بلا هوية... نساء إيرانيات بين الترحيل والنسيان

نساء إيرانيات بلا اسم ولا صوت؛ تنقّلن بين بلدين، ولم يجدن أبداً وطناً للعيش فيه، بقين بلا هوية، وعشن بلا حقوق، وكنّ ضحايا تمييز وعنف، لا يحملن حتى اسماً يمكنهن الشكوى منه.

نسيم أحمدي

كرماشان ـ كلمة "المُعاودين" ليست مجرد مصطلح يُطلق على مجموعة من السكان بمعنى محدد أو لوصف حياتهم، بل هي رحلة طويلة من حياة أناس لجأوا إلى بلد آخر بحثاً عن حياة أفضل، لكنهم بعد تجربة الطرد والتمييز، لا يزال مصيرهم مجهولاً حتى بعد ما يقارب نصف قرن؛ وهو مصير لم يؤثر فقط على من بدأ هذه الرحلة، بل امتد تأثيره إلى أجيال لاحقة.

 

عودة اضطرارية من العمل في العراق إلى النفي من جديد

في خمسينيات القرن الماضي، تم إعادة عشرات الآلاف من اللاجئين الإيرانيين من العراق إلى إيران، ومعظمهم من محافظات مثل إيلام وكرماشان، كانوا قد هاجروا إلى العراق بحثاً عن فرص عمل وحياة أفضل، وفي أوائل تلك الحقبة أُعيدوا إلى إيران.

ووفقاً للإحصائيات المتوفرة، حصل العديد من هؤلاء المهاجرين على بطاقات هوية، لكن البقية إما بقوا بلا أوراق ثبوتية أو حصلوا فقط على مستند مؤقت من إدارة السجل المدني، ومعظمهم بقوا في إيران حتى أوائل ثورة 1979، لكن الكثير منهم هاجروا مجدداً إلى العراق، ليس للعمل فحسب بل هرباً من الحرب والموت، ومع ذلك، تبقى النساء أكثر عرضة للظلم من الرجال في هذه الظروف.

 

بورقة بلا اسم في وطنها

مريم. م مقيمة في إيلام شرق كردستان تبلغ من العمر الآن ٣٨ عاماً، قالت "والدي كان من الذين أُعيدوا من العراق إلى إيران قبل الثورة التي أُعيد في بدايتها مرة أخرى إلى العراق واستقر في مدينة الرمادي، وهناك ولدتُ، لكن في عام 1991، عدنا إلى إيران، وكنت آنذاك في الرابعة من عمري، وفي تلك السنة بدأت أسرتي إجراءات الحصول على شهادة ميلاد لي، ولكن بما أن والديّ تزوج في العراق ولم يكن لديهما عقد زواج إيراني، تم عقد الزواج رسمياً في إيران لاحقاً، لكن دائرة الأحوال المدنية قالت "بما أن لديكم طفلة قبل العقد الرسمي، لا يمكن إصدار شهادة ميلاد لها" بعد سنوات من المتابعة، لم أحصل سوى على ورقة ثبوتية تُثبت تقديم طلب للحصول على شهادة ميلاد، بهذه الورقة فقط درستُ حتى الصف الخامس في برنامج محو الأمية، لا يمكنني الحصول على رخصة قيادة، ولا بطاقة مصرفية، وحتى الذهاب إلى المستشفى يمثل تحدياً كبيراً بالنسبة لي".

 

زيجات خفية... نساء على الورق بلا حماية في الواقع

التحديات التي تواجهها النساء اللواتي لا يحملن بطاقة هوية لا تقتصر على عدم القدرة على الحصول على رخصة قيادة أو حرمانهن من التعليم، بل تتجاوز ذلك إلى مشاكل مثل الزواج المسجل فقط على ورقة مكتوبة بخط اليد، مما يسبب لهن معاناة كبيرة.

العديد من النساء اللواتي لا يملكن شهادة ميلاد يسكنّ في أفقر القرى بمحافظتي كرماشان وإيلام، وغالباً ما يُجبرن، بسبب الثقافة السائدة في هذه المناطق، على الزواج قبل بلوغ سن ١٥ عاماً، وعادة ما يتم هذا الزواج في حضور وجهاء القرى ويسجل فقط في ورقة مكتوبة باليد لا تملك أي قيمة قانونية، وغالباً ما يلجأ الأزواج لاحقاً إلى الزواج من امرأة أخرى أو التخلي عن الزوجة الأولى دون أي مبرر، لأن هؤلاء النساء لا يستطعن اتخاذ أي إجراء قانوني، وبذلك يصبح غياب الهوية أداة يستخدمها بعض الرجال لإساءة معاملة زوجاتهم، لإظهار تفوق وهمي عليهن.

 

"الرجل على حق والمرأة مجبرة على الصمت"

(ح. ص) امرأة تبلغ من العمر ٣٠ عاماً من مدينة سربل ذهاب في محافظة كرماشان تروي تجربتها وتقول "بسبب مشكلات الهوية لدى والديّ، لم أحصل على شهادة ميلاد أبداً، وحصلت فقط على ورقة من دائرة الأحوال المدنية سمحت لي بالدراسة حتى الصف الأول الإعدادي، ثم تزوجت من ابن عمي، وبعد عدة سنوات اكتشفت أنه تزوج امرأة أخرى، وحين علم أنني أعرف بالأمر، تحدث معي بلهجة متعالية قائلاً إنني لا أُعتبر زوجته أصلاً، وأنه من الأفضل لي أن أصمت حفاظاً على سمعتي، وبما أنني لا أستطيع العمل أو مواصلة تعليمي أو حتى الزواج من شخص آخر، اضطررت لتحمل زواجه الثاني".

 

ولادة في العراق وحرمان في إيران

المشكلات لا تقتصر على النساء بلا شهادة ميلاد، فحتى من تحملن وثائق رسمية تعانين من عقبات؛ إذ أن مكان الولادة المدرج في شهادة الميلاد غالباً ما يكون "العراق"، ما يجعل الحصول على وظيفة أمراً بالغ الصعوبة.

ماندانا. ع، التي تبلغ من العمر قرابة الأربعين عاماً، قالت "مكان ولادتي مكتوب في شهادة الميلاد بأنه العراق، ولهذا السبب لم أتمكن حتى الآن من الحصول على وظيفة مناسبة؛ فلا يمكنني المشاركة في أي عملية توظيف، وكل شركة أذهب إليها تظن أنني عراقية وتعطي الأفضلية للمسجلين في إيران، وفي أغلب الأحيان، يظن رب العمل أنني لست إيرانية ويعرض عليّ إقامة علاقة، ولهذا السبب، لم أتمكن أبداً من الحصول على عمل حتى هذا العمر".

بلا اسم وبلا صوت وبلا دفاع... نساء تم إنكار وجودهن

النساء اللواتي تواجهن هذه المشكلة في محافظة كرماشان وبعض مناطق إيلام تعشن حياة مختلفة عن النساء الأخريات، إلى جانب أساليب التمييز المعروفة ضد المرأة، فإن هؤلاء يتعرضن لأنواع إضافية من العنف لمجرد كونهن نساء، وفي كثير من الأحيان، لا يمكنهن الاعتراض أو إيصال صوتهن للآخرين لأنهن لا تمتلكن أي وثائق تثبت هويتهن، ولهذا السبب، فإنهن يتعرضن للعنف ليس فقط من المجتمع، بل من أفراد أسرهن مثل الإخوة والآباء أيضاً، إذ إنه حتى لو قُتلن، فلا يوجد ما يثبت وجودهن.

تتعرض النساء في المجتمع لأشكال مختلفة من الظلم والعنف، إلا أن وضع هؤلاء النساء أكثر مأساوية لأنهن لا يملكن سوى الاسم، دون أي هوية رسمية، وهذا الأمر يجعلهن عرضة لمزيد من الأذى والعنف داخل الأسرة ومكان العمل وعلى مستوى المجتمع ككل.