أطفال الشمال السوري من ذوي الاحتياجات الخاصة بلا خدمات

تدفع شريحة الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة الثمن الأكبر نتيجة الحرب الدائرة منذ أكثر من تسع سنوات، وجراء انعدام الأمن والفقر والنزوح، يضاف إليها افتقارهم للعلاج والرعاية والتعليم

سهير الإدلبي
إدلب ـ  .
يمضي الطفل علاء المحمد (١٠سنوات) وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة يومه متنقلاً بين خيمته والخيام المجاورة، ليلعب قليلاً بالوحل والحجارة ويراقب أطفال المخيم وهم يلعبون حوله، ليعود وملابسه متسخة والبسمة تعلو وجهه البريء.
نزح الطفل علاء مع عائلته من مدينتهم خان شيخون في منتصف عام ٢٠١٩ باتجاه مخيمات سرمدا حيث يقيم حالياً، وهو مصاب بمتلازمة داون منذ ولادته، ويحتاج لكافة أشكال الاهتمام والرعاية في الوقت الذي لا يتلقى القسم اليسير منها.
تقول والدته وتدعى سميرة العوض (٣٨عاماً) أن لديها ثلاثة أولاد، أثنان منهم يعانون الإعاقة، وهي تتألم لحال أبنائها الذين يعيشون حياة الإهمال والاستهتار داخل المخيم الذي تقطنه مع مئات النازحين الذين لم يكن هناك خيار أمامهم بعد نزوحهم إلا الإقامة في خيام أقل ما يقال عنها أنها مجرد أقمشة بالية لا تقي حر الصيف أو برد الشتاء، وتضيف "منذ نزوحنا ونحن نواجه كافة أشكال الفقر والقهر والعذاب، وضاعف من هذه المآسي رؤية أبنائي المعاقين الذين راحوا ضحية حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، أي حياة سيمضونها هنا في هذا المنفى البارد والمحرومين فيه من أدنى حقوقهم في الاستقرار والأمان والدفء والخدمات".
أما بالنسبة للطفل حيان بكور (١٢عاماً) والذي فقد ساقه نتيجة القصف على مدينته سراقب أوائل عام ٢٠١٦، فهو يمضي وقته في الرسم أمام باب خيمته، يقول والحزن بادياً على ملامحه "أشعر هنا بالملل فأنا لا أستطيع اللعب مع الأطفال أو التعليم لعدم وجود مدارس ولذا أحاول ممارسة هوايتي المفضلة وهي الرسم، أرسم الأشجار والسماء والغيوم، أرسم نفسي وأنا ألعب مع الأطفال الآخرين بجميع الألعاب التي أحبها".
قلما يتلقى الأطفال المعاقين من ذوي الاحتياجات الخاصة الدعم من أي جهة، وتتحدث تقارير الأمم المتحدة عن حرمان ٢,١ مليون طفل سوري من التعليم بينما تبقى الحاجة إلى العلاج ومساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة المشكلة الأهم والمسؤولية الأبرز التي يتوجب على المعنيين اتخاذ الإجراءات اللازمة لمساعدة هذه الفئة المهمشة.
تحت شعار "أطفالنا طاقة لا إعاقة" وبجهود تطوعية وفي مبادرة نادرة في الشمال السوري للوقوف على احتياجات الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة تم إنشاء مركز "عقول مبدعة" بتاريخ 1نيسان/أبريل 2019، في بلدة كفر ناصح، وهو من أهم المراكز الإنسانية ويعمل على خدمة ذوي الاحتياجات الخاصة من حيث تأمين الخدمات الصحية والتنموية والتعليمية.
ولتحويل فئة الاحتياجات الخاصة من فئة مستهلكة إلى فئة منتجة أطلق المركز أنشطة مهنية تسهم في زرع الثقة بالنفس ودفع عجلة اندماج هذه الفئة مع المجتمع، ومن هذه المهن حياكة الصوف، صيانة الأدوات الكهربائية، الحلاقة وغيرها.
ويضم المركز فئة الإعاقة الجسدية، شلل نصفي، بتر، تشوهات، أمراض مزمنة، صم وبكم، مكفوفين ومتلازمة داون، من جميع الفئات العمرية ويعمل على تأمين المتابعة الطبية وإدارة الحالة لجميع الحالات من خلال تأمين اللوازم الطبية من أجهزة مساعدة حركية وأطراف صناعية وسماعات أذن ونظارات طبية وأدوية. 
مدير المركز عمار هلال (٣٠عاماً) يقول "نحاول قصارى جهدنا الاهتمام بهذه الفئة التي زاد عددها خلال سنوات الحرب من خلال دمجهم مع أقرانهم السليمين عبر عدة مشاريع وبرامج تأهيلية سواءً لهم أو للمجتمعات التي هم يقطنون بها من أجل إكمال الهدف".
ويشير هلال إلى أن الأنشطة التعليمية في المركز تتضمن تعليم مسرع لفئة الإعاقة الجسدية، ولغة الصم والبكم وأساسيات مبسطة في التعليم لمتلازمة داون من الدرجة الأولى والثانية.
واستطاع المركز من خلال الخدمات التي يقدمها مساعدة أكثر من ١٥٠٠ طفل بتقديم خدمات متنوعة بحسب عمار الهلال، الذي لفت إلى ضرورة دعم المركز ليتاح له الاستمرار في تنفيذ مشاريعه التي لاقت صدىً واسع في الشمال السوري.