"الخيمة ملاصقة للأخرى"... نازحات إدلب لا أسرار ولا خصوصية

فقدت المرأة في مخيمات إدلب جانباً كبيراً من الخصوصية التي كانت تعيشها في منزلها، الذي أجبرت على هجره، لتجد نفسها في إحدى الخيام الملاصقة لمئات الخيام الأخرى.

هديل العمر

إدلب ـ الكثير من النازحات تعانين من تقيد تحركاتهن، جراء شفافية القماش الذي صنعت منه الخيام وعدم عزله للصوت الذي يجبرهن على الهمس طوال الوقت، الأمر الذي اضطر بعض العوائل إلى تغطية الخيمة بأقمشة من الداخل سعياً للحصول على بعض الخصوصية، التي بات الحديث عنها "ترفاً" في مخيمات تفتقر أدنى مقومات الحياة والحرية الشخصية.

مضى وقت طويل قبل أن تكتشف مرام الراعي البالغة من العمر 32 عاماً، أنها لم تحظى بأي وقت خاص مع عائلتها منذ أكثر من ثلاث أعوام، وتقول أنها منذ اليوم الاول لسكنها داخل مخيم في منطقة تل الكرامة شمال إدلب فقدت أدنى مقومات الأمان والراحة والخصوصية، فالحمامات مختلطة والخيام متلاصقة والراحة معدومة.

وأنها تلجأ لخفض صوتها داخل الخيمة بشكل مستمر لشعورها بأنها مراقبة من قبل جيرانها الذين يستمعون لحديثها مع زوجها وأبنائها وكأنهم يعيشون معهم، بحكم تلاصق الخيام ببعضها لدرجة أنها منعت من أبسط حقوقها في الاستقلالية والسهرات العائلية والشعور بأنها مازالت تمتلك حتى بعض اللحظات الجميلة.

وقالت "لا أنزع حجابي إلا حين أطفئ الأنوار وأخلد للنوم، طوال النهار وأنا في وضعية اللباس الكامل، فلا أبواب يمكننا إغلاقها ولا بيوت تسترنا من أعين القاطنين في المخيم وأن جميع أهل المخيم يعرفون ماذا أطبخ، وأوقات الحمام أيضاً".

أما كريمة النعيمي البالغة من العمر 29 عاماً، وهي نازحة من قرية تلمنس جنوب إدلب ومقيمة في مخيمات حرنبوش شمال غرب إدلب، تقول "أن نقل المياه من مكان بعيد وغسل الملابس وتحضير الطعام في الخلاء معاناة عقيمة لم تترك لنا أي مجال للتفاؤل بمستقبل ربما يكون أفضل".

وعن حياتها في المخيم أوضحت أن "المخيم مظلم، وتسرح فيه الكلاب الضالة، وخروجي ليلاً إلى دورات المياه من أكبر المشاكل التي أواجها في حياتي اليومية، وعدا عن ذلك فإن كل الأحاديث والثرثرات والخلافات العائلية يمكن التنصت عليها وتناقلها، حتى تلك الشخصية".

وتواجه كريمة صعوبة كبيرة في ضبط سلوك أطفالها وتصرفاتهم، إذ لا يمكنهم المكوث طويلاً داخل الخيمة الضيقة التي لا تسمح لهم بالحركة واللعب، فيخرجون للعب مع الأطفال الآخرين في ظل انعدام وسائل الترفيه والتسلية، ليعودوا بملابس متسخة وحالة مزرية جراء الطرق الترابية الوعرة والوحول داخل المخيم، وخشيتها من إصابة أطفالها بالأمراض المعدية.

ومن جانبها قالت المرشدة الاجتماعية رولا العربان البالغة من العمر 44 عاماً، إن النازحات تواجه صعوبات كثيرة بعدما اضطررن إلى العيش بأسلوب حياة لم تعتدن عليها في مخيمات النزوح.

وأشارت إلى إن الخصوصية التي كانت تفرضها المنازل سابقاً لا تتمتع بها المخيمات، ما أدى إلى ارتفاع حالات التحرش وشعور النساء باضطرابات نفسية وخوف وقلق دائمين.

وتبين أن انعدام الخصوصية في المخيمات يطال كل ما يتعلق بالمرأة حتى الصحة والنظافة الجسدية والصحة النفسية التي قد يتم اهمالها نتيجة النزوح، كما أن ضيق المساحة، وعدم الراحة، وانتشار الأمراض والأوبئة، بالإضافة لوجود حمامات عامة، وانعدام النظافة بيها، كل ذلك مازال يشكل هاجساً لدى شريحة كبيرة من نساء المخيمات.

ودعت المرشدة رولا العربان جميع المعنيين ومنظمات المجتمع المدني لمساعدة النساء النازحات على الاستقرار والاستقلال بحياتهن القادمة، عبر استبدال الخيام بمساكن مصنوعة من الطوب والاسمنت، ما يسمح لهن بجانب من الاستقلالية والأمان والحرية الشخصية.