'التونسيات كسرن حاجز الصمت والخوف ضد معنفيهن'

تواصل النسويات في تونس المطالبة برصد ميزانية لقانون مكافحة العنف حتى يتسنى للوزارات المتدخلة فرض تدخلها الحقيقي.

زهور المشرقي

تونس - القانون لا يطبّق بالشكل المطلوب، حيث يتم الاستمرار في تطبيق قوانين قديمة ظلت سارية المفعول في المحاكم، فضلاً عن الإفلات من العقاب ما يشجع المعنف على مزيد من ممارسة عنفه ضد ضحيته ويتطور  لطرق أكثر بشاعة، وهي القتل.

تعتبر جليلة الزنايدي المسؤولة عن لجنة مكافحة العنف بالجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، ومركز الاستماع والانصات للنساء ضحايا العنف، في حوار مع وكالتنا أنّ تطبيق القوانين وعدم الإفلات من العقاب وتوعية النساء خاصة من الفئة الهشة بمخاطر العنف سيقلل من نسب العنف.

 

حديثنا عن نضال النسويات لتطبيق قانون مكافحة العنف ضد النساء على أرض الواقع؟

إن وجود القانون رقم 58 الصادر عام 2017 كإطار قانوني يحمي النساء من العنف الذي المسلط عليهن بمختلف أشكاله يعود إلى نضالات الحركة النسوية والحقوقية التونسية، وطالبت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات منذ تأسيسها في السبعينات بوضع قانون شامل للحدّ من ظاهرة العنف المسلطة على المرأة وحماية الضحايا وهي إلى اليوم ما انفكت تناضل من أجل القضاء على كافة أشكال التمييز وتحقيق المساواة التامة الفعلية بين الجنسين، وواكبت بكل عناية صياغة قانون مكافحة العنف وقامت بحملات مناصرة قبل المصادقة عليه وبعد، وهو قانون شامل يحمي النساء من العنف.

لكن الاشكالية تكمن في ضعف تطبيق القانون والذي يعود لعدة أسباب من ضمنها عدم رصد ميزانية كافية للقانون لأن التطبيق يتطلب إمكانيات لمختلف الوزارات المتدخلة على غرار وزارة الصحة والمرأة والعدل والداخلية، إضافة إلى أننا نعيش في مجتمع أبوي ينظر للمرأة بدونية وأول من يستقبلها كضحية للعنف هي مراكز الأمن التي عادة ما يديرها رجال حيث يتطلب التدخل العاجل في نظر هؤلاء أن تكون المرأة معنفة ببشاعة وعليها آثار كبيرة للعنف حتى يتم تصديقها لأخذ حالتها بعين الاعتبار.

 

ماهي الإشكالات التي تحول دون تطبيق هذا القانون بالشكل المطلوب على أرض الواقع؟

تتعرض المعنفة لمجموعة من الضغوطات، التي تبدأ من مراكز الأمن ثم العائلة، حيث يتم العمل على التأثير على الضحية واللعب على وتر أنها لا تعمل ولن تجد من يعيلها. ونحن نعلم أن عدد كبير من النساء اللواتي تتعرضن للتعنيف هن من الفئات الهشة، وبذلك يقوم المجتمع بعملية صدّ لنواياها في مقاضاة معنفها وتقديمه للعدالة بعبارات عاطفية من نوع، "أرجعي لزوجك وهوني على روحك"، وهي ألفاظ تؤثر في نفسية هذه الفئة من النساء، فضلاً عن اللعب على وتر النظرة الدونية للمرأة المطلقة ليتم التأثير عليها بالعودة إلى منزلها.

وبعد هذا الرد السلبي من المجتمع قد يتطور الأمر إلى قتل النساء، بعد تطور العنف نتيجة الصمت والخوف، فاليوم بتنا نسمع كثيراً عن القتل بطريق بشعة، لأنه لم يتم أخذ الشكاوى التي تقدمت بها المرأة في البدء بجدية.

وهنا نقف عند إشكالية وهي أن القانون لا يطبّق بالشكل المطلوب، بحيث يتم الاستمرار في تطبيق قوانين قديمة ظلت سارية المفعول في المحاكم، فضلاً عن الإفلات من العقاب ما يشجع المعنف على مزيد من ممارسة عنفه ضد ضحيته ويتطور لطرق أكثر بشاعة، وهي القتل؛ وكلنا سمعنا عن قضية المرأة التي فقأت عينيها من قبل زوجها بعد الضرب والتعنيف النفسي.

فمسار التقاضي لازال طويلاً ومعقداً ما لا يتناسب مع الحالة المادية للنساء ضحايا العنف من الفئة الهشة اللواتي يضعن بين أروقة المحاكم.

 

لماذا ارتفعت نسب العنف منذ المصادقة على قانون مكافحة العنف؟

لم تكن لدينا قبل الثورة أي إحصائيات ولا نسب حقيقية للعنف ضد النساء، وفي عام 2010 صدرت أول إحصائيات قدرت حينها بـ 47% من النساء اللواتي تتعرضن للعنف؛ وبعد إصدار القانون سجلنا ارتفاعاً في النسب؛ لكن السؤال المطروح هل فعلاً ارتفع العنف أم باتت النساء تُبلّغ عكس العقود الماضية؟

العنف هو ظاهرة من الظواهر المسكوت عنها، أما اليوم باتت النساء تتمتعن بالجرأة الكافية التي مكنتهن من الخروج عن الصمت المخيف وفضح العنف ورفض سياسة الخنوع والتجرؤ أكثر بمقاضاة المعنّف، وهو جانب مهم وإيجابي.

فعلى مستوى المركز استقبلنا العديد من النساء في مركز الانصات من متقدمات في السن وكشفن عن تعرضهن للعنف منذ عقود، لكنهن كن صامتات واليوم بعد الثورة وبعد العمل الجبار الذي قام به المجتمع المدني والنسوي والحقوقي انقلبت المعادلة وباتت لهن رغبة في الحديث والتعبير والتنديد بالعنف وعرض تجاربهن علناً دون خوف.

وكان أيضاً للإعلام دوراً في كسر حاجز الصمت والخوف حيث فسح المجال للنسويات والحقوقيات لفضح العنف والتحدث عنه وتوعية النساء بأن هناك مراكز إنصات وقوانين تحميهن من المعنّف مهما كانت صفته، ما شجعهن على تقديم قضايا والحديث عما تتعرضن له في الفضاء الخاص أو العام، وهي خاصية لم تكن موجودة قبل الثورة حيث كان الحديث عن العنف مسألة أمنية ومرعبة.

 

من الصعب إثبات العنف المعنوي والنفسي، فهل قانون مكافحة العنف ضد النساء راعى هذه المسألة، وكيف يمكن للمرأة المعنفة أن تثبت ذلك؟

القانون رقم 58 نصّ على العنف المعنوي والنفسي، وفي المحاكمة بات القضاة يأخذون بعين الاعتبار شهادة المختص النفسي وشهادة الطبيب للعنف الجسدي الذي تعرضت له الضحية، وهناك قضاة يطلبون مختصاً في علم النفس للاستماع للضحية وتقديم تقريره المتعلق بالمعنفة ليضاف لملف القضية، وهي إجراءات تعتمد اليوم، لكن ليس في كل الحالات، لكن عموماً هو إجراء يتم العمل به أحياناً حين تلاحظ محاميات الجمعية أن الضحية متعبة نفسياً وتعرضت لعنف معنوي ونفسي كبير، حيث يتم إعداد تقرير من مختص في علم النفس على الحالة لأخذه بعين الاعتبار وهو معمول به، لكن من المؤسف أن الإجراء لا قيمة له لدى العديد من القضاة.

وفي الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات نولي الاهتمام الأبرز للعنف النفسي لأنه أشد أشكال العنف وأخطرها باعتبار أن آثاره لا تمحى بسرعة وخدوشه لا تداوى مهما طال الزمن، عكس العنف الجسدي الذي قد يترمم فيه الخدش بالوقت، لكن الآثار النفسية من المستحيل محوها، بالنسبة لنا يجب إيلاء الأهمية القصوى لهذا الشكل من العنف واعتماده في التقاضي لإظهار حق الضحية.

 

بالإضافة للدعم القانوني والإرشاد، تقومون في المركز على العمل من أجل بناء شخصية النساء المعنفات، وفتح آفاق نحو استقلالهن، حدثينا عن هذا الاجراء؟

من أبرز الخدمات التي يقوم بها مركز التوجيه للنساء ضحايا العنف، هو العمل على استقلالية المرأة، فالفرض ليس الاستماع للضحية فقط وتخصيص مختصة في علم النفس أو محامية للمرافعة، نحن أيضاً ضمن المسار الذي نسلكه مع ضحايا العنف، نعمل على استقلالهن، فأغلب النساء اللواتي تأتين إلى المركز نلاحظ عليهن الانهيار النفسي والضعف والخوف بعد العنف الذي تعرضن له، لكن بعد مسار الاستماع والتوجيه نسعى لإخراجهن من معاناتهن، واكتساب شخصية أخرى تتسم بالقوة والثقة بالنفس، تكون قادرة على الدفاع عن نفسها لاستكمال المسار القضائي بكل ثقة بعد إرشادها بتوفير استمارة تقدمها للمحكمة أو لمركز الشرطة، أي نمنحها مسؤولية تحمل مسار التقاضي مع مراقبتها، وبذلك تتمكن من استرجاع ثقتها بنفسها وفهم ذاتها، فحينها تنفتح الآفاق أمامها وتضع أهدافها نصب عينيها، فتصبح تفكر في استقلاليتها المادية، لاستكمال الطريق حتى تصبح نموذج امرأة قوية قادرة عن الدفاع على نفسها ولا تقبل بالعنف مهما كان نوعه.

 

لم يستطع قانون مكافحة العنف وضع حد لظاهرة تعنيف النساء، برأيك ماهي التوصيات لوقف هذا النزيف؟

يجب تطبيق القوانين وعدم الإفلات من العقاب، فحين يأخذ المعنّف جزاءه ستخف النسب، كما يجب فضح التجاوزات وكشف الحقيقة وتوعية النساء.

ولا بد من الإعلام أن يغير استراتيجيته في كيفية التعامل مع قضايا النساء ضحايا العنف وعدم تبسيط آفة العنف، وندائي للصحفيات والصحفيين ألا يتم التطرق للموضوع، إلا بعد التدريب على كيفية التعاطي مع الملف لمعالجته، والمبني على الفهم لقضايا العنف، فضلاً عن الومضات التدريبية لمناهضة الآفة، وهنا ندائي لوسائل الإعلام التعاون وتنسيق الجهود وذلك للدفع نحو القضاء على ظاهرة تعنيف النساء في تونس.

 

ماهي الرسالة التي توجهينها للنساء ضحايا العنف؟ 

أقول لهن، لا بدّ من كسر حاجز الصمت أولاً، فمن يعنفك مرة سيعيدها مراراً، وسيكون مسار حياتك معرضاً للعنف بكل أشكاله، إذا تم التطبيع معه.

لقد عاينا تجارب نساء تحدثن عن تعرضهن للعنف طيلة عشرين عاماً مستمرة وبفعل الصمت استمر معنفها في استهدافها كل يوم، لهذا أؤكد أن على النساء ألا تصمتن أمام آفة العنف، فالسكوت سيزيد من عدد الضحايا، ويتسبب في آلام نفسية من الصعب تجاوزها، فرسالتي هي لا للصمت، يجب التصريح ومقاضاة المعنف لأن ذلك هو أول خطوات مكافحة الظاهرة.