عام على الزلزال... كفاح مستمر لنساء وأطفال إدلب لبناء حياتهم المدمرة

عام يمر على زلزال السادس من شباط/فبراير 2023، وما تزال مئات النساء والأطفال يكافحون لإعادة بناء حياتهم التي دمرها الزلزال، في ظل البنية التحتية الهشة وضعف الاستجابة ومشاريع التعافي واستمرار الهجمات، إضافة لتحديات انتشار الأمراض والأوبئة.

هديل العمر

إدلب ـ ضرب زلزال مدمر تركيا وسوريا بلغت قوته 7.7 درجات، أعقبه آخر بعد ساعات بقوة 7.6 درجات ومئات الهزات الارتدادية، ولم تقتصر أضراره على الخسائر الكبيرة في الأرواح والممتلكات فحسب بل شكل تحديات طويلة الأمد أمام التعافي والصمود.

تقول ربا الشيخو 36 عاماً، وهي من سكان مدينة سرمدا شمال إدلب وإحدى الناجيات من الزلزال أنها تعيش في مخيمات مكتظة، مع محدودية الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية والحماية وقلة الخصوصية أو الكهرباء، فهي لم تعتد هذه الحياة في السابق، وكان تشردها من الزلزال أول نزوح لها.

وأوضحت أنها فقدت منزلها الذي تهدم بفعل الزلزال، ما وضعها أمام حياة صعبة راحت تأن تحت وطأتها مع عائلتها المؤلفة من زوجها وخمسة أبناء، وتعيش معاناة الخوف وانعدام الأمان في المخيمات، عدا عن البرد الذي راح يفتك بها وبأبنائها داخل خيمة قماشية لا ترد بأس الصقيع وغزارة الأمطار.

أما حنين العنابي والتي تبلغ من العمر 15 عاماً، فرضت عليها ظروفًا قيّدت مستقبلها، وسلبتها طفولتها وحقها بالتعليم، بعد أن قضى الزلزال على أهلها وتركها تواجه الحياة وحيدة في خيمة إحدى قريباتها، وما لبث بها الأمر أن تزوجت في سن مبكر محاولة إيجاد حياة الاستقرار مع الزوج بعد أن خسرت أهلها ودراستها التي كانت تحلم بإكمالها.

وتقول "وضعني الزلزال وحيدة في غياهب المخيمات، فلم يكن لدي سوى خيار الزواج والعيش مع الشريك بدلاً من العيش مع الأقارب في خيمة لا تكاد تتسع لهم ولعوائلهم".

لم يرم الزلزال بعواقبه المدمرة على أحوال الفتيات القاصرات وحسب، وإنما أيضاً على الأطفال الذين خسروا أسرهم وأحباءهم، وتحولوا إلى معاقين في ليلة وضحاها وشاهدوا حياتهم بأكملها تنقلب رأساً على عقب.

يحتاج 3.7 ملايين طفل في سوريا لمساعدة إنسانية مستمرة، ويواجه هؤلاء ظروفاً شديدة الصعوبة حيث شردوا وعاشوا دوامة ويلات المخيمات، وصعوبة التعليم، والتسرب الدراسي، والعمالة، وانعدام شتى مقومات الحياة، والغذاء، وسبل الرعاية، واللعب، والترفيه.

أحلام بسيطة تراود الطفلة وردة الصابوني البالغة من العمر عشر أعوام والتي فقدت يدها اليسرى بالزلزال بعد ساعات قضتها تحت الأنقاض، وهو أن تعود للحياة في مكان دافئ، وأن تحصل على غطاء وسكن لا تتسرب مياه الأمطار إلى داخله، وتتخلص من الحياة الصعبة التي تعيشها في مخيمات "أطمة" شمال إدلب.

وأضافت وكأنها تتحدث عن حلم صعب التحقق بأنها تبحث عن الفرح وترغب بإتمام دراستها التي توقفت بعد انتقالها إلى المخيم، واختزلت أمنياتها في العودة فقط لحياة طبيعية هادئة وآمنة.

بينما الطفلة حلا البارودي والتي بلغت من العمر ست أعوام تراودها الكوابيس منذ ذلك اليوم، ورغم صعوبة العيش في المخيم إلا أنها تعتبر الخيمة الملاذ الآمن بعد ما رأته من أهوال.

ولا ترغب الطفلة حلا البارودي بالعودة للسكن في منزل مؤلف من جدران وسقف، إذ لم تعد تأمن على نفسها من وقوع زلزال آخر في أي لحظة، وكثيراً ما تتخيل أن الأرض تهتز من تحتها لتسارع باكية وترتمي في أحضان والداتها.

وإن ألحق الزلزال المدمر الضرر بجميع فئات سكان مناطق الشمال السوري عموماً، إلا أن النساء تنفرد بمعاناة خاصة عن غيرهن، لا سيما فيما يتعلق بالحمل والصحة الإنجابية.

ووفقاً لصندوق الأمم المتحدة للسكان فإن للزلازل الذي ضرب جنوب تركيا وسوريا في السادس من شهر شباط/فبراير 2023 العديد من العواقب على حياة الأهالي، وذلك إضافةً إلى مقتل ما يزيد على 50 ألف إنساناً، وإلى الدمار الواسع في البنى التحتية في البلدين، ظهرت تلك العواقب جليةً على الحوامل، حيث تضررت حوالي 133 ألف امرأة حامل من الزلزال في سوريا، واللواتي مازلن تكافحن للوصول إلى الخدمات الحيوية لصحتهن في ظل واقع صحي غاية في السوء، ونقص في الحواضن والأدوية والعاملين الطبيين في الأساس بسبب الحرب، وستعاني حوالي 6600 امرأة من مضاعفات الحمل والولادة.

تواجه إيمان الحجي 28 عاماً مشاكل الحمل بعد أن فقدت جنينها الأول جراء الزلزال، وتعاني تكرر حالات الإجهاض كل مدة جراء السكن غير الآمن في مخيمات النزوح التي تخلو من أدنى متطلبات الحياة.

وخرجت إيمان الحجي من تحت أنقاض منزلها بقدمين مكسورتين وكل همها أن ينجو جنينها الذي سرعان ما فقدته في الشهر الخامس من الحمل، وبعد مضي عام على الزلزال تكررت الاجهاضات لديها بسبب متاعب السكن في الخيمة وانعدام الأمن والخصوصية والعناية الطبية.

وعدا عن التداعيات الصحية للزلزال يبقى للأمراض النفسية الناجمة عنه وسط أزمات إنسانية متعددة تعيشها المنطقة منذ أعوام حكاية أخرى، حيث تشير التقديرات إلى أن أكثر من مليون شخص في إدلب والشمال السوري يحتاجون إلى دعم عقلي ونفسي واجتماعي.