ببيع ملابسهم أطفال غزة يواجهون مأساة الحرب

يواجه الأطفال في قطاع غزة واقعاً مأساوياً يفرض عليهم تحمل آثار وتداعيات الحرب المستمرة ونقص الإمدادات الحياتية، فالواقع المأساوي الذي يعيشونه يعكس حقيقة صعوبة الحياة في المنطقة المنكوبة.

نغم كراجة

غزة ـ تتفاقم الأزمة الإنسانية وتتدهور الحياة اليومية في قطاع غزة على الأطفال وعائلاتهم جراء استمرار الحرب لشهرها السادس على التوالي وسط تجاهل المجتمعات الدولية لصرخاتهم.

خلفت الحرب في قطاع غزة بين القوات الإسرائيلية وحركة حماس دمار شامل للبنية التحتية وزيادة في معدلات الفقر والمجاعة، ما دفع العديد من الأسر إلى مواجهة مأساة البقاء على قيد الحياة بمشاريع لا ترقى لمستوى متطلباتهم الضخمة في ظل البرد والجوع والعوز ونقص الامدادات والمساعدات الإنسانية.

منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 يتعرض الأطفال في قطاع غزة لجملة من الانتهاكات الممنهجة كان أبرزها التشرد والفقر المدقع والجوع وحرمانهم من حقهم في الحياة والتعليم، الواقع الذي أجبر العديد منهم للعمل من أجل مساعدة أسرهم خاصة أولئك الأطفال الذين فقدوا السند والمعيل مع تزايد متطلبات الحياة وسط غلاء الأسعار الغير معقول، سواءً من خلال بيعهم في الأسواق أو التسول على الأرصفة، وذلك يعرضهم للاستغلال بأشكال متعددة.

في مشهد مأساوي لأطفال يفترشون الأرض الباردة، في محاولة منهم بيع الملابس المهترئة والقديمة لسد احتياجات أسرهم المتزايدة، انبثقت مشاهدة يندى لها جبين الإنسانية تصور الواقع المرير للأطفال في غزة، تجلس الطفلة ملاك عبد العزيز البالغة من العمر عشرة أعوام فقط لتمثل جزء صغير من المعاناة الإنسانية الكبيرة التي تعيشها الأسر في المنطقة.

بدأت معاناتها عندما أصيب والدها إصابة خطيرة بالرصاص الحي في قدمه خلال محاولته الحصول على الدقيق لأسرته من إحدى نقاط توزيع المساعدات الغذائية، الأمر الذي تسبب بتدهور حالته الصحية نتيجة قلة الخدمات الطبية، لترى ملاك عبد العزيز نفسها مجبرة على أن تكون السند والمعيل لعائلتها والعمل في الطرقات لسد احتياجاتها، وتقول "منذ شهرين تقريباً ومع نفاذ الطعام أجبر والدي على الخروج على أمل الحصول على بعض الدقيق الذي حرمنا منه منذ سبعين يوماً، إلا أنه عاد إلينا وهو محملاً على الأكتاف غارقاً بدمائه بسبب إصابته في إحدى قدميه بالرصاص الحي، ولأنه لم يحصل على الإسعافات الطبية اللازمة بقي طريح الفراش منذ ذلك الوقت".

وأضافت "منذ إصابة والدي وجدت أن مسؤولية العائلة وتوفير قوتهم يقع على عاتقي باعتباري البكر لأسرتي، وبقيت أبحث عن طريقة لمساعدتهم، وبسبب الحرب قلت فرص العمل لذلك قررت بيع بعض الملابس الخاصة بنا فقد كان همي الوحيد هو توفير لقمة العيش لأخوتي ووالدي، وأتواجد هنا منذ الساعة الثامنة صباحاً أقوم بطي الملابس وترتيبها واستخدم بعض العبارات الترويجية على أمل إقناع المارة بشراء بعضها".

وأكدت أنه على الرغم من أن المارة يشترون بعض القطع، لكن الأسعار الزهيدة لها لا تكفي ثمناً للحاجيات الأساسية والضرورية لعائلتها خاصة في ظل الغلاء الفاحش الذي تشهد المنطقة منذ بدء الحرب المستمرة، مضيفةً "أشعر بالضيق والحزن عندما أرى الناس يشترون ملابسي وبأسعار بخسة، لكني أعلم أنه لا بديل لي سوى ذلك".

تواجه ملاك عبد العزيز صعوبة في التنقل بين الأحياء بسبب الحواجز وأنقاض المنازل التي تسد الطرقات بوجهها وتعرقل عملها، وبذلك يكون من الصعب عليها الوصول إلى الزبائن، بالإضافة إلى ذلك، يتعرض الشارع الذي تعمل فيه للقصف المستمر، مما يجعل حياتها في خطر.

ومع تضاؤل الموارد الأساسية مثل المياه الصالحة للشرب والغذاء الصحي والرعاية الصحية، تأثرت صحة الأطفال بشكل كبير، حيث يعانون من نقص التغذية الحاد والأمراض الوبائية وبالتالي هم أكثر عرضة للمرض والموت المبكر، وتقول ملاك عبد العزيز "منذ بداية الحرب على غزة لم نرى الكهرباء والغذاء الكافي والصحي، لقد أصبت بتسمم دام أسبوع كامل بسبب المياه الغير نظيفة التي يقوم بعض الجوالة ببيعها علينا على أنها مياه صالحة للشرب".

مهما حاول الأهالي في غزة تخطي الواقع المرير بوسائل وأعمال ضعيفة المردود فإنهم يبقون بحاجة للتدخل العاجل والفعّال من قبل المجتمع الدولي، بتوفير المساعدات الإنسانية والإغاثية للمدنيين وعلى رأسهم النساء والأطفال، وينبغي على الجهات المعنية التحرك بسرعة لتوفير الإمدادات الضرورية وتحسين الظروف المعيشية، بما في ذلك الرعاية الصحية والنفسية.

وتتكرر هذه السيناريوهات اليومية في قطاع غزة، وتنمو الآلام والمعاناة في حياة ملاك عبد العزيز، ولكنها مصممة أن تكون ذات إرادة وإصرار لمتابعة حياتها على الرغم من كل الانتهاكات التي تتعرض لها وطفولتها التي سلبت منها، فهي لا تملك خياراً آخر سوى المواصلة من أجل توفير قوت أسرتها وتأمين لقمة العيش لهم، وتتساءل عن مصيرها ومستقبلها الذي بات مدمراً بلا معالم كمدينة غزة "أفترش الرصيف من الساعة الثامنة صباحاً، في الوقت الذي من المفترض أن أكون فيه بمدرستي وليس في الطرقات أبيع ملابس أسرتي حتى لا نموت من الجوع، لقد كبرت أعواماً كثيرة في عام واحد فقط".