نجلاء العلاني: هذه أبرز تطلعاتنا للعام المقبل وقادرون على الارتقاء بواقع النساء

يعتبر مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة "الكريديف" من أبرز المؤسسات العمومية المنضوية تحت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة والمختصة في الدفاع عن حقوق النساء وتسهيل ولوجهن إلى مراكز القرار

زهور المشرقي
تونس ـ ، فضلاً عن دوره الفعّال في مكافحة جلّ أشكال العنف ضدهن عبر حملاته التوعوية المختلفة رقمياً وميدانياً، وسعى منذ بعثه إلى ضمان تحقيق المساواة بين الجنسين وحماية النساء من كل أشكال الاضطهاد والتمييز الذي قد يمسّهن من المنزل وصولاً إلى مكان العمل والشارع.
في مجتمع يغلب عليه الطابع الذكوري لم تكن مهمة الكريديف الذي يعتبر أول مؤسسة تختص في توثيق ذاكرة النساء سهلة بل أن طريقه العلمي صعب ومحاط بالصعاب، يسعى بشراكاته لإزالتها وتحقيق الأهداف التي جاء من أجلها منذ التسعينات.
المديرة العامة لمؤسسة الكريديف نجلاء العلاني تحدثت لوكالتنا في حوار معها عن هذه المؤسسة وتاريخها وأبرز الحملات التي نظمتها عام 2021 والصعوبات التي تتعرض لها في عملها المستمرّ، من أجل الانتصار لحقوق النساء في تونس.
 
ماهي أبرز الأهداف التي تأسس من أجلها؟
تأسّس مركز البحوث والدراسات حول المرأة "الكريديف" الذي يعمل تحت إشراف وزارة الأسرة والمرأة والطفولة عام 1990 وهو الآلية العلمية لها، لتعزيز حقوق النساء وحضورهن في الحياة العامة والسياسية وضمان حظوظهن اقتصادياً ولمناهضة كافة أشكال العنف ضدهن.
في آب/اغسطس2020 احتفلنا بالعيد الثلاثين لتأسيس المؤسسة وكان الاحتفال فارقاً لاعتبار أول نواة في الكريديف كانت نواة توثيقية مهمتها التوثيق للذاكرة النسائية التونسية وقمن بإعادة طبع كتاب "شهيرات تونسيات" وتم حينها الإعلان رسمياً عن الانطلاق في العمل في الإعداد لموسوعة النساء التونسيات، وتعهدنا بأن تكون حاضرة في العيد الوطني لنفس العام وهو تحدي شاركنا فيه كافة الجامعيين الذي شاركوا في تحرير الموسوعة التي تعدّ أول محمل علمي ينتجه الكريديف منذ تأسيسه، بمشاركة قرابة الستين جامعي وجامعية، وكان الهدف من ذلك تثمين الذاكرة النسوية التونسية عبر التاريخ، وثقنا لنساء تونسيات متوفيات كن فاعلات عبر التاريخ وتركنا بصمة في التاريخ التونسي، ومن خلال الموسوعة ارسلنا لجنة علمية قامت بإعداد ميثاق تحريري وتقسيم المحاور التي كانت عليها الموسوعة، وثقنا لأول مرة لنساء يعد تاريخهن من الذاكرة المنسية واللواتي لم ينصفهن التاريخ كثيراً، وباعتبارنا نحمل أول أداة توثيقية ولدينا معلومات عليهن سعينا لتوثيق ما قمن به وترسيخه عبر التاريخ، كما عملنا على ترجمة الموسوعة للغة الإنجليزية حتى يتم التعريف بأيقونات تونس عبر التاريخ في العالم.
 
ما هي أهم الحملات التي قام بها الكريديف سنة 2021؟
قبل التحدث عن أهم الحملات التي قمنا بها سنة 2021 من المهم أن نبين أن التدخل في الكريديف يتم في التفاعل والتكامل بين مختلف الأنشطة البحثية التوعوية التكوينية والتوثيقية، لذلك كل الحملات التوعوية التي نقوم بها تستند على مخرجات دراسات قمنا بها، أما بالنسبة لهذه السنة لدينا دراسات مهمة قمنا بها كدراسات العنف المسلط على المراهقات قمنا بها بالشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان.
كما قمنا بإنتاج شريط سينمائي قصير نظراً لخصوصية الفئة التي تهمها الدراسة هذا الشريط يستند على توصيات هذه الدراسة ويقدم ظاهرة العنف المسلط على المراهقات لأكبر شريحة ممكنة من المجتمع، وقمنا بعرض هذا الشريط في مختلف دور العرض.
 
العنف الرقمي
أيضاً قمنا بدراسة حول العنف المسلط على النساء في الفضاء الرّقمي في دراسة أولى استطلاعية قمنا بها في 2019 ونشرت في 2020 حول العنف المسلط على النساء في الفضاء الرّقمي الفيسبوك نموذجاَ.
على إثر هذه الدراسة قمنا بالعديد من الحملات التوعوية كـ "العنف الرقمي جريمة" وحملة "خليك آمنة" أيضاً حملة "7 أيام من النشاط" عرضنا خلالها العنف المسلّط على النساء في الفضاء الرقمي والتناول الإعلامي لهذا العنف، وكذلك قمنا بدورات تكوينية للإعلاميين. 
كما واصلنا العمل مع شريكنا "سلامات تونس" لإصدار ورقات توجيهية حول الواقع القانوني للعنف الرقمي قدمتها الخبيرة أنوار منصري، وحول التأثيرات السوسيو- نفسية للعنف الرقمي على الضحايا وعلى المحيط قدمتها الخبيرتين ألفة يوسف وسندس قربوج، وقمنا بتقديم مخرجات هذين الورقتين التوجيهيتين خلال ندوة قمنا بها يوم 8 كانون الأول/ديسمبر، وكل هذه المخرجات سنستند عليها في حملات توعوية أخرى، حيث بينت دراسة الفيسبوك نموذجاً أن 89 بالمائة يصرحن أنهن تعرّضن ولو لمرة للعنف في الفيسبوك كذلك الأرقام كانت مفزعة حيث إن 95 بالمئة من هذه النساء لا يتوجهن للقضاء ولا يتقدمن بشكوى لأنهن لا يدركن أن ما يتعرضن له هو عنف رقمي، وبأن القانون يحميهن ولا يتوجهن بشكوى بسبب الخوف من نظرة المجتمع.
وهذا ما أكدت عليه مخرجات هذه الدراسات من حيث تكثيف الحملات التوعوية للتعريف بالعنف الرّقمي ومناصرة ومعاضدة الضحايا نفسياً لان المتوارث عندنا هو أن العنف الرقمي هو أقل تأثيراً على الضحايا على عكس ما بينته الورقتين التوجيهيتين أن العنف الرقمي له آثار نفسية كبيرة وعلينا العمل من حيث الإحاطة، من حيث التوعية ومن حيث التّكوين.
 
العنف الرمزي 
كذلك قمنا سنة 2021 بحملة توعوية حول العنف الرّمزي، وكانت تحت شعار "اسمو تمييز" باعتبار أننا قمنا بالعمل على العديد من الحملات حول العنف في الفضاء العام، حول العنف الرّقمي حول العديد من أشكال العنف، وكان من المهم أن نسلط الضوء على أسباب هذا العنف الذي ربما يتطور إلى عنف مادي، وعنف جسدي، وعنف جنسي.
لذلك اهتممنا بالعنف الرمزي وذلك استناداً على دراسة قمنا بها سنة 2018 حول التماثلات الاجتماعية للعنف ضد المرأة لدى الرجال وخلال هذه الحملة التي قمنا بها في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، حملة "اسمو تمييز" آثرنا الاعتماد على مبدأ الذكورة الإيجابية حتى نقدّم تجربة ثلاثة رجال من أوساط مختلفة، الوسط العائلي، الوسط المدرسي، الوسط الرياضي. وقد تحدّثوا عن تجربتهم مع العنف الرمزي. 
 
"التطرّف العنيف"
وفي إطار اهتمامنا بالعنف المسلّط على النساء، آثرنا الاهتمام بأقصى أنواع العنف تطرّفاً وهو "التطرّف العنيف" والاهتمام بمجال الوقاية وقمنا ببحث موظف منذ سنة 2019 قدمنا مخرجاته في 14 كانون الأول/ديسمبر 2021، هذا البحث الموظف حول دور النساء والشباب من الجنسين في الوقاية من التطرف العنيف، وقدمنا خلال هذه الندوة التي قمنا بها مخرجات هذا البحث الموظف لأننا عادة في الكريديف نقوم ببحوث موظفة حول التنمية والديناميكية الاقتصادية. كانت هذه تجربة أولى حول التطرف العنيف لما للبحوث المنظمة من طابع تشاركي كأن يكون مجتمع البحث شريكاً في الحل. وقد شمل هذا البحث الموظف ولايات تونس الكبرى، نابل، جندوبة، مدنين، القيروان، سوسة، المهديّة، والعديد من ولايات، ومن المهم جداً التنقل للمجتمع المحلي ومعرفة خصوصياته لتقديم حلول تنبع من هذا المجتمع.
 
ما هي أبرز الصعوبات التي يواجهها الكريديف في حملاته الرّقميّة أو الميدانيّة؟
في أغلب الأحيان هناك تفاعل إيجابي سواء في الحملات الرقميّة أو على الميدان لأننا نعمل أساساً مع المجتمع المدني ومع الفاعلين الحكوميين أو غير الحكوميين على المستوى المحلّي، وقربهم من المجتمع المدني يسهّل عملنا، لكن في بعض الأحيان، على صفحتنا الاجتماعية نواجه تعليقات، إذا كان هناك كلام بذيء يمسّ من كرامة الإنسان أو من حقوق النّساء نقوم بحذفها، لكن حريّة التعبير عموماً مكفولة، وبعض التعليقات تمكننا من رؤية جوانب أخرى لم نتطرق لها، ونحن نقوم يوميّا بمراجعة خطابنا والمجتمع المستهدف، لذلك في كل حملة توعويّة نحاول أن نكون أكثر قرباً من شرائح أخرى من المجتمع، الشباب والأطفال أيضاً لأننا نؤمن بأن عملنا يجب أن يقوم أيضاً على التنشئة الاجتماعية، هذا عمل يجب أن تتضافر فيه جهود كافة الفاعلين الحكوميين وغير الحكوميين والمجتمع المدني، إذن نحن حلقة من حلقات هذا العمل ونحاول أن نساهم أيضاً من مستوى تدخّلنا.
 
ماهي أبرز تطلّعاتكم في الكريديف إلى المستقبل وما هي الحملات التي تودّون إنجازها في العام المقبل؟
نودّ في العام المقبل، مواصلة حملاتنا بالقرب أكثر من المجتمع ومن المواطنين، سنقوم بدراسة حول التكلفة الاقتصادية والاجتماعية للعنف المسلط على النساء وهذه الدراسة سنقوم بها بالشراكة مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة وصندوق الأمم المتحدة للسكان، كما سنقوم بدراسات حول الهجرة النسائية نظراً لتغير واقع الهجرة النسائية اليوم، وسنقوم بإصدار مجلة الكريديف وستُعنى في عددها القادم بالعنف الرقمي وستكون هنالك مراكمة حول ما قام به الكريديف حول العنف المسلط على النساء في الفضاء الرّقمي، ستكون هذه المجلة ذات بعد إقليمي بالشراكة مع "سلامات" الناشط في العديد من الدول العربية. كذلك نحن نتطلّع أيضا لترجمة موسوعة النّساء التونسيات، والقيام بمحامل إبداعية أخرى نواصل من خلالها مناصرة حقوق النساء. كما سنعمل على تنقيح مشروع قانون "زبيدة البشير" الذي تم إصداره سنة 2020 بعد 26 سنة من الوجود، كذلك سنواصل دوراتنا التكوينية، بعد المصادقة على قانون 58 لسنة 2017 توجه الكريديف لتكوين الفرق المختصة التي أحدثت بموجب هذا القانون، ونحن حالياً بصدد مواصلة تكوين فرق الاستمرار، لأن المرأة المعنّفة بعد التوقيت الإداري والعطل الأسبوعيّة لا تستطيع التوجه إلى الفرق المختصة، هناك فرق الاستمرار التي تتولى التعهد بالنساء المعنفات لذلك نحن بصدد تكوين منظومة الاستمرار لاستقبال وتوجيه النّساء ضحايا العنف.
 
كنت قد أشرتم منذ قليل إلى الجائزة الوطنيّة "زبيدة البشير" وهي أول شاعرة تونسيّة لو تحدثونا قليلاً عن هذه الجائزة؟ 
الجائزة الوطنيّة "زبيدة البشير" هي جائزة تثمّن وتحفظ ذاكرة الشاعرة الأيقونة التونسية "زبيدة البشير" هي أول شاعرة في العصر الحديث، تم إحداث هذه الجائزة سنة 1995 لكنها طيلة هذه السنوات لم تحض بنص قانوني ينظّمها ولم تكن للجائزة القيمة الماليّة التي تستحق، والسنة الماضية في أب/اغسطس 2020 تمّت المصادقة على الأمر الحكومي الذي ينظم الجائزة وأصبحت منذ ذلك الحين تُسمى الجائزة الوطنيّة "زبيدة البشير" لأفضل الكتابات النّسائية، وأحدثنا صنف جديد إضافة إلى الخمسة أصناف الأخرى كان هناك صنفين لجائزة الإبداع باللغة العربيّة والفرنسيّة، جائزة البحث العلمي باللّغة العربيّة واللغة الفرنسية، وجائزة البحث العلمي حول المرأة واعتماد مقاربة النوع الاجتماعي، أضفنا صنف سادس وهو أفضل سيناريو لتثمين السيناريوات والأفلام والأشرطة السنيمائية القصيرة التي تثمن الدور الرّيادي للمرأة التونسيّة.
 
من هي نجلاء العلاني؟ 
تونسية مهتمة بقضايا النساء، شغلت سابقاً قبل الالتحاق بالكريديف منصب المديرة التنفيذية لجائزة فاطمة الفهرية لتكوين النساء وتسهيل ولوجهن إلى مسؤوليات مهنية مهمّة، وكنت العضو المؤسس للجائزة أيضاً، وهي جائزة متوسّطية تتبع برنامج المتوسط21، فازت بها العديد من النساء التونسيات الفاعلات على غرار الفنانة الملتزمة سنية مبارك والممثلة القديرة منى نور الدين، وقمنا بتسليم جوائز على المستوى الإقليمي والعالمي.
أسندنا الجائزة للعديد من النساء الفاعلات اللواتي فقدناهن كتكريم لهن وكلمسة وفاء لنضالاتهن في مجال الدفاع عن حقوق النساء، على غرار راضية الحداد، وهي ناشطة نسوية تونسية توفيت عام 2003 وتولت رئاسة الاتحاد القومي النسائي التونسي منذ أواسط الخمسينات إلى مطلع السبعينات، وفاطمة المرنيسي، وهي ناشطة نسوية مغربية وعالمة اجتماع توفيت 2015 وقد ساهمت في ترجمة العديد من الكتابات النسوية إلى اللغات العالمية، وغيرهن من الفاعلات اللواتي تمّ تكريمهن تمجيداً لمسيرتهن الحافلة في هذا المجال.
اهتمامي بالقضايا النسوية يأتي من منطلق ايماني بأهمية وجودهن في مراكز القرار والقيادة ومن منطلق الإيمان 
بضرورة ضمان حقوقهن وتفعيلها.