مبادرة "سوبروومن"... مجال آمن لحديث النساء وتمكينهن اقتصادياً

المبادرات النسوية واحدة من الأدوات التي بدأت من خلالها الناشطات في مصر تقديم الخدمات والدعم والمساندة للنساء في محاولة منهم للتعاطي مع الأزمات والأعباء الملقاة على كاهل المرأة

أسماء فتحي

القاهرة ـ المبادرات النسوية واحدة من الأدوات التي بدأت من خلالها الناشطات في مصر تقديم الخدمات والدعم والمساندة للنساء في محاولة منهم للتعاطي مع الأزمات والأعباء الملقاة على كاهل المرأة.

واحدة من المبادرات الشابة التي ذاع صيتها في الأوساط النسائية مؤخراً هي "سوبروومن" التي أجرينا حوار مع مؤسستها آية منير، للتعرف عن قرب عما يقدمونه من خدمات للنساء خاصةً بعد عقدهم عدد من صالونات التحدث في محافظات مختلفة، وكذلك فتح المجال من خلال إحدى المجموعات التي تلقى تفاعلاً كبيراً على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، لتمكين النساء اقتصادياً بعنوان "مستقلات سوبروومن".

 

"سوبروومن" إحدى المبادرات التي التف حولها عدد كبير من النساء... حدثينا عن بداية الفكرة وكيف تطورت، وما هو الهدف من اللقاءات؟

لقد مررت بتجربة خاصة انتهت بالانفصال خلال عام 2015، وبعدها قررت السفر من مدينة الزقازيق إلى القاهرة للعمل، وقررت زيارة طبيب نفسي وبحثت عن ورش تحدث، وهي بالفعل التي مكنتني من تجاوز الأزمة، والتخلص من مشاعر الوصم والخوف التي سيطرت عليّ، إلى أن اضطرتني الظروف العودة مرة أخرى للزقازيق وهنا تأكد لدي انعدام الخدمات التي تقدم للنساء من هذا النوع.

وقمت بعمل أول مقابلة ولاقت إقبالاً كبيراً من النساء وطلبت المشاركات تكرار الأمر، وتحولت جلسة الحديث البسيطة مع الوقت لورش الحديث ومنها دخلت التوعية، ثم اكتشفنا أننا بحاجة أكثر للتعلم عن التجارب التي نمر بها لمنع تكرار الأذى، لذا عقدنا العديد من الجلسات التوعوية وأخرى نفسية، وبدأنا بالعمل على تعريف النساء أكثر بالجانب القانوني، وناقشنا ملف العنف الأسري وزواج القاصرات والختان، وتطرقنا لملف الصحة الإنجابية والجنسية، وحالياً نولي اهتمام كبير بملف تمكين النساء اقتصادياً باعتباره بوابة عبور القهر الأساسية، ومساعدتهن على اتخاذ القرارات بشكل أفضل وأقوى.

وانطلق "صالون سوبروومن" الذي يسعى إلى تشكيل مجتمع موازي تستطيع النساء من خلاله أن يكون لهن مساحة أمان لتتحدثن دون خوف، من محافظة الزقازيق ومنه إلى القاهرة وعدد من المحافظات كدمياط والإسكندرية، ونحاول الوصول إلى المحافظات الأخرى أيضاً في الفترة المقبلة حتى نتمكن من إتاحة مساحة أكبر للمشاركات النسائية.

 

كيف تعملون على تمكين النساء اقتصادياً؟

نعمل في مسارين متوازيين على الملف الاقتصادي وتمكين النساء. المسار الأول من خلال برنامج سيتم إطلاقه قريباً ويحمل اسم "نجاة"، سيتم من خلاله تأهيل النساء وخصوصاً المعيلات وتدريبهن من خلال مجموعة من البرامج تعرفهن بقانون العمل وغيرها من متطلبات سوق العمل، ونأمل أن نجد لهن فرص بعد ذلك لتتمكنَّ من العيش بدون ضغوط أو خوف على مستقبلهن، ونسعى من خلال برنامج "نجاة" إلى تأهيل النساء لمنافسة الرجال في سوق العمل، وإكسابهن وعي بسبل الاستمرار في مشاريعهن لتتمكنَّ من عمل مسار مهني يناسب تطلعاتهن.

أما المسار الثاني فتم من خلال إطلاق مجموعة منبثقة عن المبادرة حمل اسم "مستقلات سوبروومن"، والذي يتيح للنساء دعم بعضهن بفرص عمل أو إرشادات مرتبطة بسوق العمل.

 

الكثير من النساء تعتبرن التحدث إفشاء لأسرار منازلهن... كيف ترون تأثير هذه المعلومات الخاطئة على واقع المرأة؟

هناك جرائم ترتكب تحت الغطاء الزائف المسمى بـ "العيب" أو "أسرر البيوت"، ففي الواقع مثل تلك المفاهيم التي رسخها المجتمع الأبوي في تكوين النساء مجرد غطاء ترتكب بداخله انتهاكات وجرائم لا نهائية، والهدف من الأحاديث الذي تقوم به "سوبروومن" هو مساعدة النساء ودعمهن للتعامل مع ما تعانينهن من أزمات وتجاوز ما يمررن به من عقبات قد يكون لها تأثير سلبي على مواصلة الحياة، فممارسة التحدث نوع من مواجهة القمع.

وقد لمست مدى تأثير ورش الحديث التي قمنا بإعدادها وآثارها الإيجابية وفاعليتها في تمكينهن من تخطي وتجاوز ما يمررن به، وهذا أمر يجب أن يستمر من أجل مساندتهن وبعيداً عن محاولات الحصول على مكاسب مجتمعية أخرى.

 

هناك مجموعة من القضايا المعقدة والمركبة منها ختان الإناث وتزويج القاصرات والتحرش... كيف ترون تأثير موجة التحدث الأخيرة على تلك القضايا؟

هي بالفعل قضايا شائكة وتعمل عليها أغلب المؤسسات النسوية والمجتمع المدني بشكل متشابك ومتعاون إلى حد كبير، والكل يساهم بحسب قدراته وما يتاح له من إمكانيات، ولكن عملنا في المبادرة مختلف إلى حد كبير، وذلك لأننا نعمل مع الفتيات في سن صغير ونؤهلهن بمعرفة أكبر عن القانون ونعمل على توعيتهن بمخاطر الختان والزواج المبكر وردع الكثير من المتحرشين وفضحهم من قبل الفتيات، وهو ما يدعم قراراتهن في هذا الشأن ومن خلالهن نساعد أخريات في محيطهن، فعلى سبيل المثال، هناك فتاة كانت متواجدة في واحدة من ورش الحديث وتواصلت معنا مستغيثة أن أختها ستتعرض للختان كما حدث لها وتمكنت من حمايتها وإثناء أسرتها عن هذا الأمر.

وهناك دور فاعل وقوي قامت به مواقع التواصل الاجتماعي حيث كان له تأثير على قضايا التحرش، فقد ساهمت في ردع الكثير من الجناة وإخافتهم من "الفضح" المجتمعي، خاصةً أن الفتاة كانت دائماً هي المدانة في هذه الجريمة سواء لملابسها أو تصرفاتها.

والأمر تحول تماماً مع موجة المواجهة أو الحديث بذكر أسماء أو حروف من أسماء المتحرشين، وهو الأمر الذي أدى لوصم المتحرش، فقديماً كانت الواقعة تسجل باسم الفتاة كما هو الحال في حادثة "فتاة المنصورة"، ولكن بعد الموجة الأخيرة وجدنا الخطاب يتغير والوصم يلاحق المتحرش كما هو الحال في قضية "طبيب الميكروباص".

وهناك تأثير آخر على أرض الواقع في الشارع المصري ودرجة وعيه بهذه الجريمة، فقد رأيت طفل يتحدث عن تعرضه للتحرش وهو مدرك لمعنى ما يقوله، وهذا الأمر نتاج قوي لحملات التوعية وموجة التحدث الأخيرة.

 

رغم أن مصر تولي اهتمام كبير بقضايا النساء إلا أن هذا الحراك غير ملموس على أرض الواقع... فما السبب في اعتقادكم؟

للأسف أغلب الخطابات بعيدة عن النساء بدرجة كبيرة لا تلمسهن على أرض الواقع، فقد صادفنا الكثير منهن لا يعلمنّ شيء عن أبسط حقوقهن لمجرد أن أدوات التوعية غير متاحة لهن.

والأهم أن هناك الكثير من القوانين قد تستلزم إجراءات لسنوات طويلة، وهو الأمر الذي يفقد الكثير منها أهميته وتأثيره، لذا تحتاج النساء لخطاب قريب منهن يصلهن أينما كنَّ من خلال المنفذين لتلك القرارات في المناطق المختلفة.

إن قضايا النساء دقيقة ومعقدة إلى حد كبير وتحتاج لدرجة من التفهم والتواصل المباشر معهن أو من يمثل مختلف أنماطهن قبل إصدار القرارات، والتحدث نيابةً عنهن دون وعي كامل باحتياجاتهن الحقيقية، وطبيعة المعوقات التي تواجههن.