ختان الإناث في مصر وكفاح الـ 100 عام للقضاء عليه

تحارب مصر تشويه الأعضاء التناسلية للإناث منذ نحو 100 عام متواصلة، تلك الجريمة التي لها تأثير نفسي وثقافي ومرجعي متجذر، واجهت إلى حد كبير هذه الجهود محاولاً مقاومتها بكل قوة، وهو الأمر الذي عرقل جني ثمار أكبر في هذا الملف لسنوات طويلة.

أسماء فتحي

القاهرة ـ مازالت موجة احتفاء مصر بيومها الوطني لمناهضة ختان الإناث مستمرة، حيث تعمل مؤسسات المجتمع المدني بشكل عام والنسوي منها على وجه الخصوص على إبراز حجم تلك الظاهرة وآثارها المجتمعية الراسخة في نفوس المواطنين نظراً لمجموعة من العادات والثقافات المتوارثة.

في خضم ذلك الاحتفاء آثرنا أن نسلط الضوء على ما تم من إجراءات وأحياناً إخفاقات في هذا الملف الشائك الذي ظل لسنوات طويلة الحديث عنه "عيب" ولا يصح لما له من تأثير على وعي الأطفال سابق لسنهم وهو الأمر الذي تمت مواجهته بقوة بعد صدمة مفارقة الفتيات للحياة على يد أطباء جراء هذا الاعتداء، وكانت الطفلة بدور شاكر الشرارة التي ألهبت النفوس للصراخ الرافض له بصوت مرتفع ناقم على ما يحدث.

ومنذ أن قتلت بدور شاكر الشرارة على يد طبيبة أثناء تحضيرها لعملية الختان وتم شحذ الهمم لمناهضة هذا الجرم ومكافحة جميع ملابساته من خلال تنمية الوعي المجتمعي بخطورة الاعتداء على الإناث في هذا السن وتم اعتبار يوم وفاة تلك الطفلة هو التاريخ وطني لمناهضة تلك الجريمة محلياً.

 

الجهود الحكومية لمكافحة ختان الإناث في مصر والرواد الأوائل

بدأت جهود مكافحة "ختان الإناث" في مصر عام 1959 بصدور قرار من وزير الصحة رقم 74 بحظر إجراء الختان بوحدات ومستشفيات وزارة الصحة، ويسجل التاريخ عدد من أيقونات النضال ضد ختان الإناث منذ وقت مبكر، منهن "ماري أسعد" والتي بدأت أبحاثها المناهضة له في خمسينات القرن الماضي وأسست مركز متخصص في تقديم المعلومات وتوثيق الأبحاث الخاصة بالختان، كما شاركت في التحضير للمؤتمر الدولي للتنمية والسكان الذي انعقد في مصر عام 1994.

 وكذلك "عزيزة حسين" والتي كانت من أوائل من خاضوا معارك مكافحة ختان الإناث، ونشر ثقافة تنظيم الأسرة على المستوي المحلي والدولي.

والسفيرة "مشيرة خطاب" والتي أسهمت بدور كبير في تغيير ثقافة المجتمع تجاه تلك الممارسة وتحويلها من "عادة" اجتماعية مقبولة إلى جريمة يعاقب عليها القانون بصدور القرار الوزاري رقم 271 لعام 2007 بمنع عمليات الختان، ثم تجريمها بإضافة المادة 242 لقانون الطفل رقم 126 لعام 2008، وتغليظ عقوبة كل من ساهم في عملية ختان أنثى، لتصبح في السجن مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تزيد عن سبع سنوات بموجب القانون 78 لعام 2016.

وصدر البرنامج القومي لمناهضة ختان الإناث عام 2003، والذي توسع ليصبح "البرنامج القومي لتمكين الأسرة ومناهضة ختان الإناث"، وقد ساهم في خفض المؤشرات القومية لممارسة الختان إلى 61% عام 2014 للفئة العمرية بين 15 إلى 17 سنة.

ويعرف القانون ختان الإناث بأنه "إزالة أيا من الأعضاء التناسلية الخارجية بشكل جزئي أو تام أو إلحاق إصابات بتلك الأعضاء دون مبرر طبي وتكون العقوبة بالسجن المشدد إذا نشأ عن هذا الفعل عاهة مستديمة أو إذا أفضى الفعل إلى الموت".

ودشنت الحكومة "الاستراتيجية القومية" لمناهضة ختان الإناث 2016-2020 والتي هدفت لخفض معدلات ختان الإناث عبر تفعيل إنفاذ القانون والقرارات الوزارية ومعاقبة ممارسيه.

 

السياق الدولي لمكافحة الختان

بدأت الجهود الدولية لمواجهة الختان بدعوة المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة لمنظمة الصحة العالمية لدراسة العادات الشعبية التي تخضع لها الفتيات في مجتمعاتها وتشمل العنف والممارسات الضارة بالنساء ومنها عادة الختان، وشهد عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي ارتفاع مستوى الوعي بحقوق المرأة عالمياً وشمل ذلك نشاط متزايد للمنظمات الإنسانية لرفع الوعي بالآثار الضارة لختان الإناث على صحة الفتيات والنساء.

بينما كانت بداية الجهود الإقليمية ندوة عقدتها منظمة الصحة العالمية في الخرطوم عام 1979 حول الممارسات التقليدية الضارة بصحة المرأة، والتي أطلقت دعوتها بإدانة ختان الإناث بكافة أشكاله بما في ذلك الإطار الطبي والصحي، وأسس اللقاء لجنة إفريقية مشتركة حول الممارسات التقليدية التي تمس صحة المرأة والطفل.

وكانت اتفاقية "القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة" الصادرة عام 1979 منعطف حاسم في تنشيط جهود مكافحة الختان، كما قدم مؤتمر فيينا الدولي لحقوق الإنسان المنعقد عام 1993، ومؤتمر بكين لحقوق المرأة المنعقد عام 1995، دفعاً كبيراً للجهود الدولية في مجال مكافحة الممارسات الضارة بالمرأة وعلى رأسها الختان.

 

الرؤية الدينية لختان الإناث

شكلت الرؤية الدينية السائدة عائقاً كبيراً لجهود مكافحة ختان الإناث لزمن طويل، حيث اعتقد عامة الناس أن الختان سنة إسلامية وتم الترويج لأحاديث تدعم تلك الرؤية. وشهد عام 2008 تطوراً حاسماً في هذا الأمر بعد أن قرر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف بإجماع أعضائه أن "الختان لم ترد فيه أوامر شرعية صحيحة وثابتة لا بالقرآن ولا في السنة، وأنه مجرد عادة انتشرت في إطار فهم غير صحيح للدين، وقد ثبت ضررها وخطرها على صحة الفتيات وفق ما كشفت عنه الممارسات التي أزعجت المجتمع في الآونة الأخيرة".

واستقر الرأي الطبي والشرعي أن ختان الإناث عادة ضارة ولا تستند علي أي سند أو دليل من الشريعة الإسلامية، وبذلك يجب حظره وإيقاع العقاب على من يزاوله.

ورغم حسم شيخ الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية للأمر وتأييدهم لكافة القوانين التي تجرم ممارسة ختان الإناث، تظل الرؤية الدينية المحافظة تلقي بظلالها على أعداد كبيرة من المواطنين المشبعين بها والتي ما تزال تعتقد أن الختان سنة دينية ويجب اتباعها، وما تزال المواجهة مستمرة بين وجهتي النظر في المجتمع رغم التراجع النسبي في نسب النساء التي يتم ختانها والنجاح الملحوظ للجهود الرسمية والشعبية لمواجهة تلك الجريمة.

 

جهود المجتمع المدني لمناهضة ختان الإناث

ساهمت جهود المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني في رفع الوعي المجتمعي بخطورة ختان الإناث وتنشيط الجهود الحكومية في الحظر ثم التجريم الرسمي والقانوني.

وشملت الجهود عدداً كبيراً من المنظمات والجمعيات الأهلية المهتمة بشئون المرأة وحقوق الإنسان، والتي سعت لتكامل جهودها من خلال تأسيس "الاتحاد النوعي لمناهضة الممارسات الضارة بالمرأة والطفل" و"ائتلاف الجمعيات الأهلية لمناهضة ختان الإناث".

وتنشط منظمات المجتمع المدني في مجالات رفع الوعي عبر النشرات الدعائية والندوات والقوافل الطبية، والتي تقدم معلومات طبية وصحية وقانونية توضح خطر ممارسة الختان على صحة المرأة والفتاة، كما تعرض لأبعاد الممارسة المجرمة في القوانين وعقوبة من يصر علي إجرائها أو المشاركة فيها.

كذلك ساهمت أنشطة المجتمع المدني في دفع الحكومة لتبني موقف أكثر تشدداً من تلك الجريمة بدءاً من رفع الغطاء الشرعي عنها مروراً بحظرها في المؤسسات الصحية التابعة للدولة ووصولاً لتجريمها قانونياً وتشديد العقوبة على مرتكبيها.

وفي تطور لافت قامت عدد من المنظمات بالتعاون مع المجلس القومي للمرأة وهيئة الأمم المتحدة للمرأة بإعداد فيلم يعرض جماهيرياً عنوانه "بين بحرين" أنتج في تشرين الأول/أكتوبر الماضي ويجري عرضه في المحافظات المختلفة، يناقش قضايا الختان والعنف الأسري والحرمان من التعليم، سعياً لمواجهة الممارسات المغلوطة وتوفير حياة خالية من العنف وأكثر آمنا للنساء.