المغرب... التحرش وما يتبعه من قضايا وإشكاليات

دعت الناشطة الحقوقية ورئيسة جمعية "أيادي حرة" ليلى أميلي، إلى تشديد العقوبات بحق كل مغتصب ومتحرش بالفتيات والنساء في الفضاء العام.

رجاء خيرات

المغرب ـ أثارت قضية التحرش بـ "فتاة طنجة" بشمال المغرب جملة من المشاكل التي تقف عائقاً أمام تجريم التحرش وعلى رأسها وسائل الإثبات المنعدمة وتحميل الضحية سبب الحادثة، على الرغم من وجود القوانين الرادعة التي تفترق إلى التعريف.

حول الحادثة التي وقعت بمدينة طنجة بشمال المغرب والتي كانت ضحيتها فتاة تعرضت للتحرش بأحد الشوارع العامة على يد عدد من الشبان، ونظراً إلى أن هذه الظاهرة لازالت مستفحلة في المجتمعات ومؤرقة للأسر وللمجتمع المدني، وأن تشديد العقوبات وتجريم مرتكبي هذه الحوادث يبقى مطلباً أساسيا لكل القوى الحية، كان لوكالتنا حوار مع الناشطة الحقوقية ورئيسة جمعية "أيادي حرة" ليلى أميلي حول الجدل الذي خلفه حادثة "فتاة طنجة" وعن التحرش في الفضاء العام والقوانين التي تحمي الفتيات والنساء منه.

 

كيف ترين الجدل والانقسام في وجهات النظر على خلفية التحرش بفتاة طنجة؟

نعم تابعنا بكل أسف ما وقع للفتاة بمدينة طنجة ‫شمال المغرب، ونأسف أكثر لما يقع للفتيات ضحايا التحرش في الفضاء العام والخاص، فالفتاة تعرضت للتحرش من قبل شبان تبين ذلك من خلال فيديو مصور تم تداوله عبر منصات التواصل الاجتماعي، ثم فُتِح نقاش عمومي ذهب في اتجاه أن الفتاة هي من استفزت الشبان بلباسها، وبالتالي وجب القيام بتلك الأفعال التي نجرمها بطبيعة الحال وقيل إنها لو كانت ترتدي لباساً أكثر حشمة لما وقع لها ما وقع‫، وهذا المنطق نرفضه جملة وتفصيلاً لأن التحرش كسلوك وفعل مرفوض ومجرم قانوناً لا يرتبط بلباس النساء، حيث أنه نلاحظ حتى أولئك النساء اللواتي ترتدين الحجاب لا تسلمن من التحرش في الفضاء العام، وهو ما يفند هذه المزاعم‫، إذاً فمطلبنا الأساسي الحد والقضاء على هذه الظاهرة التي باتت مقلقة لنا جميعاً‫.

 

ما هو تقييمكِ للاقتراحات التي قدمتها بعض الجمعيات، وما مدى قبولها؟

للأسف لازالت تواجهنا إشكالية حقيقية تتمثل في إثبات التحرش بالنسبة للضحايا، ما دفع العديد من الجمعيات بإطلاق حملة ‫"إلى ضسر صفري‫" أي إذا تحرش بك صَفِري‫، حيث تم توزيع آلاف الصفارات على الفتيات في المؤسسات التعليمية وغيرها من أجل فضح المتحرشين في الفضاء العام.

هذه الحملة رغم ما أثارته من سخرية، إلا أنها نجحت في التوعية بخطورة ظاهرة التحرش بالنساء والفتيات في الشارع وفي وسائل النقل العمومي وأماكن العمل وغيرها، كما أنها تبقى حلاً في ظل غياب الأمن والأمان ووسائل تحمي ضحايا التحرش‫.

ناهيك عما تواجهه النساء من عنف لفظي خطير في حال لم تستجب لرغبات المتحرشين وأحياناً كثيرة على مرأى ومسمع من المارة.

 

هل يوجد قانون في المغرب يحمي الفتيات والنساء من التحرش في الفضاء العام؟

رغم صدور قانون العنف ضد النساء وضد التحرش بهن، عام 2018 ‫قانون 103ـ13‫، إلا أنه لازالت هناك اختلالات كثيرة تشوب تطبيق هذا القانون ويسجل ضعف في التعريف به، بل حتى هناك جهل تام بتواجد هذا القانون الذي يجرم العنف النفسي واللفظي والجسدي وغيره من أشكال العنف المبني على النوع.

لكن تبقى مشكلة الإثبات أكبر مشكلة يواجهها ضحايا التحرش، إذ بدون إثبات ذلك يصعب متابعة الجناة‫، وهناك مشكلة أُخرى تتمثل في كون الناس المارة أصبحوا يتفرجون على حوادث التحرش وأحياناً يخرجون هواتفهم لتوثيق المشاهد دون أن يتدخلوا لحماية الفتيات اللواتي تتعرضن للتحرش أو لشتى أشكال العنف حتى لو كان عنفاً جسدياً.

أنها ظاهرة استفحلت ولم تكن موجودة من قبل في مجتمعنا، مع العلم أننا في دولة قانون ولسنا في دولة ‫"الفوضى والغياب‫"، إذ لا يعقل أن نكون دولة لها مؤسسات وقوانين تجرم العنف بشتى أشكاله، ومع ذلك لازالت النساء والفتيات تتعرضن للعنف والتحرش في الفضاء العام‫،  ومن هنا نطالب الفعاليات الحقوقية بحماية النساء والفتيات من التحرش بالفضاء العام والخاص على حد سواء، والضرب بيد من حديد على كل من استباح حرية النساء‫.

 

أي تدابير حمائية ترينها مناسبة للحد من هذه الظاهرة المقلقة؟

للحد من هذه الظاهرة ينبغي توفير كل الآليات لحماية النساء من الاعتداءات التي تتعرضن لها وعلى رأسها حوادث التحرش، حيث بات من الضروري وضع كاميرات للمراقبة بالشوارع لإثبات هذه الحوادث من جهة، ولردع كل من يحاول المس بكرامة النساء والتدخل في حريتهن الفردية التي تكفلها جميع القوانين الوطنية والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب‫.

ومن جهة أخرى، أرى أنه ينبغي التعريف بقانون العنف في وسائل الإعلام المرئية والسمعية والمكتوبة لكي يعلم المواطنون بأن هناك قانون يحمي النساء من العنف، وأكثر من هذا ينبغي تشديد العقوبات بحق المعتدين من أجل الحد من هذه الظاهرة، لأن الزجر وتشديد العقوبة من شأنه أن يردع المعتدين المحتملين.

أعطي مثالاً في بعض الدول مثل فرنسا حيث عقوبة الاغتصاب والبيدوفيليا (الاعتداء الجنسي على الأطفال‫) تكون مشددة وصارمة، كما أن المعتدي على الأطفال ‫"البيدوفيل‫" يوضع على معصمه سوار لمنعه من الاقتراب من المؤسسات التعليمية أو ما شابه بعد خروجه من السجن، حيث لا يسمح له بتجاوز منطقة معينة، حتى إذا ما تجاوزها تُطلق تلقائياً صفارة إنذار فتأتي الشرطة مسرعة لاعتقاله، وهي آليات ضرورية لحماية الضحايا‫.