نساء من إدلب تعزفن عن الإنجاب... ما القصة؟

تشهد إدلب أوضاعاً اقتصادية ومعيشية صعبة نتيجة موجات الغلاء المستمرة والانفلات الأمني، كما أن ندرة فرص العمل أو انعدامها أدت لارتفاع مستويات البطالة، ما أثر بشكل كبير وغير مسبوق على الأهالي والسكان.

هديل العمر

إدلب ـ ترفض نساء مدينة إدلب في الشمال السوري، فكرة الإنجاب بسبب الأوضاع المعيشية والاقتصادية الصعبة التي عززتها انتهاكات حكومة الإنقاذ الذراع المدني لما يسمى بـ "هيئة تحرير الشام"، بحق السكان والأهالي حتى باتت تقاسمهم في لقمة عيشهم وعيش أطفالهم.

بعد ثلاث سنوات من زواجها، ترفض راما العبد الله البالغة من العمر 28عاماً نازحة مقيمة في مخيمات بلدة أطمة الحدودية شمال إدلب، فكرة الإنجاب بسبب الفقر والحالة الاقتصادية والمعيشية السيئة التي تعيشها مع زوجها الذي فقد مصدر رزقه الوحيد بعد أن هدمت حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام المسيطرة على المنطقة، محله التجاري الذي كان يعمل به بحجة مخالفته لمكان البناء.

وأكدت أنها مع زوجها بالكاد يستطيعان تأمين الاحتياجات الأساسية من مأكل ومشرب، فهما في أحيان كثيرة يضطران لاقتراض بعض المال من الجيران والأقارب، لذلك ترى أن عزوفها عن فكرة الإنجاب نظراً للأعباء المادية والاقتصادية التي ستزيد وضعهما الاقتصادي سوءاً، الحل الأمثل لتفادي ذلك خاصة أنه في حال قررت الإنجاب فإنه سيتوجب عليها توفير مستلزمات الأطفال من لباس ودواء وحليب وغيرها من الاحتياجات، وهو ما يفوق قدرتها المادية أضعاف مضعفة.

وأضافت راما العبد الله أن وضعها المعيشي كان أفضل بقليل قبل أن تقدم إحدى أجهزة حكومة الإنقاذ على هدم المحل الذي كان يشكل مصدر الدخل الوحيد لها ولزوجها تحت حجج وذرائع وصفتها "بالمضحكة" وهو ما قلب حياتهما رأساً على عقب إثر خسارتهما لمصدر دخلهما "كيف سأفكر بالإنجاب وهم يسرقون قوت أطفالي قبل أن يخلقوا؟" بهذه الكلمات تلخص راما حزنها وألمها كونها غير راضية عن قرارها، إذ أنها تحلم كغيرها من المتزوجات في أن تنجب طفلاً يكمل حياتها الزوجية والأسرية، وتقول "ما باليد حيلة".

وأشارت إلى أن قرار الإنجاب مرتبط بقدرتها على تأمين حياة كريمة لأطفالها وكافة مستلزماتهم المعيشية الأساسية من غذاء ولباس وتعليم ودواء وصحة، وهو ما يحول بينها وبين فكرة الحمل والأمومة.

لم تكن رائدة الصطيف البالغة من العمر 23عاماً، أفضل حالاً من سابقتها حين عزفت هي الأخرى عن فكرة الإنجاب والأمومة بعد أن فقد زوجها عمله في ظل تردي الأوضاع المعيشية في المنطقة وقلة فرص العمل، وتقول إنه "بعد يأس زوجها من الحصول على عمل لجأ للتدريس في إحدى المدارس الخاصة قبل أن يتم فصله من إحدى لجان المراقبة التابعة لتحرير الشام، ما أدى لفقدانهم مصدر الدخل الوحيد لهم.

وأضافت أنهم بالكاد يتدبرون أمور حياتهم اليومية في تأمين الطعام والشراب الذي بات يفوق قدرتهم المالية بأضعاف، مما جعلهم يعزفون عن فكرة الإنجاب على الرغم من اشتياقهم لرؤية طفلهم الأول، إذ أن القرارات التعسفية حرمتهم من أدنى حقوقهم في تكوين أسرة وأطفال.

وأكدت أن زوجها لجأ للعمل على عربة لبيع الخضار بعيداً عن اختصاصه في التعليم، إذ أن ما يؤمنه من دخل من هذا العمل لا يكفي لتغطية احتياجاتهم خاصة في ظل الغلاء المعيشي الفاحش الذي تعانيه المنطقة.

من جهتها قالت الطبيبة سناء الموسى إنها كثيراً ما تتفاجئ بطلبات النساء والمراجعات بإجهاض حملهن بسبب الأوضاع المعيشية والاقتصادية الصعبة، وهو ما ترفضه بشكل قاطع.

وأوضحت أن العديد من النساء تراجعن عيادتها للحصول على وسائل آمنة لمنع الحمل، علماً أنهن لم تنجبن من قبل، وذلك نتيجة الظروف المعيشية الصعبة التي تمنعهن من خوض غمار الحمل والإنجاب التي تصفها "بالمكلفة والمرهقة مادياً" وهو ما لا طاقة لمعظم العائلات بها.