني بدعواتها وسد غيابي عن البيت والواجبات التي كان من واجبي تأديتها.
 
نظرة المجتمع الضيقة
ولكن ظلت النظرة الضيقة للمجتمع للصحافيات ترافقنا كظلنا، نظرة مختلطة بعدم الفهم بأهمية الرسالة السامية التي نشعلها ونظهرها، بأهمية القراءة والوعي الفكري العميق، انخرطت في العمل الصحفي بكل أنواعه ندوات، تغطيات، مهرجانات، ولكن ثمة معضلة تقف أمامنا غياب التخصص في العمل الصحفي، أعتبره مهم جداً في نجاح الصحفي والصحيفة أيضاً للقفز بها إلى مصاف الصحف الجيدة، ولتميزها. 
تطور العالم كثيراً، ودخلت أساليب حديثة إلى الصحافة الإلكترونية ولكن للأسف أغلب الصحف لاتزال تعمل بآلية قديمة، وهذا يضعف المطبوعة في نظري، ولن تجد متلقي، خاصة وأن المنافسة أصبحت قوية بظهور الأنترنت الذي جعل العالم قرية صغيرة جداً بنقرة واحدة، يحتاج الصحفي مواكبة تطورات العالم من خلال ورش عمل ودورات مستمرة، يحتاج أيضاً للقراءة التي تجعل خياله خصباً، وأسلوبه أكثر رشاقة وحنكة، الصحافة شغف حقيقي لمن أحبها بصدق واجتهد من أجل أن يتميز ويعطي دون أي مقابل.
 
"وجدت نفسي في شارع مكشوف، وشعرت بخوف لامتناهي"
الصحفية بوكالة الأنباء الليبية فاطمة الورفلي تقول: لم أقم بتغطية الكثير من الأحداث الصحفية في الشارع، كانت لي تجربة وحيدة أثناء تغطية صحفية لإلقاء بيان لمجموعة من المعلمين المعتصمين، والذي تم في ساحة عامة، لم أشعر بالراحة كون وسيلة المواصلات الخاصة بي أوصلتني وذهبت فوجدت نفسي آخر المغادرين لمكان مكشوف في الشارع، وشعرت لحظتها بالخوف من التعرض لأي موقف، فقررت الامتناع عن الذهاب لأي مكان عام واكتفيت بالتغطية الميدانية للأحداث التي تقام داخل مؤسسات معينة أو قاعات أو مستشفيات.
وتضيف فاطمة الورفلي عن غياب الدعم للصحافيات: إن القوة التي أستطيع الاعتماد عليها أثناء النزول للشارع، هو مدى قوة ونفوذ جهة العمل التي أنتمي إليها ومدى الأمان الذي سيوفرونه لي في حال تعرضي لأي عرقلة كانت.
 
"قد نتعرض للمضايقة من عناصر الأمن"
الصحفية بصحيفة صدى الاقتصادية من مدينة طرابلس أمل الزادم تروي تجربتها في العمل الصحفي قائلةً: بدأت العمل في الصحافة منذ عامين ومن أكثر الصعوبات التي واجهتني هي استغراب الناس وسخريتهم مني لأنني أعمل في صحيفة ورقية، فيقولون هل توجد صحافة في ليبيا أساساً، وهل توجد صحف؟ 
أيضاً أشعر بإهانتهم لي من خلال تقليلهم من أهمية عملي، والجهات التي نقوم بالعمل لصالحها لم توفر لنا الإمكانيات التي نعمل بها مما يضطرنا لتطويع معداتنا خاصة "الموبايل" لعملنا الصحفي.
وتضيف أمل الزادم بأن من أكثر الأشياء التي تزعجها هي التعرض للتهديد والمضايقة من قبل عناصر الأمن "خاصة وأننا نساء وليست لدينا واسطة". 
 
"تم إخراجي بالقوة أثناء عملي الصحفي"
الصحفية آية آغا تقول: عملت في مجال المراسلة الصحفية، وكان العمل في إحدى وكالات الأنباء المحلية، أتذكر أنه تم تكليفي بتغطية الانتخابات المحلية التي حدثت في بنغازي عام 2012، اتجهت الى أحد مراكز الاقتراع، وبمجرد دخولي للمركز وبعد أخذ الإذن من أحد المراقبين بدأت في أخذ الآراء من النساء اللاتي كنَّ يقمنَّ بالإدلاء بأصواتهنَّ، تمت مهاجمتي من أحد العاملين بالمركز، ومُنعتُ من استكمال الاستطلاع وتم إخراجي بالقوة من المركز، منذ ذلك الحين أصبحت أكثر تحفظ في عملي الميداني.  
وعن دور نقابة الصحفيين في حماية الصحافيين والصحفيات والدفاع عنهم وعنهنَّ يقول نائب اللجنة التأسيسية للنقابة الوطنية للصحافيين الليبيين الصحفي فاتح علي مناع: في الواقع لا يوجد أي ضامن لحماية الصحافيين أثناء عملهم الميداني، ويتوقف دور النقابات على المخاطبات والتواصل مع الجهات الأمنية في حال تعرض الصحفي للحجز أو للاعتداء وغيره مما قد يواجهه من مواقف عدة.
أيضاً توجه النقابة إلى أهمية التزام الصحافيين بمعايير السلامة المهنية، وأخذ الحيطة والحذر وعدم المجازفة، والالتزام بالانتساب رسمياً إلى النقابة وارتداء بطاقة المؤسسة الصحفية التي يعمل لديها، في ليبيا الأوضاع جد مربكة، ويوجد تعليمات بعدم التقاط الصور إلا بموافقة أمنية، وهو إجراء تجده النقابة في ظل الأوضاع الحالية إجراء سليم ويجب على الصحافيين ومراسلي القنوات أخذ الاذونات من جهات الاختصاص، تجنباً للوقوع في المحظور.
وحول وجود أي بنود للحماية والدعم تخص الصحافيات دون الرجال يقول مناع:
إن ما تنص عليه مهام النقابة وأهدافها، هي عامة تخص كلا الجنسين ولا يوجد تمييز بينهما.