مضايقات بحجة تطبيق الشريعة تحد من عمل نساء في إدلب

تواجه المرأة في إدلب العديد من التحديات التي غالباً ما تدفعها للحد من نشاطها أو ترك العمل دون الإفصاح عن تلك المضايقات التي اعترضتها خوفاً على حياتها الأسرية وانتقادات المجتمع.

هديل العمر

إدلب ـ يعتبر لباس المرأة وحشمتها، من أهم الأمور التي تسعى ما تسمى بـ "هيئة تحرير الشام" للتركيز عليها ضمن مناطق سيطرتها، فتطالب النساء بـ "اللباس الشرعي وعدم التبرّج والسفر بلا محرم أو العمل في أماكن يتواجد فيها الذكور"، وهو ما بات يشكل هاجساً يؤرق حياة النساء، وسط غياب الاهتمام بمشاكلهن ومعاناتهن.

اضطرت فداء الأحمد (28 عاماً) لترك عملها في إحدى الفرق التوعوية بحقوق المرأة، بعد أن تلقت عدة تهديدات من أرقام وحسابات وهمية تحمل طابع إسلامي متشدد، بالكف عما تم وصفه بـ "تحريض النساء على أزواجهن ورجال العائلة" عبر الندوات التوعوية التي كانت تنظمها للحد من العنف القائم على النوع الاجتماعي في إدلب ومخيماتها الشمالية.

وقالت فداء الأحمد أن التهديدات المتكررة كانت كفيلة بترك عملها والتواري عن الأنظار خشية تعرضها أو تعرض أحد من عائلتها المؤلفة من زوجها وأبنائها الثلاثة للأذى.

وأوضحت أن التهديدات جاءت على شكل فيديوهات ترهيب بالقتل ورسائل تهديد بالكف عن العمل مباشرة، وهو ما دفعها بالفعل للتوقف رغم حاجتها الكبيرة للعمل من أجل مساعدة زوجها في الإنفاق على الأسرة التي زادت مصاريفها وسط النزوح والفقر والغلاء.

وأكدت إن كل ما حدث ويحدث مع الأهالي من ظروف إنسانية صعبة وتهجير كانت في سبيل التوقف عن كم الأفواه وتقييد الحريات، لكنهم اصطدموا بواقع لا يقل قسوة عن سابقه.

وفي قصة مشابهة فضلت براءة البكور (30 عاماً) ترك عملها في التدريب على أصول استخدام الحاسوب في إحدى مراكز تمكين المرأة في إدلب، على الانصياع لأوامر هيئة تحرير الشام، من النساء اللواتي غالباً ما كن تتفقدن المركز باسم الهيئة من أجل تقديم المواعظ بأهمية التقيد بما سموه اللباس الشرعي والخمار، والتهديد والوعيد لمن لا ينصعن لتلك الأوامر.

وقالت إن الوضع الحالي بات فوق إمكانية التحمل حين وصل حد التدخل بحرية اللباس الذي اعتبرته حرية شخصية، فلكل بيئة عاداتها وتقاليدها في اختيار شكل اللباس الذي تريده.

وأوضحت أن تدخل هيئة تحرير الشام في الحياة العامة وفرض قيود وأنماط معينة على سلوك النساء تحديداً ولباسهن باسم الدين، عزز السلطة الذكورية التي تعتقد أن لباس المرأة جزء من شرف المجتمعات، وهو ما أمعن في تقييد عمل النساء وحد من نشاطاتهن المختلفة في إدلب.

واتهمت براءة البكور "هيئة تحرير الشام" بالسعي "الحثيث لإعادة النساء المنفتحات والخارجات من عباءة السلطة الذكورية إلى حظيرة الطاعة، لاسيما بعدما رفضت بعضهن النقاب والخمار والقوانين المتشددة الصادرة عنها".

فيما أخفت صفاء المحمد (29 عاماً) العاملة في مجال المكياج والعناية بالبشرة في إحدى مراكز تمكين النساء بمدينة سلقين، رسائل التهديد التي تلقتها عبر صفحتها على فيسبوك، عن زوجها وأسرتها، خشية الفضيحة ونظرة التشكيك التي ينظرها المجتمع المحلي للمرأة التي تواجه مثل تلك الحالات في إدلب وريفها.

ورجحت أن يكون صاحب الحسابات الوهمية الذي أرسل إليها التهديدات أحد المنتمين للفصائل المتشددة التي تحارب عمل المرأة، وتكرار وصفه عملها بـ "السفور والضلال، والنساء ناقصات عقل ودين" ومنعها من مزاولة التدريب والتوقف كلياً عن العمل خوفاً على سمعتها وحياتها.

من جانبها قالت المرشدة الاجتماعية يقين عبد الخالق (33عاماً) إن محاولات "التهديد والوعيد بذريعة اللباس والحشمة والاختلاط" من أكثر المعوقات التي تواجه النساء في المنطقة، وهو ما يدفعهن إلى التخلي عن عملهن ووظائفهن.

واعتبرت أن غياب القوانين الرادعة وأساليب التوعية، وندرة الوسائل التي يمكن أن تلجأ إليها النساء في مثل هذه الحالات، أدى إلى تفاقم الظاهرة التي يستخدمها الكثيرون للوصول إلى أهدافهم بمحاربة عمل المرأة ومنعها من الاستمرار والنجاح.

وشددت على أهمية برامج الدعم النفسي للنساء، بالتزامن مع توعية للمجتمع المحفز والمؤهل لأي طريقة تدعو لحشمة النساء، والذي يبدي قبولاً كبيراً لأي قرار يفرض على النساء مزيداً من القيود.