كاتبات من غزة يروين تجاربهن الأدبية خلال فترة الحجر الصحي
عند الحديث عن فايروس كورونا والحجر الصحي المفروض إثره، يتبادر فوراً إلى ذهن القارئ حالة الملل التي خلقها المكوث بالمنزل لفترات طويلة دون عمل أو تحويل ذلك العمل لإلكتروني من خلال أجهزة الحاسوب
رفيف اسليم
غزة ـ , لكن تلك الحالة لم تسيطر على العديد من الكاتبات في غزة، بل استفدن من الفرصة لينتجن خلالها العديد من النصوص الأدبية المختلفة.
تحدثت عدة كاتبات من قطاع عزة لوكالتنا عن أعمالهن الأدبية وتجربتهن في الكتابة خلال فترة الحجر الصحي إبان جائحة كورونا.
تقول الكاتبة والإعلامية من قطاع غزة هداية شمعون، أن الحجر المنزلي منحها فرصة للقراءة والاطلاع أكثر على الأدب العربي والعالمي كما منحها فرصة لإنهاء العديد من المخطوطات الأدبية التي كانت بحاجة لوقت فراغ وسكينة مع النفس كي تنجزها بالشكل الذي ترغب فيه, ملفتةً أن خطر الإصابة بفايروس كورونا كان يلازمها هي وأفراد عائلاتها طوال الوقت, لكنها حاولت أن تتناساه مع اتباعها لكامل الإجراءات الوقائية.
وتكمل هداية شمعون أن فايروس كورونا جعلها تتنبه ككاتبة لقضايا أكثر تفصيلاً في مجتمعها كمشكلات القطاع الصحي والأغلبية الصامتة من الشباب والنساء, مكملةً أنها حاولت توثيق تلك القضايا في نصوص أدبية تعكس الحالة المكانية والزمانية لقطاع غزة, لكي تخبر العالم الخارجي أن أهالي غزة لديهم أحلام وطموحات وقادرين على تحويل الواقع السوداوي لدافعية وأمل يساعدهم على إكمال الحياة بجميع تفاصيلها.
وتوضح هداية شمعون أن الأدباء في قطاع غزة يعانون من قضايا أكثر تعقيداً منها "الاحتلال الإسرائيلي", العدوان المتكرر وفقدان الأمن والأمان, وعدم وجود جهات ترعى الأعمال الأدبية مثل وزارة الثقافة إضافة إلى المقاومة الدائمة للإحباط وفقدان الأمل, مكملةً أن الأدباء ولأول مرة يشاركون العالم الألم والمعاناة ذاتها خلال فترة انتشار فايروس كورونا لينتقلوا بذلك من حالة مخاطبة النفس إلى مخاطبة العالم وفهم لغته.
وتكمل أن تجربتها في الكتابة الأدبية تتجاوز العشرين عام فقد بدأت الكتابة في المرحلة الثانوية, ونشرت أولى أعمالها وهي لا تزال طالبة بالجامعة, قائلةً أنها أنتجت خلال السنوات السابقة عدة مجموعات قصصية منها "ابنة البحر", و"أنامل الروح تسبقني" , و"على باب الصمت", كما تعمل خلال الفترة الحالية على مجموعة قصصية جديدة تحاكي الاغتراب.
وتضيف هداية شمعون أنها قد ألفت عدة روايات مثل "الحب لك والحرب لي", "لاماشتو والواوي" التي كتبتها خلال عزلة كورونا وتكمل الآن متابعتها لإصدارها ورقياً, ملفتةً أن تلك الرواية تتحدث عن ماذا أرادت أن تقوله الأنثى الأولى على الأرض، وما الحديث الذي ترغب الجدات والأمهات بقوله لنا؟ هل الإيمان وجه من وجوه الجمال؟ من هي لاماشتو ولماذا تعود لكوثر؟ هل تقتل كوثر زوجها كما تقول الحكاية؟ وهل يحزن أهل القرية أربعين يوماً عليه؟
وتشير هداية شمعون أنها تفضل الكتب الإلكترونية لأنها تصل لكافة دول العالم كما أن تجربتها مع الطباعة داخل قطاع غزة أو خارجه لم تكن سهلة فالطباعة بالخارج ترافقها معاناة السفر بالتالي قد لا تتمكن من حضور حفل توقيع الكتاب بفعل ظروف المعبر السيئة في القطاع, وكذلك الحال إن تم مشاركة أحد أعمالها بالمهرجانات الدولية أيضاً.
وبالنسبة للأعمال الأدبية تقول هداية شمعون أن الكتب بالنسبة لها كأولادها فهي تعتبر تلك النصوص الابن الثالث لها, ولهذا السبب فكرت في تحويل كتاباتها لمادة مرئية ليشاهدها الجميع في قطاع غزة وخارجها خاصة في ظل فايروس كورونا وإجراءات الوقاية المتبعة.
وكان لغادة القصاص تجربة مختلفة خلال فترة كورونا, فتشير أنها في بداية الحجر توقفت عن الكتابة ولم تنجز أي عمل جديد بسبب زواجها, لكنها عادت للكتابة الأدبية بأسلوب وشغف جديد, لتروي قضايا لامستها مؤخراً تخص المرأة والحياة الاجتماعية وغيرها من الأمور التي تصطدم بها الفتاة بعد الزواج وانخراطها في تحمل المسؤولية إلى جانب صعوبات المرأة العاملة ومرحلة الأمومة.
تستذكر غادة القصاص أعمالها الأدبية فتقول أن قصة "باب المخيم" و"طريق الموت والنجاة" و"مقهى الأمل البائس" و"اغتيال ذاكرة", هي أقرب الكتابات إليها وقد نشرت العديد من تلك الأعمال في مجموعات قصصية مشتركة مع ثلة من الكُتاب الشباب تحت إشراف جمعية الثقافة والفكر الحر في قطاع غزة, ملفتةً أنها الآن تستعد لإصدار كتابها الأول في ظل كورونا تحت عنوان "مدينة البكاء".
وتضيف غادة القصاص أن فكرة القصة أو النص الأدبي تأتي غالباً من الواقع، عندما تقرأ خبر أو تسمع نشرة أخبار أو تشاهد فليم أو مسلسل، لتندمج معها منتجة لوحة قصصية تجمع ما بين الواقع والخيال, مكملةً أن تلك الأعمال بالنسبة لها هي جزء لا يتجزأ منها وتمثل ثمار جهد ليالي وأيام طوال ممزوجة بمشاعر الألم و الدموع والضحكات التي تندمج مع النص لتخرج تلك الحالة أي مضمون النص.
وبالعودة للمرحلة التي اكتشفت غادة القصاص بها موهبتها تقول أن بدايتها كانت خلال المرحلة الابتدائية، فتحولت من قارئة للمجموعات القصصية إلى كاتبة لها، وقد ساعدها حفظها للقرآن الكريم في عمر الثانية عشر في تطوير موهبتها, مضيفةً أن لدعم وتشجيع أسرتها ومعلميها دور كبير بمتابعتها لمختلف الأعمال الأدبية, وحضورها جلسات النوادي والصالونات الأدبية التي أصبحت فيما بعد عضو أساسي فيها.
فيما لا تنسى الكاتبة شروق دغمش أول نص قد كتبته والذي كان عبارة عن قصيدة نثرية عن القدس، في المرحلة الإعدادية وقد لاقت موهبتها في نظم الشعر دعم كبير من قبل أسرتها وصديقتها, مضيفةً أن للكاتبة بُشرى أبو شرار دور كبير في دعمها لإيمانها بقدراتها وتشجيعها على كتابة العديد من النصوص الأدبية التي تميزت بالواقعية، فهي تكتب عن أي قضية أو موضوع يلامسها.
وتعدد شروق دغمش بعض عناوين أعمالها الأدبية وهي "بصوتٍ خافت"، "بين يديها وسادة"، "يحوَّم في الليل"، "وجدت جثتي"، "اصطدمت بخيبتي"، "كحبتي فراولة"، "رغم يقيني"، "بين يديها الخشنتين", "قُتِلت في مثل هذا الوقت", إضافة لعشرات الأعمال الأخرى سواءً كانت قصائد أو نثر أو قصص, ملفتةً أن تلك الأعمال تمثل حياتها التي لولاها لكانت في عالم الأموات.
وتلفت شروق دغمش أن أزمة كورونا كانت بمثابة فترة انتقالية لها عملت على تجديد فكرها, كما أن متابعتها للوضع الوبائي ألهمها الكثير من الأفكار التي من الممكن أن تبني عليها عدة نصوص قادمة, مشيرةً أنها كتبت مجموعة قصصية جديدة في الفترة الحالية لا علاقة لها بالأزمة, كما بدأت حديثاً بكتابة سيناريو سينمائي من رواية "قمر في الظهيرة" للكاتبة بشرى أبو شرار.