نساء الريف... نقل المياه يفاقم من معاناتهن ويضاعف مسؤولياتهن

تعاني نساء الريف في تونس من صعوبات عدة إحداها جلب المياه من مسافات تقدر بكيلومترات عدة، حيث أصبح الحصول على هذا المورد الثمين مسؤولية تقع غالباً على كاهلهن وهي مشكلة تزداد سوءاً يوماً بعد.

إخلاص حمروني

تونس ـ شعور العطش الذي تعيشه النساء في ولاية جندوبة التونسية، دفع بأهالي الأرياف لإطلاق صيحات فزع عقبها عدد من الاعتصامات وقطع للطريق، للفت انتباه السلطات الجهوية والدفاع عن حقهم الذي ضمنه الدستور ولكن لم ينفذ على أرض الواقع، ليبقى حلم عسى أن يتحقق يوماً.

ظاهرة العطش تهدد ما يقارب 200 ألف عائلة في ولاية جندوبة التونسية، بالرغم من أن مواردها المائية تقدر بـ 362 مليون متر مكعب، وذلك لوفرة السدود والبحيرات والعيون الطبيعية.

وقفت منية أحمدي البالغة من العمر 20 عاماً، على حافة سد بوهرتمة الواقع شمال غرب مدينة فرنانة بولاية جندوبة، تنظر إلى كميات الماء المتجمعة في السد، بالرغم من أنها ليست بكثيرة هذا العام ولكنها كافية بعض الشيء لتزويد قريتها بالماء الصالح للشرب.

بقيت لفترة تلتفت يمنة ويسرى لتشاهد قنوات كبيرة تمر قريبة من السد وعلى مشارف قريتها، تتجه نحو تونس العاصمة وغيرها من المدن، ولكن لا تصل تلك القنوات إلى منزلها الذي يبعد عشرات الأمتار عن السد، تقف وهي تفكر وتبحث عن طريقة لتملأ عدد من الأوعية البلاستيكية بالمياه الصالحية للشرب ونقلها إلى منزلها، وهي مهمة قد اعتادت عليها وتقوم بها بشكل يومي، خاصةً بعد انقطاعها عن الدراسة بسبب وضع عائلتها المتردي مادياً كما أوضحت، لتجبر على البقاء في المنزل وتحرم من إتمام تعليمها.

رحلة شاقة تخوضها فتيات القرية لاستجلاب المياه

تقول منية أحمدي "هذه رحلتي اليومية، حتى في الأيام التي كانت درجات الحرارة مرتفعة كنت أجلب المياه من السد ثلاث مرات على الأقل في اليوم، رحلة يرافقني خلالها حمار ورثته عائلتي عن جدي وأوعية بلاستكية مختلفة الأحجام اشتراها أبي من الباعة المتجولين وأفكار كثيرة تراود مخيلتي".

وأوضحت أنه "منذ إن ولدت في هذه القرية ونحن نعيش هذا الوضع البائس، في السابق كان أبي يتكفل بمهمة جلب المياه وقد كنت أرافقه في بعض الأحيان، كنت أراها رحلة جميلة, كان يقف أكثر من نصف ساعة ليملئ الأوعية بالمياه، لقد كان السد مليء وخرير الماء لا ينقطع وكان العشب والأزهار الملونة تحيط بالمكان، أما الآن فالوضع تغير, لم تعد هذه الرحلة مستحبة لديّ وأراها رحلة عذاب، فلم أعد تلك الطفلة التي تأتي لتلعب مع الصغار بل أصبحت فتاة اتحمل مسؤولية توفير الماء لعائلتي عوضاً عن الدراسة في الجامعة مثل بقية الفتيات".

وأضافت "نحن نعيش في هضبة تطل على السد نرى يومياً المياه المتجمعة فيها ونسمع خريرها في القنوات الكبيرة أثناء توجهها نحو المدن الأخرى، بينما نحن لا نستطيع شربها، الأمر الذي يجبرنا على النزول للحصول على الماء خلسة من القنوات".

وأشارت إلى أنه "عادة ما تتنقل النساء لمسافات طويلة للبحث عن الماء في الوقت الذي يتجه في الرجال إلى الحقول وزراعة الأراضي، إلى حين تأمين النساء المياه، هناك بعض النساء والفتيات تنتقلن كيلومترات عدة لملء بعض الأواني الصغيرة للتزود بماء صالح للشرب ومنهن من تملك عائلاتهن وسائل نقل تذهبن لملء أدنان لتفي بحاجة يوم أو يزيد وهناك من تشتري الماء من أصحاب السيارات بأسعار مرتفعة بعض الشيء".

رحلة منية أحمدي تتشابه مع أغلب قصص نساء القرى الواقعة قرب سد بوهرتمة وغيره من السدود فالوضع يكاد مماثل، فالمواطنون يعيشون في أرياف تعج بالوديان والعيون الطبيعية والسدود الكبيرة وهم عطشى.

"جلب الماء مسؤولية المرأة"

في عين دراهم أحد مدن ولاية جندوبة وثالث أهم موقع سياحي في الولاية، تعاني مريم سهايلية كغيرها من النساء والفتيات اللواتي تبحثن عن مصدر لتأمين مياه الشرب، وتقول "كنت أذهب في أيام الصيف مع أمي وأنا صغيرة لمساعدتها في تعبئة الأوعية البلاستيكية، كنت أتمنى آنذاك أن أكبر وانتقل من هذه القرية والهروب من معاناة نقل المياه، لكن هذه المسؤولية بدت الآن معاناة يومية قاسية أعيشها أنا وكل نساء هذه المناطق الريفية في جندوبة بحكم أن مهمة استجلاب مياه الشرب تقع على عاتق المرأة دون الرجل في الأرياف".

وتساءلت "لماذا يجب على المرأة أن تمشي كيلومترات عدة وهي تحمل الماء على ظهرها أو على الحمار؟، بالرغم من أننا في عصر التطور إلا أننا لا زلنا ننقل المياه بأيدينا"، مشيرةً إلى أن بعض نساء المنطقة تقع منازلهن على بعد حوالي 3 كيلومترات، إلا أنهن تمشين حوالي 15 كيلومتراً، بشكل يومي في أيام الصيف، لأن معظم مصادر المياه القريبة منهن بدأت تجف.

من جانبها تقول فاطمة الزغلامي التي حملت كل ما تمكنت من ملأه على ظهر الحمار، أن ظروف عيشهن صعبة وقد زادت رحلة البحث عن المياه الطين بلة "نحن نعاني التهميش والفقر ومشاكل اجتماعية أخرى, ففي الوقت الذي نسعى فيه نحن النساء لجلب المياه رجال قريتنا الكسالى والاتكاليين يمضون أوقاتهم في المقاهي أو يقومون بأعمال موسمية لشهر أو اثنين فقط على عكس النساء".

وأضافت "لقد تحملت المرأة مسؤولية المنزل والعمل في الفلاحة وغيرها من المهام الشاقة بما فيها تأمين الماء للعائلة، وفي ظل كل ذلك تتعرض العديد من النساء للعنف من قبل أزواجهن".

والجدير ذكره أنه بحسب بيانات وزارة الفلاحة والموارد المائية التونسية يبلغ ارتفاع سد بوهرتمة 44 متراً، وطاقته الاستيعابية تصل إلى 117 مليون متر مكعب وله منسوب 2500 متر مكعب/ثانية، بينما يمسح حوضه 800 هكتاراً، إلا أن المياه المتجمعة فيه في الوقت الراهن لا تبلغ إلا عشر طاقة استيعابه ولا تفي حاجات المواطنين خاصةً في ظل الأيام التي شهدت فيها البلاد ارتفاعاً كبيراً في درجات الحرارة خلال أشهر الصيف.