اختطاف واعتقال واغتصاب... الانتهاكات مستمرة بحق النساء في السودان
تعاني النساء السودانيات في مناطق النزاع من غياب الأمان، وتواجهن خطر التعذيب، التهجير، الاغتصاب، والقتل، وسط ترقب دائم لما قد يصيبهن في أي لحظة.

ميرفت عبد القادر
السودان ـ ما بين اختطاف واعتقال واغتصاب، هكذا أصبحت حياة معظم النساء في السودان منذ بداية النزاع في منتصف نيسان/أبريل 2023، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
دخلت المرأة السودانية مرحلة غير مسبوقة من التحديات بعد اندلاع النزاع، فقد تعرضت لعدة أشكال من الانتهاكات منها التهجير القسري، الاعتداءات الجنسية، والعنف القائم على النوع حيث تشير تقارير الأمم المتحدة إلى زيادة بنسبة تقارب 280% لحالات الاغتصاب والاعتداء الجنسي على النساء والفتيات منذ بداية النزاع.
اختطاف النساء أولى التكتيكات
شهدت العاصمة الخرطوم خلال عامين ونصف من اندلاع النزاع انتهاكات مروعة بحق النساء، فقد تعرض عدد كبير منهن للاعتقال والاحتجاز القسري، مما ترك آثاراً جسدية ونفسية عميقة، حيث استخدمت قوات الدعم السريع عمليات اختطاف النساء واغتصابهن كوسيلة للضغط على السكان المدنيين، بهدف تهجيرهم من منازلهم التي حولتها تلك القوات إلى ثكنات عسكرية لتخزين الأسلحة وممارسة مختلف أشكال الانتهاكات.
التقت وكالتنا بإحدى ضحايا الاختطاف والاغتصاب والتعذيب، كانت بمعتقلات قوات الدعم السريع لأربعة أشهر متتالية، وكغيرها من الضحايا فضلت حجب اسمها ورواية القصة بصوت صديقتها خوفاً من الوصمة المجتمعية التي ستلاحقها طيلة حياتها وكأنها مجرمة وليست ضحية.
روت القصة صديقتها منيرة موسى أحمد عضوة الحركة النسوية في السودان حيث قالت "تم اختطاف هذه الفتاة ومعها عدد من الفتيات والنساء بعد عدة أيام من اندلاع النزاع في رحلة نزوحهن للولاية الشمالية، واعترضت طريقهن قوات الدعم السريع وقامت باختطافهن وأعصبت أعينهن واقتادتهن لمكان مجهول، تم اعتقالهن لفترة أربعة أشهر تم فيها استرقاقهن واغتصابهن بشكل يومي ومتكرر كان نتاجه حملها هي وعدد من الفتيات معها".
وذكرت منيرة أحمد على لسان الضحية أنه عند وصولهن المعتقل التقين بفتيات تم اختطافهن قبل اندلاع النزاع بعدة أيام وحبسهن داخل المعتقلات، وبعد مرور أربعة أشهر تمت استعادة المنطقة التي تم اعتقالهن فيها على يد الجيش السوداني واستطاعت النساء الخروج من المعتقل ليكتشفن أنهن تم اعتقالهن وحبسهن داخل الخرطوم.
وتقول إن النساء دائماً ما تدفعن فاتورة الحرب ثمناً باهظاً، لذا أعلنت الحركة النسوية شعار "لا للحرب" وعدم دعم أي من أطراف الحرب منذ بدايتها، معتبرة أن الحرب منبوذة لا يجب دعمها.
معتقلات سرية وأسواق بيع واسترقاق غربي السودان
بدورها أكدت هالة الكارب المديرة الإقليمية للمبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الأفريقي "صيحة" لوكالتنا، أن هناك أعداد كبيرة من النساء كن محتجزات في مناطق الصالحة وسوبا شرق وجبل أولياء وغيرها من المناطق في وسط الخرطوم التي كان يتم استرقاق النساء وتعذيبهن داخلها.
طوال فترة النزاع في العاصمة الخرطوم أكدت أعداد كبيرة من الأسر على فقدان فتيات ونساء تم إخفائهن قسراً، ومع كل تمدد للنزاع ووصوله لولايات مختلفة تزداد أرقام المفقودات والمختطفات، وكشفت عدد من التقارير لمنظمات محلية وعالمية عن وجود سوق بدارفور يتم فيه بيع المختطفات من ولايات وسط السودان.
ولفتت هالة الكارب إلى أن تقارير المبادرة أكدت اختطاف نساء وفتيات واحتجازهن كرهائن في مناطق مختلفة من أقاليم السودان ودارفور، مبينةً أن شهود عيان في الفاشر بشمال دارفور أكدوا لهم أن قوات الدعم السريع تحتجز أعداد كبيرة من النساء والفتيات القاصرات حيث لم يتم تحديد أعمارهن في محلية دار السلام ومباني الإمدادات الطبية في الفاشر.
وأضافت أن هناك معلومات تفيد بوجود نساء وفتيات محتجزات في نيالا جنوب دارفور، وكشف مرصد شمال دارفور لحقوق الإنسان خلال آب الجاري، عن احتجاز قوات الدعم السريع لعشرات النساء في منشآت تُستخدم كمراكز اعتقال سرية مع تسجيل حالات تزويج قسري وحمل نتيجة اغتصاب.
وقالت إن اختطاف الأشخاص أو احتجازهم للحصول على فدية أو بيعهم في الأسواق ينتهك قانون حظر الرق في القانون الدولي والإقليمي لحقوق الإنسان (المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) وحظر احتجاز الأشخاص كرهائن بموجب القانون الإنساني الدولي.
وطالبت بتفعيل المواد القانونية وتصنيف هذه الانتهاكات جرائم حرب وفق اتفاقية جنيف لعام 1949 واتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين في أوقات الحرب، بالإضافة إلى ذلك تحظر المادة 30 من دستور السوداني الرق وتجارة الرقيق بجميع أشكاله وتنص على أنه لا يجوز استرقاق أي شخص.
النساء في دارفور صاحبات النصيب الأكبر من المعاناة
وأكدت الدكتورة لبنى محمد علي مديرة مركز "أمان" لعلاج الناجين من العنف الجنسي خلال النزاع، أنها تواصلت مع عدد من المعتقلات بمدينة الفاشر بدارفور وأكدن لها أنهن تعرضن لانتهاكات وعنف جنسي ولفظي وعنصري، وبعضهن استطعن الهروب والوصول إلى دولة تشاد الحدودية، وطالبت بمساعدتهن وإجلائهن إلا أن الأوضاع الأمنية بالمنطقة لا تسمح لهن بدخولها، مبينة أنها وعدد من المنظمات الحقوقية المحلية والعالمية طالبو بإجلاء بقية الفتيات لتقديم العلاج لهن.
تعيش ولاية دارفور غربي السودان صراعات أهلية منذ عام 2003، عانت خلالها النساء أشد وأقسى أشكال المعاناة وتخضع جنوب دارفور لسيطرة قوات الدعم السريع منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، بعد انسحاب الجيش من قاعدته في نيالا، الأمر الذي فاقم معاناة النساء المستمرة بدارفور، فداخل مخيم "زمزم" للنازحين مئات القصص عن الانتهاكات التي تعرضت لها النساء داخل المخيم أو عند خروجهن لجلب المياه والاحتطاب.
وثقت صحيفة "الغارديان" خلال نيسان/أبريل الماضي، عمليات خطف لفتيات قاصرات، وبحسب الصحيفة فإن أثناء المعركة ودوي المدافع قامت قوة كبيرة من الدعم السريع بالدخول للمخيم وخطف 50 فتاة واقتيادهن لجهات مجهولة.
تقول أميرة عثمان رئيسة مبادرة لا لقهر النساء لوكالتنا إن "معظم النساء بمناطق النزاع في السودان عانت بسبب الانتهاكات التي تعرضن لها من اعتقالات واغتصاب كان نتاجها الحمل غير المرغوب فيه وعدم الاعتراف بالأطفال بل وتركهن للوزارات المعنية ومنهن من اختارت الانتحار سبيلاً للخلاص مما تعرضت له خاصة في المناطق التي كانت تقع تحت سيطرة قوات الدعم السريع".
ولكن نساء دارفور هن الأكثر انتهاكاً وزاد على معاناتهن حصار مدينة الفاشر لفترات طويلة، إذ ما لم يتم فك الحصار عن مدينة الفاشر فإن هذا يعني المزيد من الانتهاكات بحق النساء هناك، وتضيف أميرة عثمان "ليس هناك تصنيف للمعتقلات السرية والعلنية فكل الاعتقالات كانت تتم داخل بيوت المواطنين بعد تهجيرهم منها وتخصيصها للاعتقالات والتعذيب والاستعباد الجنسي للنساء".
"حالات اغتصاب جماعي وعلني"
أما هالة عبد العزيز وكيلة أمانة المرأة والطفل بحركة العدل والمساواة السودانية فقالت إن "تجربة المرأة منذ حرب دارفور الأولى (2003‑2005) وثقت عمليات اغتصاب منهجية نفذتها قوات الدعم السريع بدعم حكومي، استهدفت القرى غير العربية بهدف مطاردة السكان السود الإفريقيين، وفي كثير من الحالات، حدثت الاعتداءات أثناء تهجير الأهالي أو في المعسكرات".
وأضافت "رغم أن الأعداد الدقيقة غير معروفة، إلا أن التقديرات أشارت إلى أن مئات النساء والفتيات تعرضن للاغتصاب العلني، وبعضهن تعرضن للتشويه الجسدي"، مؤكدة وقوع حالات احتجاز في "بيوت سرية" في دارفور وتوزعت هذه الممارسات على ولايات شمال، وسط، وجنوب دارفور، وطالت نساء تتراوح أعمارهن بين 19 ـ 75 عاماً، مع دوافع عنصرية واستهداف للقبائل غير العربية.
وأضافت أن عمليات الاغتصاب غالباً ما كانت علنية، وقد تم إجبار النساء على المشاهدة أثناء تعرض أخريات للاغتصاب، كما أُبلغ عن عمليات اغتصاب جماعي "نحو 26 حالة".
التعذيب الجسدي والنفسي
في تحقيق مستقل نفذته شبكة Sudan Rights Watch في شباط/فبراير الماضي، أفادت شهادات ضحايا بتعرضهن لتعذيب وحشي ضمن اعتقالات تعسفية، تشمل "ضرب مبرح، تعذيب بأدوات، تمزيق أصابع، خنق مائي (محاكاة الغرق)، حرق، تعليق جسدي، المنع من النوم، الطعام، الماء، وحرمان من الضوء والهواء النقي، إلى جانب الاعتداء الجنسي والشتائم العنصرية".
واستمرت مدة الاحتجاز لأيام أو شهور، دون توجيه تهم قانونية واضحة، مع آثار صحية ونفسية خطيرة مثل كسور، جروح مزمنة، إعاقة جزئية، اضطراب ما بعد الصدمة، والاكتئاب المزمن.
وأكدت القيادية بالحزب الاتحادي الديمقراطي شذى عثمان الشريف على أن اعتقالات النساء بدارفور تتم على أساس الانتماءات السياسية فتم اعتقال عدد من النساء وتعذيبهن واغتصابهن بل وقتل بعضهن بمزاعم انتمائهن للجيش السوداني.
أما اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان، فكشفت خلال الأيام الماضية عن توثيق 16 حالة اغتصاب لفتيات تتراوح أعمارهن بين 16 ـ 30 عاماً في مخيم كلمة بجنوب دارفور، مشيرةً إلى أن حالتين من بين الـ 16 ارتكبت ضد نساء كبيرات في السن، مما تسبب لهن في نزيف حاد تطلب إسعافهن إلى مشفى "نيالا" لتلقي العلاج.
واستنكرت غياب الدور الفعلي لمنظمات حقوق المرأة وحقوق الإنسان، واصفة صمت هذه المنظمات عما يحدث للنساء في السودان بـ "الخزي والعار"، مطالبة النساء السودانيات بتوحيد صوتهن للمناداة والمطالبة بحقوق المرأة في السودان بصفة عامة والمرأة في دارفور بصفة خاصة.
مطالبات بالتدخل الفوري لحماية النساء
طالبت عدد من الناشطات والحقوقيات عبر وكالتنا المنظمات المعنية بتوفير الحماية الكافية للنساء أثناء النزاعات وحمايتهن من الانتهاكات.
وجهت الكاتبة والصحفية سالي زكي رسالة للمنظمات الدولية لدعم الناجيات من العنف الجنسي، وتوفير الخدمات الطبية العاجلة وزيادة الدعم المادي والمعنوي للمرأة السودانية وحماية حقوقها، بالإضافة إلى ضمان حقها في التعبير والمشاركة في صنع القرار على المستويات المحلية والدولية بقدر معاناتها.