عملية برية عسكرية على مدينة غزة... ماذا عن النساء والأطفال؟

في ظل تصاعد التهديدات بعملية برية عسكرية إسرائيلية جديدة على مدينة غزة، تتفاقم معاناة النساء والأطفال وسط مشاهد النزوح القسري وضياع الهوية وانهيار الحياة اليومية تحت وطأة الحرب المستمرة.

رفيف اسليم

غزة ـ أعلن المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر "الكابينت"، مؤخراً عن قراره بإعادة احتلال مدينة غزة، وكأن المدينة غير محتلة ولا تحاوطها الآليات الإسرائيلية من كافة الاتجاهات، ذلك الخبر وقع كالصاعقة على مليون ونصف المليون شخص من سكان ونازحين، لجئوا لتلك المدينة بعد أن هُجروا قسراً من مناطق أقصى الشمال والجنوب.

الضحية الأولى لذلك الخبر هم كبار السن، والأطفال، والنساء اللواتي يفكرن الآن أين ستكون وجهتهم القادمة، وكيف سيستطيعون حمل أمتعتهم وإن تركنها ماذا سيفعلون بدون الأغطية والفراش، بعض أدوات المطبخ والملابس وغيرها، وأين سيجدون مكان لنصب الخيمة خاصة أن القوات الإسرائيلية لم تقم بتحمل مسؤوليتها الدولية قبل اتخاذ القرار والمتمثلة في حماية المدنيين وإنشاء منطقة إنسانية أخرى تستوعب ذلك السيل البشري.

 

مقاومة النزوح رغم فقدان كل شيء

عايدة الكحلوت تدرك أرض قطاع غزة مباركة ولا يمكن إتمام عملية التهجير القسري، فهذا وعد إلاهي تؤمن به بعقيدتها وذلك ما يدفعها للبقاء في أرضها وهي مطمئنة، لكنها في ذات الوقت لا تستطيع إنكار أن ذلك الخبر وقع كالصاعقة على نفسها وهي لا تتدري أين وكيف ستذهب لوجهتها الجديدة وهل ستبقى حية بعد تلك العملية البرية التي بالطبع ستكون أعنف من سابقتها أم ستفقد حياتها.

وتحاول رفع عبء التفكير بالتهجير عن عاتقها ممازحة "لقد زرعت اليقطين منذ فترة ليست بطويلة ولا أرغب بترك المكان قبل أن أكل منه، لكنني أخشى أنني زرعته في مكان غير مناسب لا تصله الشمس لذلك لن أكل منه"، مضيفةً أن النزوح بالنسبة للمرأة الفلسطينية دمار بكل ما تحتويه الكلمة من معني، فهو عبارة عن ضياع لكافة المقتنيات المادية والبشرية، وكأنك تعيشين أهوال نهاية العالم.

وأوضحت عايدة الكحلوت أنه خلال النزوح المتكرر لها ضاعت كافة الوثائق التي تثبت بأنها فلسطينية ولها حق على تلك الأرض، كما ضاعت حجج ووثائق منازلها الأربعة وأراضيها وبقالاتها في مناطق متفرقة من شمال قطاع غزة، والتي تحتلها القوات الإسرائيلية الآن وترفض الخروج منها ولا تدري ماذا ستفعل دونهم، لافتة إلى أنها انتقلت من وضع مادي ميسور إلى الفقر المدقع الآن بسبب ويلات الحرب والنزوح.

وقد بدأت القوات الإسرائيلية، بالفعل بحسب عايدة الكحلوت، بإلقاء المناشير الورقية التي تنصح السكان بضرورة النزوح نحو الجنوب، كما وردت العديد من الاتصالات التحذيرية للسكان وسط حرب نفسية تزداد وتيرتها يوم بعد يوم بين المواطنات، مسترجعة ذلك السيناريو عندما خرجت من الشمال ورفضت النزوح لتصوب القوات الإسرائيلية نحوها العديد من الصواريخ التي قتلت جارتها ومازالت حتى اليوم تحت الركام.

التهديد يتبعه قتل متعمد هذا سيناريو القوات الإسرائيلية، فالتحذيرات يتبعها جثث متفحمة، ومربعات سكنية تنزل على رأس ساكنيها، واعتقال للأطفال والشباب والنساء، وحصار بدون طعام أو شراب لأيام، بالإضافة إلى حفر حفرة في الأرض ودفن النساء والأطفال داخلها والعديد من الانتهاكات الأخرى التي يصعب حصرها، لذلك إن اشتد الوضع ستنزح برفقة أطفالها.

 

ألف دولار للنزوح ولا ثمن للكرامة الفلسطينية

وبينت عايدة الحكلوت أن تكلفة النزوح الواحد في كل مرة تتجاوز الألف دولار في ظل انعدام العمل أو أي مصدر للدخل، وفي بعض الأحيان رغم دفع تلك التكلفة الباهظة لا تستطيع إنقاذ كافة ممتلكاتها البسيطة التي تتواجد داخل الخيمة، فتنجو بنفسها والصغار أولاً، ومن ثم تعود تحت خط النار لتجلب باقي حاجيتها، وذلك لانعدام تلك المقتنيات أو بدائلها بالأسواق.

وناشدت عايدة الكحلوت المجتمع الدولي أن يرفع عن قطاع غزة هذه الحرب، ومن ثم فإن الفلسطيني قادر على العيش داخل غزة على الرغم من انعدام المستقبل السياسي، والاقتصادي، والتربوي، والتعليمي، لافتة إلى أن المرأة الفلسطينية تقبل بتأخر إعادة الإعمار والسكن في خيام والصبر على كافة الظروف الصعبة بشرط إيقاف تلك الغارات التي يروح ضحيتها المئات في كل يوم.

وتتمنى ألا تتم تلك العملية البرية العسكرية لمدينة غزة كونها ستخلف مخاسر مادية وبشرية ضخمة فما حدث لرفح وخانيونس سيحدث للمدينة التي ستتحول لرمال، متمنية منع تهجير الفلسطيني من أرضهم التي ولدوا وعاشوا داخلها، وانتهاء ذلك الكابوس المزعج الذي تلوح به القوات الإسرائيلية منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023.