ختان الإناث... آفة متوارثة تدفع ضريبتها الفتيات
يحتفي المجتمع الدولي باليوم العالمي لعدم التسامح المطلق مع تشويه الأعضاء التناسلية للفتيات "مناهضة ختان الإناث"، وهو الأمر الذي تفاعلت معه الكثير من المؤسسات النسوية على الصعيد المحلي من خلال منصاتهم الإعلامية وبياناتهم وحملاتهم.
أسماء فتحي
القاهرة ـ يعمل المجتمع المدني منذ أكثر من 30 عام على قضية منع ختان الفتيات وطوال تلك المدة تتم العملية ببطء شديد إلى أن لاقت قبول مؤخراً لدى الإرادة السياسية وتمت على إثر ذلك تعديل القوانين وتجريم تلك الظاهرة ووضع عقوبات واضحة لمرتكبيها بل والمحرضين عليها، وهو الأمر الذي اعتبره المعنيين بقضايا النساء "جني للثمار" بعد سنوات من التعب.
خلال الأعوام الثلاثة الماضية، بات لدى النساء قدرة على الإفصاح عن مشاعرهن تجاه تلك الجريمة وروت الكثيرات شهادتهن التي لم يمحو الزمن آثارها السلبية على أجسادهن وحالتهن النفسية، وتزامن مع ذلك تعديل القوانين وتجريم تلك الظاهرة وكذلك العمل على التوعية من المجتمع المدني نسوي كان أو غير ذلك فضلاً عن تبني مؤسسات الحكومة المعنية لحملات مناهضة في سياق متصل أيضاً.
قالت محامية النقض ورئيسة أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون انتصار السعيد إن مؤسستها نشرت مجموعة من شهادات الفتيات حول ما تعرضن له من أزمات نتيجة الختان، فضلاً عن إصدار ورقة خاصة بتلك الجريمة باعتبارها تعذيب ضد الإنسانية وهو الأمر الذي يجعلها لا تسقط بالتقادم.
وأوضحت أنهم في ورقتهم البحثية وقفوا على مجموعة توصيات منها تأسيس المفوضية الخاصة بمناهضة جميع أشكال التمييز طبقاً لنص المادة 53 من دستور 2014 لمنع التمييز بين المواطنين والمواطنات، مطالبين بضرورة العمل على تعديل المادة 99 من قانون العقوبات لجعل الختان جريمة لا تسقط بالتقادم.
وشددت على ضرورة العمل على حماية الشهود والمبلغين والخبراء فيما يخص قضايا ختان الفتيات وذلك لأن القضايا القليلة المبلغ عنها في الختان تعرض فيها المساندين للضحية لمعاملة سيئة من ذويها.
وأكدت على ضرورة تفعيل وضمان إنفاذ القانون فرغم وجود تعديل قانوني في 2021 يؤكد أن العقوبة على كل من يجري عملية الختان 7 أعوام في حال إحداث عاهة و10 أعوام في حالة الوفاة ومعاقبة المحرض على الجريمة أيا كان شكل ترويجه لها، إلا أن الأمر مازال يتطلب ضمانة لتنفيذ هذا القانون.
التغيير بطيء ولكنه قائم
حالة من الإحباط قد أصابت البعض بعد نتائج المسح السكاني الصحي الأخير في قضية الختان نظراً لأن التراجع في النسب لم يكن يرقى لمعدلات العمل على تلك القضية لأكثر من 30 عام، إلا أن انتصار السعيد رأت فيه بادرة أمل لرصده حدوث انخفاض فعلي في النسبة من 97% لـ 86%.
وأوضحت أن الآمال كانت أكبر من نتائج البحث ولكن التغيير موجود ويعطى الأمل وإن كان بطيئاً إلا أنه موجود بالفعل، مضيفةً أن الفترة الحالية تتطلب تضافر جهود المجتمع المدني ومؤسسات الدولة للقضاء.
ضمان تنفيذ قوانين تحمي الفتيات
أكدت محامية النقض ورئيسة أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون انتصار السعيد على ضرورة العمل على تنفيذ القوانين على أرض الواقع وحماية الفتيات من انتهاكات تلك الأفكار، معتبرة أن الجهود السابقة في التعديلات التشريعية كانت هامة جداً ويبقى العمل على تنفيذها وهو تحدي كبير ينتظر الجميع العمل عليه من أجل القضاء على تلك الظاهرة المنافية للإنسانية.
وأضافت أن الأسر التي مازالت تمارس جريمة تشويه أعضاء الفتيات التناسلية عليهم التراجع عن ذلك وتوفير الحماية والدعم لهن بدلاً من انتهاك أجسادهن صحياً ومعنوياً.
ومن جانبها أكدت مسؤول حملات المناصرة والدعم بمؤسسة إدراك للتنمية والمساواة مي جمال، أن تراجع نسبة الختان في المسح السكاني الصحي الأخير مؤشر جيد ودليل على حالة الزخم التي خلقها المجتمع المدني وكذلك المؤسسات الحكومية في التوعية بأخطار جريمة تشويه أو بتر الأعضاء التناسلية للفتيات خلال الفترة السابقة.
وعن أسباب ضعف النسبة المعلن عن تراجعها أوضحت أنهم رصدوا ارتفاع في معدل ارتكاب تلك الجريمة في وجه قبلي على وجه التحديد وفق احصائيات "المرصد" التابع لهم وهو الأمر الذي يدل على مركزية توزيع الجهود والتركيز على المحافظات الكبرى.
نسبة الإبلاغ ضعيفة وهذه أبرز الأسباب
كشف المرصد البحثي التابع لمؤسسة إدراك للتنمية والمساواة معدل الإبلاغ الضعيف في قضايا الختان ليسجل في عام 2020 حالة وفاة واحدة وثلاثة بلاغات، وفي 2021 رصد حالتين فقط منهم طفلة عمرها 40 يوم قتلت أثناء ختانها على يد "داية" في محافظة سوهاج وأخرى عمرها 12 عام بمحافظة القليوبية، بينما لم يتم تسجيل أية حالات في عام 2022 سوى القبض على طبيب أسيوط.
وأوضحت أن تراجع نسب التبليغ لوجود قبول مجتمعي لتلك الجريمة معتبرة أن حملات دعم الفتيات ومناهضة الختان التي يتم إطلاقها تكشف بوضوح عن ذلك، وكذلك القوافل التوعوية تلمس حجم التستر على مرتكبي تلك الجريمة من داعية في مسجد لطبيب لأهالي قرروا فعلها وهو الأمر الذي يسمح باستمرار ارتكاب تلك الجريمة.
وأشارت إلى أن الإبلاغ عن الأهل أمر صعب لذلك يتم التستر على مرتكبي الجريمة، فضلاً عن وجود موروثات وعادات وتقاليد داخل المجتمع تربط ختان الفتيات بالعفة والأخلاق، بل يرونه حماية لهن دون إدراك منهم أن العفة موطنها العقل وليس الجسد.
وأضافت أن نسبة ختان الفتيات في المدن الكبرى وبين الأوساط المتعلمة تنخفض ولكنها مازالت موجودة في الصعيد والأحياء الشعبية والعشوائية وهو أمر يؤكد على أهمية التعليم في تحجيم تلك الظاهرة والقضاء عليها، موضحةً أن الحكومة عليها تذليل السبل أمام المبلغات وتشجيعهن وكذلك على المجتمع المدني أن يعمل أكثر في ملف التوعية الجماهيرية بخطورة وأضرار تلك الجريمة.