في ظل الافتقار للخدمات الأساسية نساء غزة تعانين من عنف مضاعف

في ظل الحرب المستمرة في قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 تتعرض النساء لكافة أشكال العنف اللفظي والنفسي والصحي في ظل غياب القوانين والمحاكم والمؤسسات النسوية التي كانت تعمل على قضايا النساء.

رفيف اسليم

غزة ـ تعتبر قضية العنف ضد المرأة قضية قديمة وحديثة يحكم تناميها في المجتمع نتيجة عاملين أساسين، أولهما طبيعة النساء وضراوتهن في الدفاع عن حقوقهن، والأخر هو كيفية عمل المؤسسات الحقوقية والنسوية في التمكين والدفاع، لكن تلك العوامل اختفت في قطاع غزة نتيجة الحرب، لذلك أصبحت النساء تعانين من عنف مضاعف في ظل الافتقار للخدمات الأساسية.

قالت المحامية والناشطة الحقوقية نورهان الطباطيبي، إن مناهضة العنف في قطاع غزة كان يتصاعد ما قبل الحرب، خاصةً في ظل العمل الدؤوب للمؤسسات النسوية التي مكنت النساء للوصول إلى الخدمات الأساسية، كما ساعدتها على تلقي الدعم القانوني المناسب ضمن منظومة متكاملة تعني بصحتها الجسدية، والنفسية وتعيد لها حقوقها.

ولفتت إلى أنه على الرغم من ذلك كانت تلك المؤسسات النسوية تواجه مشكلات في العديد من القوانين البالية التي تعود بعضها للحكم المصري للقطاع كالحضانة، والنفقة، والاستضافة، وغيرها إلا أنها دافعت عن المرأة الفلسطينية، لكن ما إن وضعت الحرب أوزارها حتى تجمد عمل تلك المؤسسات واختفت الخدمات المقدمة تاركة النساء وحدهن لتعدن إلى نقطة البداية.

وعن العنف الذي تعاني منه النساء خلال الحرب المستمرة، أضافت أن المرأة باتت تعاني من عنف مضاعف أحد أسبابه الأساسية الحرب بين الطرفين والحصار، وتجويع، ونزوح إجباري وقتل، ونصب حواجز، لافتةً إلى أنه منذ بداية الحرب في قطاع غزة بلغ عدد القتلى من النساء 70% وكأنه يعتمد قتل المرأة التي تنجب، وهذا ما جعلها تصمت عن المطالبة بحقها في رفع العنف عنها كونها تركض من مكان لآخر تريد النجاة بحياتها.

أما السبب الثاني وفقاً لنورهان الطباطيبي، هو العنف الاجتماعي وما يمارسه عليها الرجل من ضغوطات، فعندما تتعرض المرأة للعنف اللفظي أو الجسدي تصمت ولا تطلب العون من أحد كونها تريد البقاء بجانب أولادها لحمايتهم حين اشتداد الغارات الإسرائيلية، وحين تتعرض لعنف اقتصادي ويمنعها الزوج من الخروج للعمل وتخضع لأوامره كونها لا تجد مأوى آخر أو جهة حقيقة يمكنها حل مشكلتها.

ونوهت إلى أن العديد من النساء تفتقرن للخدمات الصحة الإنجابية وتضعن مواليدهن في ظروف صعبة ومؤلمة، كما أن العديد من صاحبات الأمراض المزمنة والمناعية، باتوا لا يجدون دواء لهن مما فاقم أوضاعهن الصحية، عدا عن العشرات اللواتي توفين وهن تصارعن المرض كمريضات السرطان وغيرهن.

وقالت إن الحرب زادت من ارتفاع حالات العنف نتيجة غياب المحاكم أو مراكز التبليغ، ولجان الطوارئ القانونية، مشيرة إلى أن افتقار المؤسسات النسوية لخطة طوارئ وكأن غزة لأول مرة تعيش حرب، وعدم وجود أي دور للائتلاف النسوي وارتباط العمل بالقواعد التي يمليها الممول، هو ما فاقم الأمر خاصةً عندما تركت مدن الشمال لمدة ثلاثة أشهر بشكل تام دون خدمات وكأنها ليست جزءاً من قطاع غزة أو لا نساء تقطن هناك.

وأكدت أن انتقاد الدور الخجول الذي تمارسه المؤسسات النسوية اليوم خاصةً الخدمات النفسية التي تزيد من فرط مشكلاتهن، وغياب خط الأمان الذي يعتبر ليس علاج نفسي للمعنفة فحسب، بل هو عبارة عن توثيق، فعندما تتصل المعنفة يقوم المتلقي بحفظ اليوم، والتاريخ والحالة، والمكان، والشهود، فيمكنها ما بعد الحرب رفع قضية واسترداد حقها المسلوب، بدلاً من الخدمات التي توفرها عبر الانترنت في ظل وضع لا تستطيع تحمل تكلفته أو امتلاك أجهزة ذكية.

وأشارت إلى أن الحكم بالنظام العشائري قبل الحرب خلق منظومة قانونية وإغاثية مهترئة في الوقت الحالي زادت من معاناة النساء، في ظل غياب تام للمؤسسات الحقوقية الدولية والنسوية العالمية التي خذلت المرأة الفلسطينية وتركتها وحدها تباد على مدار عام، فتحول تقبل العنف في المجتمع لثقافة مرسخة يقابلها صمت مطبق.

وترجح نورهان الطباطيبي، أن ما تحتاجه المرأة اليوم من خدمات ليس الدعم القانوني بل الإسعاف النفسي الأولي من قبل أشخاص مختصين وليس منشطين وتدخل دولي فعلي، متسائلة ما فائدة البيانات التي تصدرها هيئة الأمم المتحدة للمرأة عن تزايد أعداد الضحايا والقتلى في صفوف النساء دون استجابة سريعة لحل تلك المشكلات، وما فائدة بيانات الشجب والاستنكار وفي كل يوم تقتل عشرات النساء في غزة؟

وترى أنه من الصعب على النساء في غزة تجاوز ما ورد الحديث عنه من أشكال مختلفة للعنف اللفظي والجسدي والصحي والاجتماعي والاقتصادي وحدهن، دون تدخلات حقيقة، لكن ما أن ينتهي الحرب ستكون المرأة أقوى بفعل ما عايشته وستقوم هي بمجابهة ذلك العنف ولن تسمح لأحد بالتعدي على حقوقها بعد تخلصها من التهديد المباشر على حياتها.