بروان تحت سيطرة طالبان... أصوات النساء من قلب الظلم والفقر
في ولاية بروان الأفغانية، تتحدى النساء الصعاب وتصدحن بأصواتهن من أجل الكرامة والحرية، متحديات الظلم والفقر في ظل سيطرة طالبان.

بهاران لهيب
بروان ـ تحت سماء ولاية بروان بأفغانستان، حيث تتعانق الطبيعة الخلابة مع مآسي الفقر والقمع، تبرز النساء كرمز للمقاومة والصمود، ففي مواجهة سيطرة طالبان، اختارت نساء بروان أن تحملن راية الحرية رغم القمع والحرمان، لتذكرن العالم بقوة إرادتهن وصمودهن في وجه الظلم.
بروان هي إحدى الولايات الشمالية في أفغانستان، وتضم حوالي 10 مديريات وأكثر من 1322 قرية، تعتبر من أكثر الولايات خضرة في البلاد، حيث تضم أنهاراً شهيرة مثل بنجشير، وغوربند، وشتل، وسالنج التي تضفي طابعاً مميزاً على المنطقة، بفضل موقعها الجغرافي الواقع على طريق الحرير، اكتسبت أهمية تاريخية جعلتها محط اهتمام الملوك عبر العصور، كما شهدت هذه الولاية تأسيس أول مصنع للنسيج وأول سد لتوليد الطاقة الكهرومائية في البلاد، ما يعزز مكانتها كإحدى المناطق المهمة في تاريخ أفغانستان.
وفي بروان، كما هو الحال في العديد من الولايات الأخرى في أفغانستان، يعيش السكان بمزيجٍ من التنوع العرقي، حيث تتشارك مجموعات مثل البشتون والطاجيك والهزارة الحياة معاً، ومع ذلك، كانت هذه الولاية خلال العقود الأربعة الماضية مسرحاً للاضطرابات والحروب والصراعات، بدءاً من الحكومة المدعومة من الاتحاد السوفييتي، مروراً بالجماعات الجهادية بقيادة أحمد شاه مسعود وقلب الدين حكمتيار، ووصولاً إلى نظام طالبان، وعلى الرغم من هذه الأزمات المتواصلة، لم تتوقف القوى الوطنية والتقدمية عن النضال، حيث ضحى رجالٌ ونساءٌ بأرواحهم في سبيل الدفاع عن حقوق الشعب.
مع عودة طالبان إلى السلطة منتصف آب/أغسطس 2021، شهدت مدينة جاريكار، مركز ولاية بروان، مظاهرات واسعة النطاق بقيادة النساء، اللواتي واجهن القمع الشديد بشجاعة واستمررن في نشاطهن المناهض لطالبان.
للأسف، تعيش النساء في أفغانستان تحت وطأة مجتمع ذكوري متشدد وحكومات فاسدة، وفي ولاية بروان على وجه الخصوص، تفتقد المرأة الخدمات الاجتماعية الأساسية مثل المستشفيات والطرق المعبدة وغيرها من المرافق الحيوية، عند زيارة هذه الولاية، يمكنك بوضوح أن ترى آثار الفقر والبطالة مرسومة على وجوه السكان.
مؤخراً قامت مراسلة وكالتنا بزيارة إحدى قرى هذه الولاية بهدف التعرف عن كثب على أوضاع السكان، وخاصة النساء، هناك، أثناء الزيارة التقت بـ جميلة نور، وهي امرأة تبلغ من العمر 55 عاماً، على الرغم من معاناتها من أمراض متعددة، كانت تعمل في قطعة أرض زراعية استأجرتها من أقاربها لتأمين احتياجات عائلتها.
وتقول "اضطر أبنائي إلى مغادرة القرية بسبب تهديدات طالبان المستمرة، الآن، لم يبقَ في القرية سوى عدد قليل من الرجال المسنين الذين يتحملون مسؤولية إعالة أسرهم، أحد أبنائي غادر القرية مؤخراً بعد أن تعرض للاستجواب عدة مرات من قبل طالبان".
في ظل الحكومة السابقة، تمكن العديد من السكان من العمل في الإدارات العسكرية والأمنية لتأمين حد أدنى من المعيشة، أما الآن، فقد صنفتهم طالبان كأعداء، مما جعل حياتهم مهددة بالخطر، وأُجبر الكثيرون على ترك منازلهم وأراضيهم، واللجوء إلى ولايات أخرى أو دول مجاورة، حيث يكافحون من أجل توفير قوت يومهم.
وأوضحت جميلة نور أنه "مع سيطرة طالبان، تفاقم الفقر في قريتنا بشكل ملحوظ، أصبح الناس يعتمدون بشكل أكبر على الزراعة وتربية المواشي، وهناك عائلات لا تستطيع تأمين وجبة طعام واحدة، الرجال والنساء يعملون كعمال مأجورين في أراضي الآخرين لكسب لقمة العيش".
وأشارت إلى مقاومة النساء "أنا وزوجي نعمل في قطعة الأرض التي استأجرناها، ما يميز قريتنا هو أن النساء بإمكانهن العمل إلى جانب الرجال في الحقول، على الرغم من أن رجال الدين الذين عينتهم طالبان يواصلون الترويج لعدم خروج النساء من منازلهن، لكن سكان القرية لم يقبلوا بهذه الأفكار واحتجوا عليها".
وأضافت "لقد نشأت على هذه الأراضي منذ طفولتي، مثلي تماماً، لا تستطيع نساء القرية البقاء في المنازل طوال اليوم، لذا فإن قرارات طالبان لا تؤثر علينا، حتى إذا أراد العالم بأسره أن يقيد حريتي، لن أتخلى عن هذا الحق وسأواصل العمل في الزراعة".
ورغم قسوة الحرمان والظلم يبقى الأمل حياً، قصص النساء مثل جميلة نور لا تعكس فقط آلام ومعاناة الشعب الأفغاني، بل هي شهادة حية على صموده وثباته. في ولاية بروان، التي لطالما عانت من الظلم، لا تزال أصوات المقاومة تصدح ضد طالبان، في دفاع عن الحرية، هذه الأصوات لم تخفت مع الوقت، بل ازدادت قوةً يوماً بعد يوم.