حين يصبح الحلم أقوى من الجراح... امرأة يمنية نموذج للإصرار

رضية شمسان، امرأة يمنية تحدت الألم والحرمان لتصنع قصة نجاح ملهمة، جمعت بين صلابة الأمومة وإصرار التعلم، رغم غياب أبنائها وظروفها القاسية.

رانيا عبد الله

اليمن ـ "غياب أولادي وقلقي عليهم أرهقني كثيراً، ورغم ذلك أصريت على أداء الاختبارات، وإن كان قلبي مشغولاً بأبنائي"، بهذه الكلمات عبرت رضية شمسان عن قلقها على أولادها المخفيين قسراً منذ عامين، فهي كأي أم تشعر بالعجز والقلق على مصير أبنائها، لكنها اختلفت عن كثير من الأمهات، إذ أصرت رغم ظروفها الصعبة، على إكمال تعليمها وأداء اختبارات الثانوية العامة، لتحصد ثمار جهدها بمعدل 76%.

رضية شمسان (52 عاماً) من مديرية المعافر بمدينة تعز جنوب غرب اليمن، لم تكن قصتها عادية ولا نجاحها عابراً، بل كانت قصة كفاح لامرأة طموحة واجهت الحياة بكل صلابة، وقالت "لا للمستحيل".

لم تستسلم لحرمانها من التعليم وهي طفلة، بل أصرت على انتزاع حقها في التعلم، وتقول "حين كنت في سن الدراسة كان أهلي يقولون لي: المدرسة للأولاد فقط، أما الفتيات فعليهن القيام بالزراعة ورعي الأغنام. ومنذ ذلك الحين ظل التعليم حلمي وهاجسي".

 

أم استثنائية وصلبة

قبل أن تنجح في الثانوية، نجحت رضية شمسان أن تكون "أماً استثنائية"، فهي أم لتسعة أبناء كرست وقتها لتربيتهم وتعليمهم "تزوجت وأنجبت أطفالي، وتفرغت لتربيتهم، وأنفقت على المنزل. تعلمت الخياطة وأحضرت ماكينة للعمل من البيت حتى أوفر لأولادي احتياجاتهم".

انشغلت رضية شمسان بأولادها وبأعباء الحياة، لكن موقفاً ما أعادها إلى حلمها القديم، حين دربت نساءً في قريتها على الخياطة، طُلب منها إعداد كشف بأسماء المتدربات وقياسات الموديلات، لكنها لم تكن تعرف القراءة أو الكتابة، وتضيف "انتُخبت من مجلس القرى كوني متميزة في الخياطة، وهناك قررت الالتحاق بمركز محو الأمية".

 

من محو الأمية إلى الثانوية

فرحت رضية شمسان عندما تعرفت على الحروف وبدأت بتركيب الكلمات "ساعدني أولادي في التعلم، وأول كلمة كتبتها بشكل صحيح جعلتني أفرح فرحاً كبيراً".

أكملت المرحلة الابتدائية عبر مراكز محو الأمية، ثم التحقت بالمدرسة مع طلبة المرحلة الإعدادية. واجهت التنمّر من بعض الطلبة الذين كانوا يسخرون من سنها، لكنها تغلبت على خجلها بفضل دعم معلميها الذين وعّوا الطلاب بأهمية احترام الكبار، وتقول "أصبح كل الطلبة ينادونني (ماما رضية) وصرتُ زميلتهم المقربة، وتمكنت من إكمال تعليمي رغم الصعوبات".

وتختتم رضية شمسان حديثها  بابتسامتها الجميلة "حلمي الأول تحقق، الآن أسعى لتحقيق حلمي الثاني، فقد بدأت إجراءات الالتحاق بالجامعة وسأختار تخصص نظم المعلومات. هذه المرة سأسير بخطوات واثقة، وأشعر بالفخر".

 

الثانوية رغم الجراح

لم يكن الطريق ممهداً خصوصاً مع غياب أولادها المخفيين قسراً، لكنها تحدت حزنها وأكملت الثانوية بمعدل 76%.

بدورها أكدت المعلمة هدى ياسين من مركز محو الأمية بمديرية المعافر أن "رضية شمسان نموذج ملهم لإصرار الأمهات على التعليم. أنصح كل الأمهات المحرومات من التعليم بالالتحاق بمراكز محو الأمية، وألا يجعلن العمر عائقاً أمامهن".

وأضافت أن المراكز تعاني نقصاً في الكتب وقلة الكوادر والأجهزة، مشددة على ضرورة دعمها خصوصاً في الأرياف "يجب على مكاتب التربية وجهاز محو الأمية دعم هذه المراكز وتوفير الكتب والأدوات اللازمة".

 

بين القانون والواقع

كان المجلس التشريعي في اليمن قد أقر القانون رقم (28) لعام 1998 بشأن محو الأمية وتعليم الكبار، لضمان تنظيم العملية التعليمية في كل المدن، لكن وفق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن مراكز محو الأمية على وشك الانهيار إذا استمرت التحديات دون معالجة، مما يهدد آفاق التعافي التعليمي والتنمية الاجتماعية على المدى البعيد.