مسلسل جرائم قتل النساء مستمر واللبنانية زينب زعيتر آخر ضحاياه
ازداد العنف ضد المرأة في الآونة الأخيرة، وشكل مقتل اللبنانية زينب زعيتر على يد زوجها في لبنان صورة مرعبة لهذا العنف، فالعديد من الموروثات المجتمعية مثل العقلية الذكورية والسلطة العشائرية والأعذار المخففة تساهم في تفاقم هذه الظاهرة.
سوزان أبو سعيد
بيروت ـ أثارت قضية مقتل اللبنانية زينب زعيتر على يد زوجها الكثير من ردود الأفعال، حيث أكدت عدة ناشطات من لبنان على ضرورة وضع قوانين صارمة للحد من جرائم القتل التي ازدادت خلال الآونة الأخيرة.
مر عام على جريمة بلدة أنصار في جنوب لبنان، التي ذهبت ضحيتها باسمة عباس وبناتها الثلاث منال وريما وتالا صفاوي، ليسجل هذا العام جريمة أخرى وهي قتل زينب زعيتر (26 عاماً) على يد زوجها (27 عاماً) وأمام أطفالها الثلاثة في مدينة الشويفات، ليتوارى زوجها بعيداً عن الأنظار.
وبين هاتين الحادثتين، مرت جرائم "شرف" عدة في مجتمع يسأل دوماً لماذا؟، واضعاً اللوم على الضحية بدلاً من إنصافها ومعاقبة المجرم، ويبرر الجناة ذلك بحجج واهية منها الحالات العصبية والنفسية، وما أثار حفيظة كثيرين في هذه القضية، انتشار تسجيل فيديو لشقيق الضحية وهو يساند الزوج وينهيان الجدال والمطالبة بالثأر كما هو متعارف في هذا المجتمع، قائلاً "لو لم يفعلها (أي قتل زينب) لكنت أنا فعلتها"، بينما كان الجمهور من حوله يهنئه على هذا الانجاز بقوله "بارك الله بالشباب الطيبة!"، لتقتل زينب زعيتر مرتين، الأولى على يد زوجها والثانية على يد أهلها والمجتمع.
وحول هذا الموضوع قالت الناشطة الحقوقية والمحامية ماريانا برو "ازدادت في الفترة الأخيرة جرائم العنف ولا سيما القتل ضد النساء، في الوقت الذي من المفترض تعديل بعض نصوص مواد العقوبات التي كانت تعتبر مفراً ومنفذاً للمجرم لتبرير جريمته، والتي كانت تحمل إطار وعنوان جريمة الشرف ومنها المادة 562 التي رافقها جدل كبير داخل مجلس النواب قبل إقرار التعديل، وعلى الرغم من هذا فإن الجرائم مستمرة وترتكب بشكل متكرر خلال أيام متقاربة وبصورة فاضحة ومرعبة، وهي تحمل تساؤلات وأهمها لماذا؟ والجواب على هذا السؤال يحمل ثلاثة نقاط رئيسية أولها عدم قيام الأجهزة الأمنية بمهامها وضبط الفلتان الأمني في ظل غياب الحكومة".
وبينت أن النقطة الثانية هي القضاء فهناك بعض الأحكام القضائية من قبل بعض القضاة في بعض هذه المسائل مخففة جداً، لدرجة أنها ليست غير مقبولة فحسب، بل ومرفوضة، وقد يكون ثمة "سلطة استنسابية لدى قاضٍ ما"، وفي القانون قد تؤخذ حجة الحالة النفسية أو حالة الغضب الشديد وغيرها رغم إلغاء المادة 562 وتعديلها.
وأوضحت أنه هناك "هيئات معنية بالدفاع عن حقوق المرأة وجمعيات نسائية تلعب دوراً إيجابياً بحماية النساء وتسعى عند صدور حكم مجحف أو غير عادل من قبل القضاء إلى الضغط من خلال محكمة التمييز من أجل أن تحصل المرأة على حقها، وهو ما حصل في قضية رولا يعقوب التي قتلت على يد زوجها، فقد حصلت تحت ضغط الرأي العام على حقها، وهنا يمكننا القول أننا كمجتمع مدني علينا أن نتكافل دوماً وأن نكون صوتاً وصدى لكل المظلومين وخصوصاً النساء".
وعن النقطة الثالثة تقول أن بعض الناس لا زالت لديهم عقلية رجعية وذكورية، جزء منها يأتي من تقاليد بعض العشائر وجزء ثانٍ من التطرف الديني وجزء آخر من التربية الخاطئة وغياب الثقافة في المدارس وعدم قدرة الأهل أن يكونوا ناضجين بما فيه الكفاية ليعملوا على تربية الرجل الصالح وليس الذكر ذات العقلية غير السوية، وعندها تحصل عملية التبرير لجرائم القتل ودائماً عندما تكون الضحية امرأة توضع القضية بإطار الشرف، والشرف يوجد في الأخلاق والقيم وليس بجسد المرأة".
وأضافت "إننا كنساء أمام تحديات كبيرة جداً، بسبب العنف الممارس علينا، في ظل عقلية تحمل موروثات ذكورية خانقة تربط شرف العائلة والقبيلة دوماً بجسد المرأة، وهذه الممارسات لا تزال موجودة في المجتمعات المنهارة اقتصادياً وثقافياً".
واختتمت حديثها بالتأكيد على ضرورة الحكم بشكل جاد في القضايا التي تتعلق بجرائم القتل، وتشديد العقوبات لتكون رادعاً لمثل هذه الجرائم وعدم ارتكابها مرة أخرى.
ومن جانبها قالت منسقة وحدة الإعلام في منظمة كفى زينة الأعور "جرائم قتل النساء التي تعطى عناوين متعددة سواء جريمة شرف أو غيرها، ناتجة عن فائض السلطة المعطاة للرجل سواء كان الأب أو الأخ أو الزوج والتي تجعل الرجل داخل الأسرة يتعامل مع المرأة وكأنها ملك له، والوصي عليها، لذا نسمع مثلاً أن المرأة تعتبر مذنبة في حال خرجت من منزل زوجها دون موافقته، كما ونجد أن المرأة يمكن أن تستمر لسنوات في المحاكم دون القدرة على الحصول على الطلاق وحتى ولو كانت ضمن علاقة سيئة تؤثر عليها وعلى أطفالها، كما نشهد مئات النساء تناضلن للحصول على حضانة أولادهن لأن القانون يساند الرجل في مسألة الحضانة، فحل جميع هذه المشاكل يكمن بإقرار القانون المدني الموحد للأحوال الشخصية، والذي بدوره ينعكس على عدد من القضايا الأخرى المتعلقة بهذا المجال".
حرب تواجهها النساء
رئيسة جمعية "أمواج" المختصة بالتطوير المجتمعي والمشاركة السياسية للمرأة فيكتوريا الخوري زوين قالت "قضية مقتل زينب زعيتر هي حلقة من مسلسل قتل النساء، زينب قتلت مرتين مرة على يد زوجها، ومرة أخرى بسبب الأعذار التخفيفية، مثل أن الجاني يعاني من أمراض نفسية وعصبية، كما أن عائلتها لم تكن للقضية أي اهتمام، فهذا الشيء مخيف في مجتمعنا".
وأكدت أن مقتل زينب زعيتر "يجب أن يدفعنا جميعاً إلى الوعي ومنع التطبيع مع جرائم القتل، وإصدار أحكام رادعة للحد منها، لنتجنب المزيد من الضحايا ونعمل من أجل الحصول على عقوبة على قدر الجريمة، بدلاً من سرد قصص حصلت، لا أن تكون هناك أعذار تخفيفية وتمر مثل غيرها من الجرائم، وأن نستكمل حياتنا بعّد عدد الضحايا".
وبدورها أوضحت رئيسة الهيئة الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة لورا صفير "بالرغم من إقرار قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري في العام 2014، والذي تم تعديله في العام 2020، لا زال مسلسل العنف الممارس ضد المرأة موجوداً في مجتمعاتنا، بالإضافة إلى أن المادة 562 من قانون العقوبات المتعلقة بما يسمى بجريمة الشرف ألغيت سنة 2011، والتي كانت تعفي الجاني أو القاتل في حال ارتكب جريمة متعلقة بالشرف، وكانت الجمعيات النسوية قد ناضلت منذ سنوات لإلغائها، وعلى الرغم من إلغائها فلا زالت موجودة في الذهنية الثقافية في المجتمع وخاصة في المجتمعات القبائلية والعشائرية، والتي تتحدث عن الدفاع عن الشرف والعرض، ويتهمون المرأة اتهامات غريبة، ولا زال يتساهل بعض أفراد المجتمع معها، ويعتبر القاتل أنه يعفى من العقوبة لأن المجتمع القبلي يتعاطف معه".
وأوضحت أن "جريمة قتل زينب زعيتر من قبل زوجها لمجرد اتصال هاتفي ليتهمها بالخيانة غير المبررة، فهو أدرك أن له الحق في أن يقتلها بعدة رصاصات وأمام أولادها، غير آبه بالقوانين، لذلك على جميع القوات الأمنية ملاحقته والقبض عليه لإنزال أشد العقوبات بحقه".
وأضافت "خلال الفترة الماضية حدثت العديد من الانتهاكات بحق النساء منها قضية مقتل زينب زعيتر والتحرش الجنسي بطفلة عمرها 6 سنوات في المدرسة وحاولت إدارة المدرسة إغلاق الموضوع، بالإضافة إلى حادثة اغتصاب فتاة عشرينية كانت تمارس رياضة الجري في بيروت، وهذه جزء من الحوادث التي تم الإبلاغ عنها، وهناك حالات كثيرة غيرها لكن لا يتم الإبلاغ عنها".
وقالت "نحن نستقبل الكثير من الحالات في مراكز الجمعية المختلفة والمساحات الآمنة فيها، حيث نستقبل العديد من النساء اللواتي عانين من العنف الجسدي والنفسي والجنسي وغيره من أشكال العنف، ونحاول مساعدة هؤلاء الناجيات وتأمين مساحة آمنة لهن، فنحن نطالب أن يكون المجتمع متعاطفاً مع قضايا وحقوق النساء وأن يعمل على نشر الوعي في هذا الإطار، كما نطالب الأجهزة الأمنية ومؤسسات المجتمع المدني بالتكاتف لتحقيق العدالة للنساء والفتيات".
أما رشا وزني منسقة التواصل في التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني قالت "قضية زينب زعيتر ليست القضية الأولى في لبنان، فنحن نشهد في الآونة الأخيرة مقتل العديد من النساء والفتيات وخلال مدة قصيرة للغاية، ونحن كتجمع نسائي ديمقراطي كنا من أوائل الجمعيات التي عقبت على هذه القضية، ولكننا في خضم دراسة خطوات تصعيدية أكبر، لأنه لم يعد مقبولاً عدد الجرائم ضد النساء والفتيات في لبنان في ظل أحكام تكون دوماً تخفيفية، وعدم وجود قوانين حماية كافية وإجراءات تطبيقية على الأرض، لتكون رادعة أمام القتلة".
وأضافت "النساء والفتيات غير محميات، ولا تستطعن تحصيل أدنى حقوقهن بالبقاء على قيد الحياة، ونحن بصدد إصدار إجراءات تصعيدية وليس الخروج ببيانات فحسب، وأن نستنكر في هذا المجال بالتعاطي مع قضايا النساء، وما يحصل من تغطية لهذه القضايا فضلاً عما يصدر من أحكام تخفيفية وحجج تتعلق بالشرف والعار، فلا مبرر لقتل النساء والفتيات".
من جهتها، قالت شيرين الجردي خبيرة الجندر والممثل الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المجلس الدولي في الرابطة النسائية الدولية للسلام والحرية "في واقع نشهد فيه مقتل امرأة وأخت وأم بهذا الشكل أمر مؤلم للغاية، ويعود أحد أسبابها إلى انتشار الأسلحة دون ضوابط والتي تتواجد للأسف في معظم منازل اللبنانيين وبدون رخص، وإحدى نتائج انتشار الأسلحة بين الأهالي خسارتنا للعديد من النساء".
وأوضحت "نحن نعيش حالة من العنف المستمر الذي لا نستطيع إيقافه، فهو يمارس بكافة الطرق والأشكال، فما نشهده من ظاهرة الانتحار نتيجة الأزمة الاقتصادية يعد عنف اقتصادي، وهناك عنف جسدي يمارس بشكل يومي"، لافتةً إلى أنه "بالعودة إلى واقع زينب التي تم تزويجها بعمر 13 سنة، يلقي الضوء على قضية أخرى وهي تزويج القاصرات"، داعيةً إلى "تعديل المواد المتعلقة بالمساواة بين المواطنين للحد من ظاهرة العنف لأننا نستحق الحياة".
وأضافت "بما أن لبنان من بين الدول المصادقة على معاهدة تجارة الأسلحة فهذا يضعنا أمام التزامات دولية، فهذه القضية ليست متعلقة بأجندة المرأة والأمن والسلام أو الخطة الوطنية للمرأة والأمن والسلام فحسب، بل بالأخلاقيات والممارسة تجاه العنف الذي يجتاح مجتمعنا، وكذلك الانعكاسات الأمنية بكافة جوانبها، والوصول إلى الأمن بأنواعه الغذائي والبيئي والاجتماعي والاقتصادي والصحي، لذا يجب وضع ضوابط لهذه الأسلحة، وأن نصل إلى حوار لحل النزاعات والانفصال بصورة ودية".