حصارٌ سوري وقصفٌ تركي... مهجرو عفرين مصممين على المقاومة والصمود

يواجه مهجرو عفرين القاطنين في قرى مقاطعة الشهباء وناحية شيراوا في شمال وشرق سوريا أصنافاً من المعاناة، فمن جهة حصار خانق يفرضه النظام السوري، ومن جهة أخرى قصف الاحتلال التركي وانتهاكاته ومجازره بحق المدنيين في ظل صمت دولي

روبارين بكر 
الشهباء ـ .
يعمد جيش الاحتلال التركي ومرتزقته إلى قصف ناحية شيراوا في مقاطعة عفرين المحتلة بشمال وشرق سوريا بشكل يومي، ويرتكب مجازر بقصفه الهمجي والوحشي بحق الأهالي، إضافة إلى إلحاق أضرار مادية بممتلكاتهم.
كما يعيش أهالي ناحية شيراوا أوضاعاً معيشية صعبة في ظل الغلاء والعقوبات المفروضة على سوريا، وارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية. فيما يفرض النظام السوري منذ ثلاث سنوات حصاراً خانقاً عليهم مانعاً فيه من وصول أبسط مقومات الحياة إليهم، وذلك عن طريق إغلاق المعابر وفرض الضرائب.
وقالت عضو لجنة المرأة في بلدة دير جمال بمقاطعة الشهباء نوران موسى أن "أردوغان ومرتزقته ومن خلال القصف العشوائي على ناحية شيراوا ومقاطعة الشهباء يحاولون دفع الأهالي لترك منازلهم وتهجيرهم قسراً"، مضيفةً أنه يحاول من خلال سياسية التغيير الديمغرافي التي بدأها في المنطقة، القضاء على الشعب الكردي وجذوره التاريخية. 
تاريخ أردوغان والدولة التركية مليء بالمجازر والأطماع التوسعية الاحتلالية العثمانية في الشرق الأوسط، والحديث لـ نوران موسى "احتلوا المنطقة لأكثر من 400 عام، ويسعون لإعادة أمجادهم العثمانية الطورانية مرة أخرى وخاصة في احتلال المناطق الكردية، هادفين إلى طمس الوجود الكردي".
واستمرت فترة سيطرة الدولة العثمانية لمنطقة الشرق الأوسط أربعة قرون، حيث بدأت رسمياً عام 1517 وانتهت عام 1917.
وبينت نوران موسى أن "الشعب الكردي اختار الخط الثالث للدفاع عن أرضه وحقوقه المشروعة وحريته، وهو خط المقاومة والحماية للحفاظ على ثقافته ولغته وتاريخه العريق، دون التعدي على أحد".
ونظراً لأن هذه المقاومة لا تروق لتركيا وأطماعها ورغبتها الهادفة لبسط نفوذها في المنطقة، تعمد باستمرار إلى ارتكاب مجازر وجرائم بحق الكرد "الاحتلال التركي يرتكب أفظع الجرائم والانتهاكات بدءً من التهجير القسري، وتطبيق سياسة التغيير الديمغرافي في المناطق التي احتلها أمام مرأى من العالم، بحجج واهية وهي الحفاظ على الأمن القومي". 
وأشارت إلى أن تركيا تلجأ إلى جانب هجماتها على المدنيين اتباع الحرب الخاصة كوسيلة أخرى لضرب إرادة الشعب والنيل من عزيمة المرأة والشبيبة "بوسائله المختلفة يسعى لكبت حرية النساء والشبيبة، وإبعاد الشبيبة عن المبادئ الأخلاقية، لتدمير مستقبلهم وإشغال فكرهم، وتحييدهم عن ساحات النضال".
وإلى جانب معاناة المهجرين والظروف المعيشية الصعبة في المخيمات، يفرض النظام السوري سياسة التجويع عليهم، من خلال الحصار الخانق ومنع عبور المواد الأساسية إلى الشهباء، وهذه الأساليب لا تختلف عن سياسة تركيا "هذه السياسة تدهور من الأوضاع الاقتصادية، وتحارب الشعوب بها لإخضاعهم لسيطرتها".
ويسمح النظام السوري بدخول 20 صهريج فقط كل شهر أو شهرين، في حين تحتاج المنطقة لـ 60 صهريجاً كل عشرة أيام، يمنع أيضاً دخول الأدوية والمستلزمات الطبية وخروج المرضى من أجل تلقي العلاج في حلب التي لا تبعد أكثر من 20 كم عنهم.
وعن الخدمات والمساعدات التي تقدمها الإدارة الذاتية الديمقراطية في شيراوا والشهباء اللتان يعيش فيهما نحو 700 ألف نسمة من سكان أصليين ومهجرين من عفرين، قالت "على الرغم من الظروف المعيشية الصعبة والحصار، وقلة الإمكانيات تؤمن الإدارة الذاتية الديمقراطية المستلزمات للأهالي دون تقصير، وتقف إلى جانب شعبها من خلال رفع معنوياتهم وتوعيتهم في جميع النواحي".
ونددت عضو لجنة المرأة في بلدة دير جمال بمقاطعة الشهباء نوران موسى بصمت المنظمات الإنسانية والحقوقية وعلى رأسها الأمم المتحدة لعدم إيقاف الهجمات والمؤامرات التي تستهدف الشعب الكردي والمكونات المتعايشة في مناطق الإدارة الذاتية "الحوادث التي تحصل في العالم تلقت تنديداً واسعاً كما في فلسطين، إلا أنهم لا يبدون أي موقف صارم إزاء ما يحصل بحق الشعوب في منطقتنا".
وقالت روهيف علّي من أهالي قرية عقيبة في ناحية شيراوا "رغم ارتفاع الأسعار وتطبيق قانون قيصر بحق الشعب السوري والحصار المفروض من قبل النظام السوري على المنطقة، نواجه هجمات الاحتلال التركي، الذي لا يفرق بين إنسان ولا طبيعة".
وقانون قيصر الذي يفرض عقوبات على كل من يقدم دعماً مالياً وتقنياً للنظام أو أي شخصية سياسية عليا فيه، أقر من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي في منتصف كانون الأول/ديسمبر 2019، بعد تسريب ضابط سوري منشق عُرف باسم قيصر لـ 55 ألف صورة توثق تعذيب المعتقلين في سجون النظام.
وذكرت أن اعتداءات الاحتلال التركي تؤثر سلباً على الناحية النفسية للأطفال "أدت الهجمات لخسائر فادحة في الممتلكات والأراضي الزراعية، وتسببت بمجازر بحق البشر، وزرعت الخوف والرعب في قلوب الأطفال الأبرياء".
وارتكب الاحتلال التركي بتاريخ الثالث من حزيران/يونيو 2021 جريمة بحق الطفلة زينب التي فقدت حياتها، وجرح والدها وأخاها إثر قصفه الهمجي على قرية كلوتيه. 
وعن مقاومتهم في وجه الهجمات أكدت "نحن صامدون لمجابهة العدوان التركي، ولن نترك أرضنا للمحتل، فالحصار والقصف لن يكونا عائقاً أمام مقاومتنا".
مبينةً أن الموت بكرامة على أرضهم أفضل من ترك ديارهم للمحتل التركي "لن نسمح لتركيا أن تُهجرنا مرة أخرى كما هجرتنا من عفرين، وبمقاومتنا في الشهباء سنعيد حقوقنا وأرضنا، لأننا أصحاب الحق، ولابد للحق أن يعود لأصحابه، وسيكون النصر حليفنا من كل بُد".  
وبدأت الهجمات التركية على عفرين في 20 كانون الثاني/يناير 2018، وانتهت باحتلال المدينة في 18 آذار/مارس بعد 58 يوماً من المقاومة، ارتكبت خلالها تركيا مجازر بحق المدنيين واستخدمت الأسلحة المحرمة دولياً.
فيما أشارت عضو مجلس شيراوا نارين إيبش إلى أن "ناحية شيراوا تتعرض بشكل يومي للقصف التركي بكافة الأسلحة الثقيلة المتطورة، مما يسبب خسائر مادية ومعنوية، كحرق المحاصيل الزراعية واستشهاد المدنيين ودمار المنازل وغيرها من الخسائر". مبينةً أن الاحتلال التركي يهدف من خلال قصفه واستهدافه للمدنيين، إلى تهجيرهم من منازلهم وكسر إرادتهم، والقضاء على مقاومتهم. 
وعلى مدار الأعوام السابقة تسبب قصف الاحتلال التركي باندلاع الحرائق في الأراضي الزراعية بالتزامن مع مواسم الحصاد، وهذا العام نشبت الحرائق المفتعلة في المحاصيل العائدة ملكيتها للأهالي.
وأشارت إلى أنهم في مجلس شيراوا يعملون على توعية الأهالي عبر عقد الاجتماعات وتنظيم المحاضرات، وزيارتهم في منازلهم، لرفع معنوياتهم ودعمهم في مقاومتهم "نعمل على تأمين المساعدات للأهالي وتوزيعها عليهم عن طريق الكومينات، وتقوم لجنة التموين بضبط الأسعار، ويعتمد الأهالي أيضاً على الثروة الحيوانية لتحقيق اكتفائهم الذاتي".  
واستنكرت نارين إيبش الصمت الدولي حيال ما يجري في الشهباء وشيراوا وفي عفرين المحتلة من انتهاكات وممارسات منافية للقوانين والمواثيق الدولية "أين منظمات حقوق الإنسان من جرائم أردوغان والنظام السوري؟، على المجتمع الدولي التحرك ورفع الحصار وإيقاف الاحتلال".