من التعليم إلى التجنيد... أطفال السودان يشاركون في الصراع

بالرغم من أن قانون حقوق الإنسان يحدد الثامنة عشرة بوصفها السن القانونية للانخراط في الأعمال الحربية، إلا أن مقاطع فيديو أظهرت أطفالاً دون الـ 18 عاماً في صراع السودان يقودون السيارات الحربية وآخرين يحملون السلاح.

ميساء القاضي

السودان ـ بعد اندلاع الصراع في السودان منتصف نيسان/أبريل العام الماضي، أظهرت مقاطع فيديو أطفالاً يرتدون زي قوات الدعم السريع ويقودون سيارات قتالية، كما أوضح تقرير للمرصد السوداني لحقوق الإنسان ظهور أطفال جنود بين صفوف الدعم السريع في معركة المدرعات بالعاصمة الخرطوم، مؤكداً أنه تلقى بلاغات من شهود عيان أن القتلى والأسرى في القوة التي هاجمت تلك المنطقة معظمهم أطفال دون سن الثامنة عشرة.

عن بداية تجنيد الأطفال في السودان، قالت الصحفية صباح آدم لوكالتنا، إن تجنيد الأطفال لم يبدأ في هذا الصراع بل أن "ميليشيا الجنجويد" والتي تحولت إلى قوات الدعم السريع بعد اندلاع الصراع بدأت بتجنيد الأطفال منذ بداية تشكيلها "تجنيد الأطفال ليس وليد هذا الصراع بل سبقتها منذ سنوات طويلة منذ نشأة مليشيا الجنجويد والتي استفاد منها النظام السابق في دعمه وتأييده والمحافظة على وجوده وكانت تقوم بتجنيد الأطفال في منطقة دارفور في مناطق بدوية ورعوية فالناس هناك ليس لديهم شهادات ميلاد ولا يسعون لتسجيل أبنائهم في سجل المواليد لأسباب كثيرة لذلك ليس هناك إحصاء دقيق فيما يتعلق بالأطفال في تلك المناطق الريفية وأيضاً لكونهم بعيدين عن الخدمات لم يكن هناك إلزام لهم بتسجيل أبنائهم".

وأوضحت أن الحاجة للمال دفعت العديد من الأسر لتجنيد أبنائها "هذه المناطق الريفية تم إهمالها من قبل الحكومة لأكثر من 30 عام والحكومات السابقة أيضاً وأغلقت المدارس وانتشر الأطفال في الصحراء وأصبحوا يمارسون الرعي ويساعدون عائلاتهم في الزراعة ويدخلون في غزوات وحروب أهلية يأخذون منها الغنائم وعندما بدأ الصراع في دارفور استغلت الحكومة آنذاك هذا الوضع الهش للسكان هناك، وبعد حرب اليمن، دخل السودان ضمن العناصر التي عملت مع التحالف العربي تم تجنيد أعداد كبيرة من هؤلاء الأطفال حتى يحاربوا في اليمن وكانت لا تتم مراعاة عمرهم وكان يتم التغاضي عن ذلك لعدة أسباب فالأسر تزور أوراقهم الثبوتية اللازمة لسفرهم فكانت تعطي أعمار أكبر من سنهم لغياب السجل الخاص بهم".

وتابعت "أحياناً كان يتم تهديد بعض الموظفين العاملين والأسر من قبل القوة السياسية والقبلية لكتابة السن الذي يُطلب منهم وهذه مناطق فيها طابع قبلي بعدما تم كشف هذه المسألة ورصدها كان هناك نقد وهجوم كبير وأصبحوا يختارون الأطفال الأكبر سناً حيث أن هناك مكسب مادي تجنيه الأسر من ذهابهم فالمجندين يتسلم أهلهم أموالاً طائلة عنهم سواء كانوا أحياء أو أموات، فكان هذا مصدر إغراء لآخرين لتجنيد أبنائهم ولعب العمدة في تلك المناطق دور كبير جداً في تجنيد هؤلاء الأطفال وفي حث أسرهم وتسجيلهم لأن العمدة كان يتلقى عطايا من القادة في الدعم السريع".

وأشارت إلى أنه "بعد الصراع ظهر هؤلاء المجندين ضمن قوات الدعم السريع في الخرطوم بأعداد كبيرة جداً وكانوا ظاهرين للعيان أنهم أطفال، لكن لم تكن الحكومة تتخذ أي قرار، وللأسف حالياً في هذا الصراع فُقدت الكثير من الأرواح من سن 17 و16 حتى ثلاثين عاماً الذين انضموا من ناحية قبلية أو من أجل المال وهذا فقد كبير للأسرة والمجتمع السوداني من الشباب والأطفال الذين كان ممكن أن يساهمون في بناء الوطن".

وترى صباح آدم أن وجود هؤلاء الأطفال خارج التعليم هو المشكلة الأساسية "لا بد من وضع ضوابط وقوانين فالمشكلة الأساسية هو وجود هؤلاء الأطفال خارج نطاق التعليم للعديد من الأسباب مثل بُعد المدارس، والأوضاع الاقتصادية المتردية".

بدورها أكدت رحاب مبارك وهي محامية وناشطة في حقوق الإنسان، أن طرفي الصراع متورطين بتجنيد الأطفال، موضحةً أن هذه الانتهاكات واضحة للقوانين المحلية والدولية التي تحظر تجنيد الأطفال "في هذا الصراع يظهر الأطفال بصورة جلية وهم يقودون العربات الأمر الذي يخالف القانون الدولي وحقوق الطفل وكنا نعتقد أن تجنيد الأطفال يتم بواسطة الدعم السريع فقط ولكن فوجئنا بتجنيدهم من قبل الجيش أيضاً بعد أن فتح المعسكرات للأطفال ووجدنا الآلاف منهم يشاركون في الصراع".

وأضافت "هناك مقاطع فيديو وصور موثقة وهم في منطقة نهر النيل يحملون السلاح ويتدربون وكذلك شاركوا في معارك في منطقة الفاو والمناطق التي تحيطها وقتل العديد منهم في هذه المعارك، كذلك تم استخدام الأطفال في المعارك التي دارت في الحلفايا، ولا يزال التجنيد مستمراً من الجانبين".

ووفقاً لمراقبون فإن الجيش السوداني لا يجند من هم دون الثامنة عشرة ولكن بمبادرة تسمى "المقاومة الشعبية" دعا لها أنصاره وقيادات أهلية، بالإضافة إلى دعوات قائد الجيش لكل من يستطيع حمل السلاح للانضمام إلى معسكرات التدريب جعلت مواطنين يتجهون صوب المعسكرات حيث تم تدريبهم وضمنهم من هم دون الثامنة عشرة الأمر الذي خلق جدلاً كبيراً.

ويترتب على تجنيد الأطفال الكثير من الآثار السلبية ليس على الأطفال فحسب بل على المجتمع ككل، وأوضحت الأخصائية الاجتماعية ثريا إبراهيم الحاج أن أسوأ ما قد يمكن أن يحدث هو فقدان الطفل لحياته وإذا لم يفقدها يصاب بمشكلات نفسية.

وأضافت "هذا انتهاك بحق الطفل ويترتب على هذا الموضوع حرمانه من التعليم ويتم استغلاله في مهام أكبر من طاقته الجسمانية والذهنية والوجدانية فدخول المعارك يعرضه للخطر وعندما نتحدث عن العنف فهنالك انتهاكات يمكن أن يتعرضوا لها مثل الاغتصاب والتحرش، بالإضافة لمشاعر الخوف والقلق".

ولفتت إلى أن المجتمع يضع هؤلاء الأطفال في صراع نفسي كبير عندما يضع قيم مجتمعية معينة ومعايير للرجولة والشجاعة والتنشئة تغرس فيهم صفات معينة وتطالبهم بتحقيقها "قيم الرجولة التي يشكلها المجتمع داخله والصراع مع الواقع وعمره يصيبه بمشكلات نفسية".

وعن غياب الوعي الأسري الذي يلعب دوراً مهماً في منع تجنيد أطفالها حتى لو كان لديها مصلحة في ذلك، قالت ثريا إبراهيم الحاج، إن "الثقافة القانونية وثقافة حقوق الطفل وتعزيز هذه الحقوق والتوعية بها أمراً بالغ في الأهمية، فالأطفال يشكلون مستقبل البلد حيث أن نسبتهم تفوق الـ 49% من العدد الكلي للسكان"، داعية إلى حماية هؤلاء الأطفال ورفع الوعي بالثقافة القانونية والحقوقية عن طريق الإعلام ومختلف السبل.