للقرى الريفية خصوصية... وهذه أبرز التحديات التي تواجه المرأة فيها

سياقات الحياة والتعاملات بين أفراد القرى الريفية مختلفة إلى حد كبير، الأمر الذي أثر على واقع النساء هناك وجعله أكثر تعقيداً وتأزماً مقارنة بالمدينة.

أسماء فتحي

القاهرة ـ يقع على عاتق النساء في الريف مسؤوليات كثيرة، وتتحملن أعباء وضغوطات في سبيل ضمان مستقبل أفضل لأسرهن، وتعانين من التشدد وهو الأمر الذي قد يقضي على طموحاتهن.

"الحياة لدينا عبارة عن الأعمال المنزلية والغيط"، بهذه العبارة وصفت سمية عمر "اسم مستعار" وهي واحدة من العاملات في حقول مدينة الشرقية، مؤكدةً أن النساء في هذه المدينة تربين على أن تكون كل حياتهن مكرسة للأعمال المنزلية وتلبية احتياجات أسرتها وقيامها بالأعمال الزراعية والبيع بالأسواق.

وتلك لم تكن الحياة التي تعيشها المرأة الخمسينية وحدها إنما هي حياة أغلب النساء في الريف المصري، باستثناء بعض الأسرة المستنيرة الذي طرق العلم أبوابها والتي ترى أن للمرأة الحق في التعلم لتتمكن من تكوين أسرة أكثر تأثيراً وقوة ونضجاً، فضلاً عن أن "العلم سلاح بيد الفتاة يساعدها ذا ما جار الدهر عليها".

ويمكن القول إن النساء في الريف المصري تتحملن مهام جمة، حيث أنهن لا تفرطن بأي فرصة عمل توفر احتياجات أسرهن أياً كانت متطلبات ذلك العمل دون تردد، والكثير منهن لا تعين ما هي حقوقهن أو إمكانية رفضهن للسلطة الذكورية أو تلك الأبوية التي تمارس مجتمعياً، إنما تم برمجتهن على أداء الواجبات والالتزامات التي لا يمكن لأحد أن يقوم بها نيابة عنهن.

أوضحت سمية عمر نمط حياة النساء في الشرقية "نحن مجبرات على الاستيقاظ قبل بزوغ الشمس لإنجاز الأعمال المنزلية من تنظيف وغسيل لنتوجه بعدها إلى الغيط ونعمل فيه بالقدر الذي يلبي احتياجاتنا اليومية، وأحياناً تبقى إحدى الفتيات في المنزل أو زوجة الابن لإعداد طعام الغداء، كما أعمل على ببيع بعض أنواع الخضار والطيور التي نقوم بتربيتها إلى جانب منتجات الألبان"، مضيفةً أنهن مع حلول الظلام تعدن إلى المنزل وهن منهكات لا تقوين على القيام بأي عمل كونهن تعملن طوال النهار في الحقول"الرجال لا علاقة لهم بإدارة أمور المنزل، هم فقط يقومون بحراثة الأرض وتجهيزها للزراعة، بينما يقع على عاتق النساء بالإضافة لما سبق خدمة أزواجهن وأبنائهن، فقد زرع المجتمع في أذهانهن أنه هذه سنة الحياة لتبرير الحمل الزائد الذي يقع على عاتقهن".

وأكدت سمية عمر أن أكبر همومها هو تأخر ابنتها في العودة إلى المنزل كونها تعمل في أحد المصانع، لذلك يضطر أخوتها لانتظارها حتى لا تمشي لوحدها بين الحقول ليلاً وهي في طريق العودة، لافتةً إلى أن "الفتيات في القرى يتم تقييدهن بقوانين صارمة بحجة الخوف عليهن، لذلك فتزويجهن مبكراً حل آمن لحمايتهن، كما أن النساء في القرى نتيجة الضغوط المعيشية يحرمن من حقهن في التعليم والميراث".

وتعقيباً على حياة النساء في الريف وما يقع على عاتقهن من مسؤوليات كثيرة، أكدت أخصائية التربية الخاصة العاملة على إدماج ذوي الهمم باستخدام الفن رحاب المهداوي، أن المرأة في مدينة الشرقية تقوم بالعديد من الأعمال والمهام في سبيل ضمان مستقبل أفضل لأسرتها مما قد يدفعها لتحمل الكثير من الأعباء والضغوطات في سبيل تحقيق ذلك، لافتةً إلى أن طبيعة المجتمع محافظة للغاية فهو ليس ريفي بفعل الزراعة وحدها، بل لها مسار مختلف عن العاصمة القاهرة وهناك الكثير من الممارسات والأعمال التي تمنع الفتيات والنساء من فعلها بحجة أنها غير لائقة".

وعن المهام الملقى على عاتق النساء في الريف قالت إنها "متنوعة وواحدة منها ربة المنزل الحريصة على مصلحة أطفالها خصوصاً وأسرتها عموماً، في هذا النموذج على المرأة الاستيقاظ باكراً لتنجز مهام بيتها من نظافة وتحضير للطعام، وهناك المزارعات اللواتي تخرجن للعمل في الأراضي الزراعية مع بزوغ الشمس حتى غيابها، وهناك أيضاً اللواتي تخرجن للعمل في الأسواق، وإجمالياً المرأة الريفية لا تكل ولا تتوانى عن القيام بعملها سواء في المنزل أو خارجه".

ونساء القرى الريفية تعانين من الانغلاق الشديد وهو الأمر الذي قد يقضي على طموحاتهن، خاصة أن الإمكانيات الموجودة في القاهرة غير متوفرة في الريف لتلبية تطلعات الفتيات والنساء هناك، هذا ما أكدت عليه رحاب المهداوي "تعمل النساء جنباً إلى جنب مع الرجال في كافة الأعمال الزراعة وبيع المنتجات، فهن فعلياً تتحملن الكثير من الأعباء وتبذلن الكثير من الجهد، والمجتمع الريفي لا يعرف شيئاً عن الرفاهية والاهتمام بالذات، فقط يكرس حياة النساء للعمل المتواصل سواء في المنزل أو خارجه ولا يفصلهن عن العمل سوى نوم ساعات قليلة ليلاً"، معتبرةً أن المناسبات والاحتفالات المتنفس الوحيد لهن، حيث تشارك النساء فيها وتلبسن أفضل ما تملكن من الملابس والحلي وتحضرن لذلك على مدار فترة طويلة كونه المنفذ والمتنفس الوحيد بعيداً عن العمل وواقعهن الروتيني وهو أمر لا يهتم به سكان المدنية".

وأكدت رحاب المهداوي أن النساء لا تخرجن بعيداً عن القالب التقليدي في العمل والمتعلق في أغلب الأحيان بالأعمال المنزلية وعدد قليل من الأسر تسمح للفتيات بالعمل خارج المنزل، لافتةً إلى أن نساء الشرقية لا تجدن أمامهن سبل متاحة لتسويق منتجاتهن، إلا من خلال ما يطلق عليه "الأوبن داي"، حيث يسمح لهن باستئجار طاولات تضعن عليها منتجاتهن لعرضها وقد لا يكون هناك إقبال على الشراء وبالتالي تخسر المشاركة ولا تحصل على أية أرباح.

وعن الحلول التي يمكن تقديمها لدعم النساء قالت "منها استغلال مراكز الشباب المنتشرة بعد تأمينها حتى تكون المكان المناسب لعرض منتجات النساء ومساعدتهن على العمل وتوفير ثمن المشاركة عليهن، وأيضاً لكون المراكز ذات مواقع معروفة ويسهل الوصول إليها في أغلب المناطق وهو ما يترتب عليه وجود إقبال جماهيري مما يضمن التسويق".

وحول الأزمات التي تواجه النساء في الريف قالت "تتمثل قلة وسائل الانتقال من وإلى القرى وارتباطها بمواعيد محددة واحدة من أكبر التحديات التي تواجههن، وهو الأمر الذي يحول دون خروجهن خوفاً عليهن ولا تستطيع الكثير منهن العمل والانتقال للمدينة سواء داخل الشرقية أو القاهرة"، معتبرةً أن مسألة المواعيد والمواصلات واحدة من كبرى الأزمات في المناطق الريفية، حيث تعرض حياة الفتيات للخطر ولابد من خروج ذويهن لاستقبالهن بمجرد غروب الشمس خوفاً من تعرضهن للاغتصاب أو السرقة وغيرها من المخاطر المقرونة بحلول الليل.