زواج القاصرات ما بين أذونات القضاة والتقاليد الراسخة

سلط مؤتمر الأسرة الليبية الذي عقد في مدينة بنغازي الضوء على زواج القاصرات في المجتمع الليبي من ناحية التحايل على القانون الذي ينص على بلوغ الفتاة 18 عاماً لكنه يسمح بالزواج بإذنٍ من القاضي لمن هم دون ذلك

ابتسام اغفير
بنغازي ـ .
من أبرز المحاور التي ركز عليها مؤتمر الأسرة الليبية ـــ تشخيص الواقع واستشراف المستقبل الذي نظم يومي 1و2 حزيران/يونيو بمدينة بنغازي تحت إشراف مركز البحوث والاستشارات بجامعة بنغازي، بالنسبة لزواج القاصرات في المجتمع الليبي يعتبر عامل السن والنضج والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وقوانين الأحوال الشخصية والقبول لدى طرفي الزواج من العوامل الهامة في اتخاذ قرار الزواج.
ولكن الشائع في البلدان العربية هو استغلال أحد بنود القانون، والذي يعطي القاضي الحق في تزويج من لم تبلغ 18 عاماً، وفي بنغازي تحصل العائلات على إذن الزواج من إحدى المحاكم الثلاث في المدينة. 
وتقول انتصار مجيد بشير الورفلي وهي طالبة في قسم علم الاجتماع في مرحلة إعداد رسالة الماجستير، والتي قدمت الدراسة العلمية الأولى بالتعاون مع الدكتور عوض الاحيول رئيس قسم علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة بنغازي بأن الدراسة تناولت "زواج القاصرات في المجتمع الليبي: رؤية سوسيولوجية لمعايير القضاة في منح أذونات الزواج (قضاة مدينة بنغازي نموذجاً)". 
 
منح إذن من قبل القاضي لتزويج قاصر
وتضيف انتصار مجيد الورفلي بأن هدف الدراسة هو دراسة المعايير التي يستند إليها القاضي في إعطاء الإذن لزواج القاصر، مشيرةً إلى أنهم قاموا بمسح شامل لقضاة مدينة بنغازي في ثلاثة محاكم وهي محكمة الشمال، ومحكمة الجنوب، ومحكمة شرق بنغازي، وكان عددهم 50 قاضياً، وتوصلت الدراسة إلى أن هناك أعداد كبيرة من القضاة الذين منحوا إذناً لزواج القاصرات، دون مراعاة لبعض المعايير، ووصل عدد هذه الأذونات إلى 1922 إذن من خلال احصائيات رسمية لهذه المحاكم ابتداءً من عام 2015 إلى عام 2019.
كما أشارت إلى أن "الدراسة توصلت إلى أن الفتاة القاصر هي نفسها من ترغب في الزواج، وأن نسبة 48% منهنَّ كان الزواج وفقاً لرغبتهنَّ، وأن نسبة 96 بالمئة من القضاة لم يهتموا بمعايير الوضع الاقتصادي للأسرة، والوضع التعليمي للأبوين بالإضافة الى طبيعتها الجسمية، إذ يقومون بإعطاء اذن الزواج للقاصر فقط حتى يستطيع المأذون الشرعي أن يتمم الزواج".
 
لابد من تدخل المجتمع للتوعية بمخاطر زواج القاصرات
وتؤكد انتصار الورفلي بأنه "على الرغم من أن القانون الليبي الصادر عام 1986 في مادته رقم 10 قد حدد سن الزواج بعمر 20 عاماً عندما تكمل الفتاة أهليتها، إلا أنه صدر قانون آخر عام 2015 وتقضي مادته رقم 14 بأن يكون سن الزواج للفتاة بعمر 18 عاماً".
وعن توصيات هذه الدراسة تقول "لابد من سن قوانين محددة لعمر الزواج في القانون الليبي، ولابد من وجود أخصائيين اجتماعيين لدراسة الأسباب التي جلعت الفتاة القاصر ترغب في الزواج المبكر، وهل هناك عوامل اقتصادية أو اجتماعية يحق للقاضي من خلالها منح الأذن للزواج"، وتضيف "أيضاً لابد من تدخل المجتمع المدني للتوعية بخطورة هذه الظاهرة، والقيام بدراسات أخرى حتى نتوصل إلى الأثار الناجمة عن هذه الظاهرة وخطورتها لنمنع تفشيها في المجتمع". 
 
مؤتمر الأسرة الليبية الأهداف والتوصيات
تؤكد عازة عمر بوغندورة أستاذة علم الاجتماع بقسم علم الاجتماع كلية الآداب جامعة عمر المختار على أن مؤتمر الأسرة الليبية تضمن ورقات علمية قيمة، تناولت محاور المؤتمر المتمثلة في زواج القاصرات، والتحكيم في إبعاد شبح الطلاق، والعنف الأسري الحاصل في الأسرة، فالبحوث كلها كانت تصب في هذه المحاور، مشيرةً إلى أنها على ثقة بأن الاستفادة من هذه الأوراق وتوصياتها، ستكون بشكل جيد. 
وتضيف عازة بوغندورة بأنه "تم اختتام المؤتمر بندوة تناولت جوانب تخص الأسرة الليبية، والحماية الاجتماعية للمرأة غير المتزوجة والتي تقدم بها العمر وأصبحت وحيدة برحيل الوالدين، كيف نستطيع أن نقدم لها الحماية الاجتماعية؟ وكيف نرفع العنف عنها؟ وكيف تعامل معاملة جيدة وتحصل على حقوقها كامرأة وكإنسانة دون ظلم أو جور؟".
 
خلق أسرة سوية قدر الإمكان
وتشير الدكتورة عازة بوغندورة بأن الهدف من المؤتمر هو تسليط الضوء على وضع الأسرة الليبية حالياً، "كما نعلم فإن ليبيا مرت خلال هذه الفترة بتغيرات اجتماعية هائلة، والعديد من المشاكل والصراعات والأزمات الاقتصادية، والاجتماعية، مما عرض  النسيج الاجتماعي لمخاطر، وبما أن اللبنة الأولى للمجتمع الليبي هي الأسرة فإذا استطعنا أن ندرس وضعيتها، ونتداول كيفية انشائها بطريقة سليمة، سوف نخلص المجتمع من هذه الاضطرابات، لذلك فالهدف هو التركيز على خلق أسرة سوية قدر الإمكان، خالية من المشاكل، لأنه لا يوجد في العالم مجتمع يخلو من المشاكل فهي موجودة، ولكن التخفيف منها ومعالجتها هو هدف هذا المؤتمر". 
وعن الجهات التي سيتم رفع التوصيات الخاصة بالمؤتمر لها تقول "سيتم رفع هذه التوصيات لوزارة الشؤون الاجتماعية، ووزارة الداخلية لأن بعض منها قضايا، ووزارة الصحة لأن بعض منها تهتم بالجانب الصحي، ولوزارة التعليم لأن جانب منها يحتاج إلى تدريسه للناشئين ليغير أفراد المجتمع مواقفهم وأفكارهم، وسيتم رفعها أيضا لوزارة الإعلام لتقوم بتوعية مكثفة لوضعية الأسرة والتغيرات التي تتعرض لها، وللساسة الذين يخططون مستقبلنا كي يراعوا الأسرة الليبية".
 
زواج القاصرات جريمة إنسانية وحقوقية
من جانبه يقول الباحث عبد الله نوح عن ورقته التي تناولت "زواج القاصرات بين الأسباب والتداعيات"، والتي أعدها مع فوزية الزليتني عضوة هيئة التدريس بجامعة المرج "يعتبر زواج القصر جريمة إنسانية وحقوقية واجتماعية، ويعتبر امتداد لموروث سائد في المجتمع، فقد لجأت الأسر الليبية إليه، واعتبرته الحل المنقذ من الأزمات التي يعاني منها المجتمع، وعلى الرغم من أن حالات الطلاق وصلت لـ 70 بالمئة عام 2019 من مجمل حالات الزواج المسجلة بدائرة محكمة الماجوري إلا أنه مازال مستمراً، وقد سجلت حالة قتل لإحدى هذه القاصرات بمدينة بنغازي العام الماضي عرفت بجريمة فرح". 
ويضيف عبد الله نوح بأن "الاحصائيات المتحصل عليها من مصدر قضائي بمجمع محاكم طرابلس تشير بأنه قد سُجلت 186 حالة زواج قصر ما بين (2011 ـ 2017)، من بينها 36 زواجاً بين طفلين لا يتعدى فيها سن الزوج 16 عاماً والزوجة 14 عاماً" مؤكداً بأن هذه الظاهرة لم تعد محصورة في الأرياف والدواخل بل امتدت لتشمل المناطق الحضرية والمدن مثل بنغازي وطرابلس ومصراتة ودرنة. 
 
خوفاً من شبح العنوسة
يوضح عبد الله نوح بأنه "قد تم حصر تزويج القاصرات في العامل القيمي المتمثل في تزويج القاصرات خوفاً من شبح العنوسة، وقد نجم عن زواج القاصرات جرائم قتل وسوء الحالة الصحية والنفسية لهنَّ، وارتفاع معدلات الطلاق أمام المحاكم الليبية"، وأشار بأنه "لابد من التوجه إلى التوعية بالأضرار السلبية الناجمة عن زواج القصر في المجتمع الليبي، وتفعيل دور منظمات المجتمع المدني لمحاربة هذه الظاهرة وتوعية الأسر، والعمل على تغيير بعض القيم والاتجاهات نحو زواج القاصرات".