الممرضات في مصر... واقع أليم بين الوصم المجتمعي وضعف الأجور

واحدة من الأزمات التي تعاني منها العاملات في قطاع التمريض هو الوصم المجتمعي ووصف جانب من سلوكهن بالغير سوي نتيجة طبيعة هذا العمل الذي قد يضطرها للتأخر بل والمبيت.

أسماء فتحي

القاهرة ـ الأمر لا يتوقف عند الوصم المجتمعي الذي عززته الدراما ولكن معاناة الممرضات أكبر، حيث تتعرض الكثيرات للضرب والإهانة من بعض الأسر والتشكيك الدائم في أدائهن وحرصهن على المرضى، فضلاً عن تدني الأجور.

كشفت جائحة كورونا عن الوجه القبيح من تلك الأزمات بعد أن راح عدد كبير من الممرضات ضحايا لها دون أن يسمع بهن أحد، كما أنهن لا تحصلن على الرعاية اللازمة وتقبعن في قبضة التأمين الصحي بحسب ما سيتضح في التقرير التالي دون أية خدمات تتناسب مع ما تقمن به من عمل خدمي داعم لجميع أفراد المجتمع.

والمرأة هنا بالفعل في مأزق حقيقي فهي تعاني لأنها امرأة في مجتمع الذكور الذي ينتقص من حقوقها من جهة ولكونها ممرضة وطبيعة عملها تجعلها معرضة لبعض الأقاويل من جهة أخرى، فضلاً عن الصورة الموصومة بها والتي تعرض بعضهن لانتهاكات تصل لحد الاستباحة، دون رادع قوي يحميهن من ويلات التعنيف البدني واللفظي الممارس عليهن من الغرباء أثناء تأدية عملهن.

وأكدت مسؤولة التمريض في القصر العيني الفرنساوي رضا عبد الهادي على أن للأعمال الدرامية دور كبير في ترسيخ أفكار مغلوطة عن الممرضات، معتبرةً أن تلك الصورة نالت من حياة الكثيرات وأثرت عليهن وحالت دون تمكنهن من الشعور بالأمان في محيطهن.

وأوضحت أن واحدة من اسوأ ما قد تعاني منه الممرضة أن تسهر لخدمة المرضى تاركةً عائلتها لتجد من تعمل من أجل رعايتهم، هم أنفسهم من يوصمونها ويحقرون من عملها ويعاملونها بشكل غير إنساني، مشيرةً إلى أن واحدة من أكبر مشاكل الممرضات تتمثل في تدني رواتبهن الغير مجزية على الأطلاق ولا تتلاءم مع ما تقمن به من جهد في عملهن المتواصل، مضيفةً أن طبيعة العمل نفسها مختلفة عن غيرها فهي مرتبطة بأرواح آخرين لذا فعامل الضمير واحد من أسسها ولا تطلب الممرضات أكثر من حصولهن على مقابل ما تقمن به من جهد دون أي امتيازات علماً بأنهن تستحقن ذلك.

 

كورونا اجهض حقوق الممرضات

رغم أن التمريض كان حائط الصد الأول في مواجهة هذا الوباء الذي عرض أرواح الكثيرات منهن للخطر، بل أن عدد ليس بالقليل منهن فارق الحياة تأثراً بعملهن، إلا أنهن لم تجدن من يثني على عملهن أو يتحدث عن دورهن على غرار الأطباء.

وأكدت على أنه تم انتهاك حقوق الممرضات خلال فترة جائحة كورونا فقد تم تكريم الأطباء، ولم يلتفت أحد إلى ما قمن به من جهد، ولم يشار إلى طواقم التمريض التي كانت في مقدمة الفئات التي آثرت التضحية بأرواحهن خلال تلك الأزمة.

النقابات عادة ما تدافع عن حقوق منتسبيها وتحرص على تقديم ما يحتاجونه من دعم وخدمات قدر الإمكان، كما أنها تساندنهن في مختلف أزماتهن مهما كان حجمها صغيراً كان أو كبيراً.

ولفتت إلى أن نقابة التمريض لا تقم بهذا الدور على النحو الأمثل ولم تدعم منتسبيها أثناء جائحة كورونا أو غيرها، مؤكدةً على أنها أصيبت بالمرض واخريات غيرها ولم تجدن للنقابة دور في ذلك وكأنها خارج نطاق الخدمة.

وعن الأزمات التي أثرت بها قالت "كانت هناك ممرضة تعرضت لحادث سير وتم بتر قدمها ولجأت للنقابة من أجل دعمها ولكن دون جدوى أو أية ردة فعل تجاه ما حدث لها، وتأثرت بتلك الواقعة وتيقن داخلي أنه لا دور للنقابة يذكر في مساعدة المنتسبين إليها".

 

سبل التعامل مع احتياجات الممرضات

واحدة من احتياجات الممرضات بحسب ما تراه رضا عبد الهادي، تتمثل في رفع معدل أجورهن لأنها منخفضة للغاية ولا تتناسب مع غلاء الأسعار الذي طال كل شيء، فضلاً عن توفير مستشفى لاستقبالهن كبديل عن معاناتهن مع التأمين الصحي خاصة أنهن معرضات للعدوى في أي وقت كجزء من ضريبة عملهن بالمستشفيات ومع المرضى.

وأضافت أن واحدة من الحلول أيضاً توفير الأمن اللازم لهن فعدد ليس بالقليل من الممرضات تتعرضن للضرب على يد أهل المرضى والإهانة "وردت إلى المستشفى حالة وبسبب انشغال الطبيب مع مريض آخر ضرب الممرضات جميعهن وتأخر حضور الأمن كان سبب في إلحاق الأذى بأغلب الممرضات المتواجدات".

واعتبرت أن أحد الحلول تتمثل في زيادة أعداد الأطقم الطبية لتخفيف الضغط الواقع على الممرضات وعملهن المتواصل وتحميلهن أكثر من قدرتهن، فضلاً عن توفير الاحتياجات الخاصة بمستلزمات السلامة والأمان عند التعامل مع المرضى لأنه بها عجز شديد.

وأكدت على أن جعل منصب رئيسة التمريض بالانتخابات بدلاً من التعيين الذي يمنع فرض القرارات الفوقية عليهن، يسمح لهن باختيار من تساعدهن وتتضامن مع حقوقهن بدلاً من الجور عليهن.

ومن جانبها روت الممرضة ليلى جمال "اسم مستعار" تجربتها قائلة "فسخت خطبتي لثلاثة مرات بسبب طبيعة عملي ومطالبتي بتركه دون سبب يذكر سوى كلام الناس وما يشاع حول علاقات الممرضات ببعض الأطباء والمرضى، فلم أقبل تلك الإهانة وأخرجته من حياتي".

وأضافت "تزوجت ومنذ الشهور الأولى وأنا أعاني، فزوجي يعمل صنيعي في حرفة ويتعامل في الأساس بها مع الرجال ومن وقت لآخر يعرض مسلسل أو حتى نقاش وإذا ذكرت خلاله ممرضة تحول يومي لجحيم ولولا احتياجه لراتبي لأصر على تركي للعمل ولكنه يفرغ غضبه تارة بالإهانة وبالضرب". واعتبرت أن المواطنين أنفسهم من أهالي المرضى يستبيحون اهانة الممرضة في أي موقف صغير كان أو كبير وينهالون عليها بالسباب وربما الضرب "في أحد الأيام أخبرت شاب أن الدكتور مش فاضي وأن عليه الانتظار ساعة على الأقل لأن هناك من سبقوه وما كان منه إلا الجري خلفي في المستشفى وكنت أخاف التوقف لأني وزملائي ذات مرة تعرضنا للضرب حتى حضر الأمن وأنقذوني من محاولته الاعتداء علي".

وأكدت على أنها لا تحصل على مقابل يتناسب وعملها وكذلك المخاطر التي تتعرض لها من حين لآخر أثناء التعامل مع المرضى "لا نحصل على أية امتيازات بل أننا نشعر أننا مهانين في التعامل مقارنة بالمستشفيات الكبرى فالممرضة تحصل على ما لم تتناسب وحالة الغلاء التي طالت أغلب السلع في السوق المحلى، والمرتب لم يعد يكفيها الشهر، بل أن من تعيل أسرتها تبدأ في الاستدانة من منتصف الشهر لتتمكن من الإنفاق وتلبية احتياجات المنزل".