رغم سلبياتها الكبيرة ظاهرة زواج القاصرات تزداد في إدلب

لعبت الحرب السورية دوراً كبيراً في زيادة انتشار ظاهرة زواج القاصرات، وبدلاً من أن تقضي الفتيات طفولتهنَّ على مقاعد الدراسة يجدنَّ أنفسهنَّ بين ليلة وضحاها زوجات وأمهات

سهير الإدلبي  
إدلب ـ ، تقع على عاتقهنَّ مسؤوليات تفوق أعمارهنَّ وطاقة أجسادهنَّ الصغيرة على التحمل. 
 
لم يعد يفيد والدة راما فؤاد الندم بعد أن أيقنت أنها دمرت حياة ابنتها بتزويجها وهي صغيرة؛ لتتخلص من أعباءها ومصاريفها من جهة وظنها أن الزواج يؤمن لها الحماية في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها من جهة أخرى، غير أن النتائج جاءت عكسية وسرعان ما عادت راما إلى بيت أهلها مطلقة وحامل في شهرها الثامن.  
 
تقول والدة راما فؤاد وعلامات الندم بادية عليها "كنت أخال نفسي مصيبة في قراري بتزويج ابنتي، علّني أؤمنُ لها الاستقرار والأمان في كنف زوج يسعدها ويحميها في الوقت الذي نعاني فيه من النزوح، بعد رحيلنا من قريتنا حاس في كفر نبل والعيش في مخيمات سرمدا العشوائية التي لا تقي حر صيف ولا برد شتاء" وتؤكد أنها أخطأت التقدير وقضت على مستقبل ابنتها بهذا الزواج الفاشل الذي لم تجني منه ابنتها سوى القهر والألم. 
 
تزوجت راما فؤاد قبل عامين وكان عمرها آنذاك (١٣عاماً)، وعانت من طباع زوجها العصبي طيلة فترة زواجهما، أسكنها مع عائلته وراح يذلها ويهينها ويعاملها كخادمة كما تقول، ولم يكن يتوانى عن ضربها أمامهم والإساءة إليها، فما كان منها إلا أن غادرت المنزل قاصدة خيمة عائلتها بعد أن فقدت قدرتها على التحمل. 
 
تقول راما فؤاد أنها لم تستطع القيام بكافة الواجبات لعدم إلمامها بالمهام المنزلية "كنت أحاول التعلم بسرعة، كي لا أضطر لسماع توبيخ الجميع لي ونقدهم تربيتي كوني لا أعرف الطبخ وبعض الأعمال، ورغم كل محاولاتي لإرضائهم لم أستطع ذلك، كانوا يعاملونني معاملة سيئة وأشعر بينهم أنني بدون قيمة، فقررت المغادرة لأتخلص من كل تلك المعاناة".    
 
تداعيات الحرب السورية التي دخلت عامها العاشر دون أي بوادر واضحة بإنهائها حتى اللحظة، وأبرزها تراجع التعليم والنزوح والفقر كرست عادات في المجتمع السوري تقضي بتزويج الفتيات قبل بلوغهن 18 عاماً.    
 
لحنان العمر (١٨عاماً) قصة مع زواجها المبكر بدأت حين تركت مقاعد الدراسة ونزحت مع أهلها من مدينة خان شيخون إلى مخيمات الشمال السوري وتحديداً مخيمات قاح الحدودية.  
حنان عمر كانت تحب الدراسة وتحمل داخلها طموحات كبيرة، لكن المخيمات تخلو من أي مراكز تعليمية أو مدارس إعدادية، وهو ما أجبرها على ترك الدراسة والزواج لأول عريس يتقدم لخطبتها، كان عمرها آنذاك (١٤عاماً) وزوجها يكبرها بتسع سنوات ويعمل في مجال تجارة الدراجات النارية، أنجبت منه ولدين وهي اليوم تحاول الحفاظ على أسرتها وأبنائها والقيام بواجباتها، دافنة داخلها طموحاتها التي منعتها الحرب والزواج المبكر من تحقيقها. 
 
ترجع المرشدة الاجتماعية ميس عليوي زواج القاصرات إلى عدة أسباب أهمها الفقر الذي انتشر في المجتمع السوري بشكل كبير وخاصة بين الأسر التي يكثر فيها عدد الأفراد، فتقوم هذه الأسر بتزويج الفتيات للتخلص من نفقاتهنَّ.
 
كما أشارت إلى أسباب أخرى ومنها العادات والتقاليد والجهل الذي ينتشر بين العائلات التي لا تدرك مدى الخطورة والضرر الناتج عن تزويج الفتاة في عمر صغير، فهي غير قادرة على تحمل مسؤولية زوج وأبناء وغيرها من المسؤوليات العائلية الأخرى.    
 
وعن الآثار النفسية والاجتماعية المترتبة على زواج القاصرات قالت إن "شريحة كبيرة منهنَّ تصاب باضطرابات نفسية خطيرة؛ بسبب الصدمة التي يتعرضنَّ لها، لأنهنَّ غير مستعدات لهذا التغيير المفاجئ في حياتهنَّ والانتقال من مرحلة الطفولة إلى النضوج بشكل مباشر، وهو ما ينتج عنه حالات اكتئاب شديد وقلق، كما أن القاصر تفقد هويتها الاجتماعية وتشعر أنها لا تملك شخصية خاصة بها لشعورها بالضياع، وعدم قدرتها على اتخاذ القرارات وعدم امتلاكها التعليم الكافي والخبرة في التعامل مع الأطفال والحياة الزوجية".
 
وتبعاً للنتائج السلبية المترتبة على زواج القاصرات تؤكد المرشدة الاجتماعية ميس عليوي على "ضرورة تنظيم حملات توعية مستمرة للأهالي؛ للتعريف بمخاطر هذه الظاهرة التي فرضت على المجتمع أمهات صغيرات غير مؤهلات من جميع النواحي الفيزيولوجية والاجتماعية، ما رسخ مشاكل كبيرة ليس في حياة القاصرات وحسب وإنما في المجتمع أيضاً". 
 
وتعتبر ظاهرة زواج القاصرات من الظواهر الاجتماعية الخطيرة والتي تؤدي لحدوث العديد من الكوارث والمشكلات الاجتماعية والنفسية، تزداد في أماكن الصراع ومخيمات النزوح، وهي تنتشر بين الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهنَّ بين (9ـ15) عاماً وتختلف طبيعة هذا الزواج بالاعتماد على العديد من العوامل الاجتماعية المؤثرة فيه.